يبدو أن المجازر الفظيعة و حملات الإبادة الجماعية التي يشنها نظام قتلة الأطفال السوري لم تحرك شعرة واحدة في جسم الرئيس العراقي الحالي و زعيم ميليشيا الإتحاد الوطني الكردستاني جلال طالباني، و لم تجعله ينتفض وهو في أخريات أيام العمر ليعلن تضامنه مع أشقائنا الشعب السوري حتى تحركت تلك المشاعر بحدة وعاطفية ورومانسية ليرسل الرئيس جلال أحر تعازيه لبشرى الأسد ويواسيها برحيل بعلها المجرم آصف شوكت الذي هو في البداية والنهاية أحد قتلة الشعب السوري وقائد بارز من قادة شبيحته وعضو فاعل في العصابة السورية الحاكمة التي لن يختلف مصيرها في حال سقوط النظام و مثولهم أمام المحاكم المختصة، عام و نصف على إندلاع الثورة الشعبية السورية وعشرات الآلاف من الضحايا و الشهداء و المشوهين و المشردين، ورئيسنا صامت يتفرج ومشغول بإدارة الأزمة الداخلية التي لا تعرف الحلول أبدا، ثم يأتي بعد مصرع قادة النظام الإرهابي المجرم وهم مجرمون ومصيرهم معروف ليعزي بهم و يذكر مآثرهم، ويتحدى ببرودة عجيبة مشاعر ملايين السوريين وهو يتضامن مع قتلتهم و من ترتفع حناجر الجماهير في المدن السورية وهي تطالب برحيلهم و محاكمتهم و إسقاطهم و كنسهم لمزبلة التاريخ.

وهو مافعلت القوى السورية الحرة في الجيش السوري الحر أو فصائل المقاومة الشعبية التي أنجزت المهمة وقربت يوم الخلاص و تعاملت مع القتلة و المجرمين باللغة التي بفهمونها و بالأدوات التي يفضلونها، مشكلة القيادة العراقية الراهنة أنها لا تريد ولا ترغب أن تتعلم شيئا من التاريخ، و مازال رجالها يعيشون في جلباب و عقلية مرحلة المعارضة السابقة و يتسابقون بتقديم الولاء لمشغليهم السابقين، فحزب الرئيس طالباني ( الإتحاد الوطني الكردستاني ) و المنشق على قيادة الراحل مصطفى البارزاني هو حزب تأسس عام 1976 في دمشق ومن هناك مارس نشاطه وحمل قادته ومنهم طالباني و الغريب إن النظام السوري وهو يدعم الأحزاب الكردية العراقية يمارس تطهيرا عنصريا عجيبا على الأكراد في سوريا ويرفض الإعتراف بهويتهم القومية و يصر على تعريبهم!!

المهم إن مشاعر الود التي أظهرها الرئيس طالباني في رسالته لبشرى الأسد لم تعد تمثل موقفه الشخصي من العائلة الرئاسية المجرمة في الشام وإنما هي تمثل موقفا رسميا عراقيا سيصيب بتداعياته مصالح العراق و علاقاته الإقليمية، فالرئيس طالباني الذي تطوع و تنازل للسوريين عن دم إبن عمه المرحوم فؤاد الطالباني الذي قتلته مخابرات حافظ الأسد عام 1995 كان ينبغي أن يكون أكثر حذرا في المواقف و التصريحات في هذه المرحلة الحاسمة من التاريخ السوري وحيث يتشكل وضع سوري جديد مختلف بالمرة عن كل ماسبقه من عقود التسلط العسكري و الفاشي وحيث يخوض الشعب السوري أشجع و أروع ثورة شعبية عربية في التاريخ الحديث ليس هنالك ما يماثلها في فدائيتها وصمودها و عنفوانها، و ستنتصر تلك الثورة بشكل مؤكد، وحكام المنطقة العراقية الخضراء هم اليوم في حيص بيص حقيقي و طبعا دون أن نتجاهل بأن غالبية الأحزاب الطائفية العراقية المرتبطة بالأجندة الإيرانية لها دور ملموس في التعاطف مع النظام السوري و الوقوف لجانبه لحسابات و مصالح طائفية ضيقة معروفة خلفياتها و تداعياتها و إرهاصاتها، و إنهيار النظام السوري و عن طريق الثورة الشعبية السورية هو بمثابة كابوس حقيقي للأحزاب الطائفية العراقية التي لها مصالح و أملاك و إرتباطات عميقة جدا بالنظام السوري و عبر شبكة واسعة من العلاقات تمتد من طهران لبغداد لتتواصل لبيروت حيث مقر أفاعي حزب خدا اللبناني/ الإيراني الذي ستتساقط أسنانه بالكامل مع سقوط النظام السوري، حكومة العراق وهي تتأهب لمرحلة مابعد بشار أسد تعيش في أزمة نفسية عميقة للغاية، ولكن تعزية جلال طالباني لعائلة الأسد هو تصرف غير سليم من الناحية الدبلوماسية المحضة... أزمة الأحزاب العراقية المرتبطة بالمخابرات السورية أكبر من كل ماهو متصور.

[email protected]