أرجو ألا يفسر البعض ما سيرد في هذه المقالة أنه يمت الى المسيح و المسيحية بصلة، وإنما هي أحداث سواء في المسيحية أو الاسلام أو غيرها من الأديان تستخدم مفاسدها في الأرض وتنسبها الى الأديان، فلا علاقة لما يحدث في قصور باباوات روما وهذه القصة التي استفاض البعض في الحديث عنها، وقد صورت أكثر من مرة للسينما والتلفزيون.. وأتوجه لقراء إيلاف من المسيحيين والمسلمين ألا يجعلوا منها ساحة للتشاتم والسباب كما حدث بكل أسف في مقالة (عاصم وايزابيلا)..
* * *
امرأة جميلة رائعة الجمال كحلم الفنان.. ذكية بارعة الذكاء كحذق جان جاك روسو.. ومكيافيللي.. و هيغل..
هي صورة حية لعصر النهضة الايطالية بكل ما فيه من عاطفة ملتهبة ومباذل وجرائم أذهلت الشياطين.. وبكل ما فيه أيضا من علم وفكر وفن.. وكان حجر الأساس لما بلغته الحضارة الغربية الآن.. أنها (لوكريزيا بورجيا)..
وهى من أسرة كل فتيانها وشيوخها من المرشحين لأخطر منصب ديني.. (عرش البابوية في روما).. جدها، أبوها.. ثلاثة من إخوتها صاروا باباوات!!
والعجيب أنها هي المرأة الجميلة البارعة الذكاء الباحثة عن اللذة في الحلال والحرام أينما وجدت!!.. هي التي كانت المحرك الحقيقي لهؤلاء جميعاً من وراء الستار..
إذا رجعنا مع الزمن إلى يوم 3\2\1497.. ودخلنا القاعة الكبرى في قصر الفاتيكان - مقر البابوية - لرأينا لوكريزيا فتاة الخامسة عشر من عمرها في ثوبٍ شفاف يكاد يظهر تقاطيع جسمها ترقص مرحة فرحة كفراشة مخمورة وعيون الحاضرين والحاضرات تتابع وثباتها البارعة المثيرة في إعجاب!!..
الرجال يتطلعون إلى لحظات انفراد مع هذه الساحرة المسحورة.. والنساء تلهب قلوبهن الغيرة من هذه الجنية الصغيرة التي أدار جمالها وسحرها رؤوس الأزواج والأبناء..
وأبوها.. البابا الكسندر السادس، على عرشه وحوله ولداه سيزار وجانديا يرقبون تأثير هذا السحر على كل من حضر ذلك الحفل.. يقترب سيزار من والده مبديا اعتراضه على ما تقوم به أخته من رقص مثير.. فيجيبه أبوه :
-يا ولدى آن الأوان لكي تظهر لوكريزيا في المجتمع الايطالي.. أردت أن يكون ظهورها على صورة لا ينساها الناس أبداً..
-ولكن يا أبي إني لأخشى ان يؤثر هذا على نفسية الصغيرة مما قد يدفعها إلى الغرور والطيش..
-(ضاحكا) غرور، طيش !! أنها اذكى امرأة في الدنيا كلها.. لا تخف على أختك.. إن الشياطين ليتتلمذون على يديها!!..
-الأجدر أن يكون الخوف على سمعتك كرئيس روحي لهؤلاء الناس جميعاً..
-اسمع يا سيزار آل برجيا لا يخافون أحداً، لقد عزمت على أن لا يبقى منصب البابوية مجرد رمز ديني.. يجب أن يكون للبابا السلطان المطلق في الأمور الدينة والدنيوية معاً، يجب أن أكون بابا وإمبراطور معاً.. ولقد نجحنا في هذا إلى حد كبير..
-يا أبي أنا أحدثك عن لوكريزيا !!..
-سنزوجها لرجل من أسرة نستطيع أن نسخرها لأهدافنا..
-إذن فلوكريزيا وسيلة إلى غاية..
-لنقول أنها غاية ووسيلة معاً..
● ● ●
bull;وزوجوها بالكونت جيوفاني سفورازا.. رجل في الخمسين اشتهر بعزوفه عن الناس.. وزجوا النار الملتهبة بالثلج الذي لا يذوب..
وحملها الزوج الوقور الشديد التزمت الى مدينته (بسارو)..عاشت في قصره الذي يشبه المعبد عامين.. ولكن متى كانت في طبيعة النار أن تحبس في قمقم؟؟!!.. خرجت في الظلام إلى مباذلها، والزوج لاهٍ من عبث زوجته.. بصلاته، وعبادته، ورعايته طفلته الجديدة من لوكريزيا..
