ثورات الربيع العربي التي انطلقت من تونس بشرارة أطلقها الشاب المرحوم بوعزيزي، ما كان أحد يتوقع لها هذا الامتداد عبر الحدود العربية، لتبدأ الإطاحة بالأنظمة الديكتاتورية الاستبدادية التي حكمت البلاد والعباد من خلال أساليب القتل والسجون والتعذيب والنهب والفساد التي جعلت كافة الأقطار العربية في رأس قائمة مصادرة حقوق الإنسان وتغييب كرامة وحرية المواطنين، بالإضافة إلى التخلف الذي جعل كافة الأقطار العربية تعتمد في غالبية احتياجات حياتها اليومية على الاستيراد من الخارج، وهذا التخلف والاستبداد القمعي جعل السجون في غالبية الأقطار العربية حقيقة أكثر عددا من المستشفيات والجامعات، هذه الجامعات العربية التي لم يدخل اسم أية جامعة منها في قائمة أفضل ثلاثمائة جامعة في العالم، بينما في هذه القائمة عدة جامعات إسرائيلية وأفريقية.

ما هي المواقف المتوقعة لمواجهة هؤلاء الطغاة؟
بدون المزيد من التحليلات والتفسيرات، فوقائع الشعوب في العصر الحديث تحديدا تميل دوما للوقوف في صفّ الشعوب ضد هؤلاء الطغاة والمستبدين الذين لم يقيموا نسبة ما من العدل بين شعوبهم، بل طغّوا وتجبروا وظلموا إلى حد أنّهم أصبحوا (فرعون) العصر. لذلك كان الطبيعي والمتوقع أن يكون أول من يقف في وجوههم الكالحة، هم علماء وشيوخ وفقهاء الدين، الذين يقدّمون أنفسهم على أنّهم القائمين بالمحافظة على تعاليم الله تعالى وقرآنه الكريم وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلّم، خاصة أنّهم يكرّرون ليلا ونهارا بمناسبة وبدون مناسبة قول الرسول (أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر). فهل هناك من هو أكثر جورا وظلما وقتلا من وحش سوريا السفّاح بشار الوحش وريث السفّاح حافظ الوحش؟.

فكيف كان موقف شيوخ سوريا من هذا السفّاح المجرم؟
أكثر موقفين خزيا وعارا هما موقف من يطلق عليه مفتي سوريا quot; أحمد حسّونquot;، الذي لم يتفوق عليه أحد في التغريد في قفص الوحش، والتطبيل والتصفيق لجرائمه التي قتلت منذ مارس 2011 ما يزيد على عشرين ألفا من الشعب السوري، غير ألاف مؤلفة من المسجونين والمفقودين. ولقد بلغ الخزي والصفاقة بهذا الحسّون (واعظ السفّاح) أن يهدد أوربا والولايات المتحدة بخلايا جهادية حسب مفهومه المخزي للجهاد، مدّعيا أنّها خلايا لن يرسلها من سوريا بل هي خلايا نائمة من مواطني تلك الدول، وكأنّه قائد عسكري سرّي من كوادر حزب حسن نصر الله وليس شيخ دين. وقد وافق شنّن (حسون) طبقة (البوطي) الذي لم يحترم على الأقل عمره، ولكن عمرّه في الغالب ضيّعه في النفاق والتنظير الفاحش لهذه العائلة منذ ما يزيد على أربعين عاما، فقد كان كبير المنافقين للوحش الأب لدرجة أنّه أمّ صلاة الجنازة على روح ذلك المجحوم وبكى أثناء الصلاة. أمّا الكلمة التي ألقاها في أربعين ذلك الوحش فلا تصدر إلا عن منافق يشبه الطاغية، فالطاغية يقتل البشر بالسلاح والرصاص، وهذا البوطي يبرّر القتل مسيئا لله وتعاليمه عندما يستعملها في تبرير القتل والفساد والنهب لثروة الشعب. وأفضل من تتبع هذه الظاهرة البوطية هو الشيخ ألأستاذ أسامة السيد في كتابه (الرد العلمي على البوطي). ومن الحوادث المعروفة أنّ (دار المشاريع اللبنانية) عرضت هذا الكتاب في جناحها بمعرض الكتاب الرابع عشر عام 1998 في دمشق، ولمّا عرفت به سلطات الوحش أمرت بسحب الكتاب ومصادرة كافة نسخه المعروضة في جناح الدار ناشرة الكتاب. وليت هذا البوطي يتذكّر أنّه مواطن كردي ونظام الوحشين كان وما يزال يتنكر لأبسط حقوق المواطنين السوريين من القومية الكردية بما فيها منعهم تحت طائلة القتل والسجن من استعمال لغتهم القومية الكردية، بينما دولة الاحتلال الإسرائيلي تسمح منذ عام 1948 للمواطنين الفلسطينيين باستعمال لغتهم العربية. وما يزال مئات ألاف منهم محرومين من الجنسية وسجلات القيود المدنية، بالإضافة لسياسة التطهير العرقي التي مارسها حزب العبث اللااشتراكي ضدهم.

وعلى النقيض موقف الشيخ عبد الجليل السعيد،
هذا الشيخ الفاضل الذي عرف معنى تطبيق تعاليم الله تعالى التي تنصّ على العدالة ومحاربة الفساد ومقاومة الحكام الظلمة الجائرين، لذلك شارك في الثورة السورية منذ بدايتها، خاصة خطّبه في مسجد مدينة احسم في جبل الزاوية مما أدّى لمنعه من الخطابة بأوامر من أمن الوحش، ثم اعتقاله في مدينة إدلب من قبل المخابرات العسكرية، وأعقب ذلك اعتقاله من قبل المخابرات الجوية لانتقاده الحاد للمؤسسات الأمنية والدينية والحزبية البعثية، خلال ما سمّاه الوحش الحوار الوطني. وبعد الإفراج عنه هرب إلى لبنان، وأخيرا أعلن انشقاقه الرسمي عن المؤسسة الدينية الداعمة للوحش ونظامه. ومن أهمّ تصريحاته كما أدلى به في حواره مع (إيلاف) يوم الأحد الخامس من أغسطس 2012 قوله: (المؤسسة الدينية الرسمية كما هو معلوم، جزء من تركيبة النظام سواء بالظاهرين منها أو المستترين، وبحق أقول: سيكون حساب هؤلاء شعبيا عسيرا، والعلماء الأحرار الذين أحمدّ الله أنّني واحد منهم، شاركوا في الثورة وقادتها من اليوم الأول، والشيخ أحمد الصياصنة والدكتور عماد الدين رشيد خير مثال). لذلك أقول كمواطن داعم لثورة الشعب السوري ومناهض لنظام الوحوش: شكرا وتقديرا لهؤلاء العلماء الأفاضل الأحرار، والخزي والعار وحساب الشعوب لوعاظ الوحوش.
[email protected]