إن سؤال التحول / الانتقال إلى الديمقراطية، بات من الأسئلة الملحة على النخب الثقافية والسياسية في كثير من البلدان العربية، وبخاصة الدولة المغربية لقد رأى البعض ndash;بنظرة تفاؤلية- من خلال مؤشرات دالة عن بداية وضع خطوات نحو الديمقراطية، من قبيل اعتبار الخطاب الملكي للتاسع من مارس/آذار من عام 2011 بداية مرحلة سياسية جديدة، ثم ما انطوت عليه الوثيقة الدستورية الجديدة التي تم التصويت عليها بأغلبية ساحقة في فاتح يوليوز/تموز من نفس العام، وما تلاها من إجراء انتخابات تشريعية في الخامس والعشرين من نونبر/تشرين الثاني، والتي بوأت حزب العدالة والتنمية المعارض ذي الخلفية الإسلامية المرتبة الأولى بـ 107 مقعدا من أصل 395 (العدد الاجمالي لمجلس النواب)، ثم تعيين الملك على إثر هذه النتائج أمينه العام( السيد عبد الاله بنكيران) لتشكيل الحكومة، وذلك بمقتضى ما جاء في الدستور الجديد، وغيرها من مؤشرات لإصلاح الوضع بالبلد، إلى جانب هذا الرأي، ثمة نظرة أخرى لا ترى أن قطار الديمقراطية قد انطلق بعد، رغم هذه الاصلاحات السياسية المعلنة؛ لأن الدولة لم تقطع بعد مع عهد السلطوية، والاستفراد بالسلطة والثروة وبالرأي العام(وسائل الاعلام) وأن الإجراءت المتخذة غير كافية، ولا تنم عن إرادة حقيقية في التغيير، وإنما فقط لاحتواء الشارع الغاضب، وتجاوز عاصفة الاحتجاجات التي هبت على المنطقة على حين غفلة، وأن ما أقدم عليه النظام من خطوات هي رسائل للخارج، أكثر منها للداخل، وهذا الرأي يعبر عنه الحراك الاجتماعي المتجسد في حركة20 فبراير والمكونات الحزبية والسياسية والمدنية المساندة له.
إن أي تحول من وضع إلى وضع آخر أفضل وأحسن من سابقيه، يحتاج إلى اشتراطات اجتماعية وثقافية واقتصادية وقانونية ومؤسسية، لكن في حالة المغرب، هل تتوفر هذه الشروط مجتمعة، أم تتوفر بشكل جزئي يحتاج الى تطوير وبناء مستمر؟
ماهو المسار المتاح لحزب العدالة والتنمية quot; الاسلاميquot; المغربي، ليسهم في وضع خطوات أساسية للبناء الديمقراطي؟ في أفق تأمين إنتقال أفضل وحقيقي بدلا من انتقال شكلي، أو رسم مسار ديمقراطي تدريجي (على الشاكلة اليونانية مع بعض الفروق بين التجربتين).
لقد رفع الحزب شعارات عدة عندما كان في المعارضة، حيث ركز في خطابه على النضال الديمقراطي كمدخل للإصلاح السياسي، وعموما كان في فترة من فترات المعارضة أداؤه جيدا [قال عبد الله النفيسي (المفكر السياسي الكويتي) الاسلاميون جيدون في المعارضة وسيئون في الحكم] لكن مع توليه السلطة؛ أول تجربة للحزب في الحكم، أصبح يتحدث عن الحكامة الجيدة، ومحاربة الفساد، وترشيد المال العام... وهو إعلان ضمني من الحزب للانتقال من مرحلة التجريد إلى مرحلة التجربة، أو بعبارة أخرى من الهوية إالى التدبير، وهو يريد التخلص من محمولات الهوية، بإبعاد تهمة وصف حكومته، وهي ائتلاف مكون من أربعة أحزاب مختلفة إيديولوجيا فيما بينها quot;بحكومة الضمائرquot; وذلك ما عبرت عنه مجموعة من التصريحات لقادة الحزب يمكن إجمال محتوياتها في: عدم التدخل في الحريات الفردية للمواطنين، لكن هل هذا الهروب صوب الاستغراق في التدبير الحكومي، على حساب تهميش أو تحجيم الجانب الهوياتي، كاف لبناء جسور الثقة مع المشككين والخصوم والنظام، وأكثر من ذلك، كاف لبناء ديمقراطية في البلد قائمة على وضوح نظري منطلق من مرجعية الحزب التي يؤمن بها؟
لدى الحزب ndash; بنظرنا ndash; مسار واحد، يمكن أن يؤمن انتقالا ديمقراطيا أفضل وهو رهن أيضا بالاجابة عن جملة من الاسئلة ذات طبيعة تصورية لما يجب أن تكون عليه دولة ديمقراطية:
أولا: المضي قدما في تكريس الديمقراطية في المؤسسات الحكومية، ؛ تعميق دمقرطة المؤسسات، وكذا دمقرطة هياكل السلطة وبنى المجتمع المدني، وإحداث تغير نوعي في السلطة، للإرتقاء بالعمل الحكومي لتكون له مصداقية، وفعالية تغييرية حقيقية، ثم إزالة الالتباس حول العلاقة بين المؤسسة الملكية والسلطة التنفيذية، بمعنى آخر، هل يبدو للشعب الحزب PJD (الائتلاف الحكومي) في الحكومة أم في السلطة؟
إذا كان في خانة الحكومة فقط دون سلطة، فيكون قد ارتقى من سكرتارية العمل لدى الملك، إلى شركة كبيرة يشتغل فيها مدراء /وزراء يسعون لتحسين الإنتاج والمردودية ..