وتسألها إحدى صديقاتها :
-هل الطفلة ابنة زوجك حقاً ؟
-لا تكوني سخيفة.. يكفي أنها طفلتي أنا ويكفي في النهاية أنها تحمل اسم سفورزا.
-ألا تحبين العودة إلى روما..
-لا.. لست أريد العودة..
-عجباً والحرية التي تتطلعين إليها هناك ؟..
-حريتي هنا مكفولة، زوجي لا يرد لي طلباً..
-وعشاقك هناك؟..
-لقد ضقت بهم ذرعاً لسببين.. شقيقي جانديا رغم رقته، لوث حياتي بتصرفاته الصبيانية.. وأثار حولي كثيراً من الشائعات..
-وسيزار ؟
-سيزار يريد أن يجعلني عبدة لرغباته ولأطماعه السياسية.. لا.. أنا هنا في أمان من متاعب هذين الأخوين..
● ● ●
bull;ولكن جانديا لم يحتمل عذاب البعد عن شقيقته.. بعد أن وصلت الى روما قصص مذهلة عن مباذل الأخت الجميلة.. وكان لابد أن يذهب إليها.. ولكن قبيل سفره بليلة واحدة، ترصدتة الخناجر المسمومة فمزقت جثته التي عثر عليها بعد أيام في مياه نهر التبر.. ويقول الأب لابنه سيزار:
-لقد أشارت إليك الأصابع في كل روما في حادث مقتل أخيك ؟!
-الغاية تبرر الوسيلة.. كما علمتنا يا أبي..
● ● ●
bull;وكانت مناسبة ذكرى تتويج البابا الكسندر السادس.. حيث جاء الأمراء والأشراف وكبار الأعيان إلى روما.. وكان سفورزا ndash; زوج لوكريزيا ndash; من بين من جاءوا ولكنه أبقى زوجته في مدينته.. واختلى سيزار بالزوج معاتباً اياه..
-طلبت إليك عشرات المرات أن تعود بزوجتك إلى روما فإلى متى تعصي رغبة قداسة البابا..
-إنها رغبتك أنت يا سيزار..
-هل تعرف أنك بهذا تتمرد على الأوامر المقدسة !!..
-إنني أتمرد على ما أشم منه رائحة تمس بشرفي!!..
-هذا أمر خطير !!.. ألا تخشى أن نجردك من بركات الكنيسة ؟..
-عندها سأعود إلى مدينتي وأطوف كل أرجاء ايطاليا ومعي زوجتي، نعلن على الملأ عن أهدافك التي تتنافى مع الدين والخلق !!؟
-عزيزي الكونت سيفورزا أنت صهري فلم العداء؟..
-قد كان جانديا أخاك يا كونت سيزار؟؟!!
-اطمئن تماماً يا كونت فليس هناك من يفرض عليك ما لا تريد!!..
● ● ●
bull;في اليوم الثالث من الاحتفالات وجدوا الكونت سيفورزا ميتا في غرفته.. لكن الطبيب المشهور انطونيو جرماني قال كلمته الفاصلة.. بعد أن حصل على دوقية نابلي :
(الموت طبيعي بهبوط في القلب.. لقد نصحته بألا يخرج لرحلة الصيد أمس ولكنه لم يستمع إلى نصحي.. إن رحلات الصيد لا تتناسب مع من هو في سنه...)
● ● ●
bull;من عجائب النفس البشرية إنها تتغير من النقيض إلى النقيض في لحظات.. انقلبت لوكريزيا من زوجة خائنة مبتذلة إلى أرملة تنادي بالقصاص من قتلة زوجها..!! كيف حدث هذا؟.. توضح في مذكراتها قائلاً :
quot; لا ادري.. لم أكن أحب سيفورزا وإعجابي وحبي لأخي سيزار مضرب الأمثال في ايطاليا كلها، ولكن الضربة التي مُنيَ بها سيفورزا أصابت كرامتي في الصميم.. ولابد أن انتقم لزوجي حتى لو قتلت أخي بيدي quot;
وعادت لوكورزيا إلى روما، ولم تمضي على عودتها أكثر من عشرة أعوام حتى صارت صاحبة السلطة الوحيدة في روما.. تحرك أباها البابا، وأخيها سيزار من بعده حين صار على عرش البابوية ولم تسترح حتى أنغرس الخنجر المسموم في صدر شقيقها.. والفاعل مجهول !!..