مؤسف للغاية أن تتخلف الحكومة العراقية عن إتخاذ موقف رسمي صارم وحاسم من جرائم النظام السوري المروعة ضد شعبه و التي بلغت حدا كارثيا و شنيعا تجاوز كثيرا حتى حدود الإبادة الوحشية للجنس البشري، وهو موقف سياسي سيء و مريع سيدفع ثمنه مستقبلا لا محالة الشعب العراقي بما سينتج عنه من توتر وبدايات غير سليمة لعلاقات العراق الدولية و الإقليمية، وطبعا نعلم جيدا بطبيعة التداخلات و الملفات المحرجة التي تجبر صانع القرار العراقي على إتخاذ مواقفه غير المنطقية و لا السليمة و المتعارضة كليا مع مباديء الديمقراطية التي يتمشدق بها أهل الحكم في العراق و الذين يا لسخرية الأقدار يتخوفون و بهلع مميت من سقوط النظام البعثي في سوريا بينما يتبجحون يوميا بنضالهم القديم ضد نظام البعث العراقي!!

فكيف يكون البعث رحمة في سوريا وعذاب وجحيم في العراق؟ رغم أن البعثيين ملة واحدة كما نعلم و تعلمون فهوية النظام الشمولية و رؤيته التآمرية لكل دعوات الإصلاح و التغيير منهجية وواحدة لم تتغير؟ إضافة إلى أن نظام البعث السوري ووفقا لتصريحات نوري المالكي نفسه في أوقات سابقة قد إحتوى وضم البعثيين العراقيين تحت جناحه سواء ذلك الفرع اليساري القديم المؤيد له من جماعة الرفيق ( نوري الراوي ) في القيادة القومية، أو جماعة البعثي العراقي المنشق محمد يونس الأحمد؟ بل أن للنظام السوري علاقات خاصة ومميزة جدا و تدار خيوط تلك العلاقة بحرفنة وسرية مطلقة مع جماعة نائب الرئيس الأسبق عزة الدوري الذي يتحرك بفاعلية وخفة في العراق من خلال شبكة واسعة من المؤيدين والأنصار لدرجة العجز الكامل عن إلقاء القبض عليه رغم الجائزة المليونية ( 10 ملايين دولار ) المرصودة لرأسه!!

ولعل أكثر الآراء المؤسفة المعبرة عن هشاشة الحكومة العراقية وضعف مستوى أدائها الدبلوماسي و السياسي و تخلفها المريع في هذا المجال هو الخوف الحكومي من عودة ( رينغو ) أو عزة الدوري لسدة السلطة بعد إنهيار نظام بشار الأسد!! وهي مخاوف تثير السخرية و التندر لسلطة لم تستطع تثبيت أقدامها على الأرض رغم مئات الآلاف من عناصر الشرطة و الجيش و الميليشيات المدعومة بقوات حرس الثورة الإيرانية ( فيلق القدس ) أضافة للجماعات المسلحة الخاصة و لفيالق الحماية الأمنية الذين يكلف وجودهم مليارات عدة من الدولارات سنويا كان من الممكن توجيهها صوب التنمية المفقودة في عراق يزحف على بطنه من الفشل الأمني و المؤسساتي و الخدماتي، إذا كانوا يخافون من ( شبح ) مريض إسمه عزة الدوري فهذا يعني إن في الأمر أكبر من مشكلة؟ لأنه ليس من المعقول وبعد مايقارب العقد على إنهيار نظام البعث العراقي أن تستمر المخاوف من عودته بعد أن تغيرت أشياء و معطيات و عوامل كثيرة على الأرض لأن في تلك المخاوف المثيرة للسخرية إقرار و إعتراف فظيع بالفشل بحيث يخشون من إقتحام قوات عزة الدوري المفترضة لحصون المنطقة الخضراء في حالة سقوط نظام بشار الأسد؟ فأين إذن توارت مؤسسات النظام العراقي الجديد العسكرية و الأمنية؟

و أين توارى الولاء الطائفي و الحزبي و الميليشاوي للقوى الحاكمة؟ وكيف يخشون من رجل يقولون عنه أنه قد مات منذ زمن نظرا لإصابته كما يقولون بمرض سرطان الدم رغم أن تحركاته الميدانية لاتؤيد أبدا ذلك الزعم؟ لا بل أن بعض القوى العراقية المتطرفة تزعم بوحود عزة الدوري في المملكة العربية السعودية أو في دولة قطر؟ وهي مزاعم سخيفة ومفتقدة للمصداقية، والواقع و نظرا للمعرفة الوثيقة بالنفسية العامة السائدة في العراق فإن لعزة الدوري وجود مؤثر حتى في بنية الأحزاب الطائفية الحاكمة في العراق اليوم بسبب طبيعة التغيير الذي حصل في العراق و الذي كان سريعا وعن طريق الإحتلال العسكري الخارجي وليس عن طريق النضوج الثوري الداخلي، لذلك كان تبدل الولاءات الظاهرية بشكل سريع و مفاجيء و ليس عن قناعة وقد عبر عن ذلك بين الزجل الشعري الذي يقول:

عمامة بسبع لفات وأربع محابس

قبل السقوط بيوم زيتوني لابس؟!!

شخصيا أعرف عناصر كانت متطرفة جدا في بعثيتها و عدوانيتها ضد المخالفين أيام صدام حسين فإذا بهم اليوم أعضاء فاعلين في الأحزاب الطائفية بعد أن تحولوا ( لسادة ) و ( متقين ) و نزعوا جلدهم البعثي ليرتدوا نفاقا وتزلفا و حفاظا على المصالح ثوب الطائفية المريض.

لا أدري حقيقة كيف تتحول مصالح الدولة بأسرها و علاقاتها العربية و الدولية لتكون أسيرة لهواجس أمنية ترتعب من بعبع و شبح إسمه ( عزة الدوري ) تحول ليكون كابوس جاثم على صدور أهل الديمقراطية الجديدة، إذا كانوا يخافون من بائع ثلج سابق و شبح حالي، فهل ينفع هؤلاء لقيادة الدولة العراقية؟

[email protected]