هذا التشبيه استعرناه من تصريح رئيس الحكومة ع الإله بنكيران في مؤتمر quot;دافوسquot; الأخير بقوله: بأن الحكومات السابقة كانت بمثابة سكرتارية لدى الملك.
إذا كانت الحكومة تملك سلطة حقيقية، فهي سلطة تنفيذية، بإمكان الشعب أن يحاسبها، إلى جانب هذه الإشكالات تعترض أول تجربة للإسلاميين في الحكم إشكالية أخرى كيف سيتم تنزيل الوثيقة الدستورية الجديدة الجديدة في ظل واقع مؤسساتي خالي من ثقافة quot;التمقرطquot; أو الدمقرطة quot; ذلك هو التحدي العسير، الذي يحتاج من الفريق الحكومي الانكباب على تجذير الديمقراطية وقيمها في البني المجتمعية. ووضع خط أحمر على المكاسب التي تحققت في هذا المجال كحقوق المرأة وحقوق الانسان والحريات. لاشك أن هذا الخيار محط إجماع كل الشركاء السياسيين مما يجعل الحزب ملزم بالعودة الى مربعه الاول باستحضار خطابه لما كان في المعارضة وهو أولوية النضال الديمقراطي، بدلا من الدخول في متاهات المناداة بالحكامة والتباساتها، فللدولة تصورها الخاص للحكامة (لقد أفرد الدستور الجديد للحكامة فصولا من154 الى171 من الباب12) كما للحزب منظوره الخاص لها، مما جعل بعض الخصوم السياسيين له يعلقون على ورود الحكامة في خطابه مجرد توظيف إيديولوجي.
ثانيا: إلى جانب دمقرطة هياكل السلطة كما أشرنا آنفا، لابد من تعزيز quot;الديمقراطية الرقابيةquot; فالحكومة مطالبة بتفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، تلك العبارة التي وردت في الدستور الجديد؛ ما فتىء يرددها الكثير، لكن تنزيلها لا يزال بعيد المنال، على سبيل المثال إخضاع الأجهزة الأمنية إلى المساءلة.
ثالثا: الحسم في كثير من الاسئلة ذات الطبيعة الهوياتية quot;الايديولوجيةquot; التي تلح على طرحها وسائل الاعلام بمختلف أنواعها، ويتهرب وزراء العدالة والتنمية منها، بدعوى أنها ليست من الأولويات، لاسيما في موضوع الحريات، ومعلوم أن الحزب يدعي أنه يحمل مشروعا quot;إسلامياquot; ينطلق من مرجعية إسلامية، على هذا الأساس تنظر اليه مكونات المجتمع، وتتابع ممارسته السياسية في أدق تفاصيلها، بحثا عن كيفية تطبيق مثالياته أو أحلامه السياسية المستمدة من الشريعة الاسلامية. ثم الاجابة أيضا عن خلفية ممارسته السياسية؛ وتحديدا، من أين سيستمد تبصراته في السياسة، هل من الدين أم من العقل أم الرهان على الواقع والتجربة ؟ وما هو منظوره لشكل الدولة وطبيعتها في ظل التغييرات الحالية محليا وإقليميا ودوليا وحدود الدولة ومدى تدخلها في حياة المواطنين وحقوقهم...؟