الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه!
من علمنا هذا الدرس الأول!؟
من علمنا المشي في طريق الخطأ ولم يعلمنا المشي في طريق الصواب؟

عرضت شاشة الحرة quot;الأميركيةquot; في العراق والتي تبث من quot;واشنطنquot; تقريراً مصوراً من مدينة واسط العراقية أعلنت عنه مذيعة سمراء مترفة اللباس مهندسة الماكياج وإلى جانبها مذيع بذقن أبيض مترف الأناقة هو الآخر، وهو شأن طبيعي أن يظهر مقدم نشرة الأخبار ومقدمة النشرة أنيقين ما يبهج الناظر، لكن المشهد لا يتطابق مع التقرير ويبدو نشازاً. وكان التقرير قد تلاه مراسل القناة في الكوت ndash; واسط، عن تقديم المحافظة مساعدة مالية لكل يتيم وأرملة مقدراها خمسة وعشرين ألف دينار عراقي. والرقم الموصوف بالألف هو بسبب التضخم المالي منذ هبوط سعر الدينار مقابل العملات. وحقيقة المساعدة تساوي ما يعادل عشرين دولاراً.

وقف السيد مسؤول المدينة في واسط ببدلته الزرقاء وربطة العنق المماثلة، وبالعلامة الفارقة quot;السيماءquot; على الجبين ليعلن القرار فيما تزاحمت كتل سوداء قرب مركز المحافظة وعددهم حسب المسؤول ثلاثين ألفاً بين إمرأة ويتيم ينادين ويتوسلن وسط درجة حرارة قاربت الخمسين، ثم قدم الميكرفون إلى إمرأة عراقية تجاوزت السبعين من العمر بأخاديد على وجهها تشبه أخاديد أرض مدينة الفاو التي جفت، تحدثت المرأة الأرملة وإنسابت دموع نهري دجلة والفرات، لتسري بين أخاديد وجهها وهي تقول لقد قتل زوجي وأربعة من أبنائي وبقي عندي ولد واحد، لكن القتلة جاءوا بعد فترة من الحادث وأطلقوا على ولدي الوحيد رصاصة في جبينه وأخرى في قلبه وثالثة في كتفه لكن الله سبحانه حفظه ولم يمت ولا يزال حياً وأنا المسؤولة عن إعالته. ثم مشت المرأة وحدها في شارع ترابي تصطف على جانبيه علب تسمى مجازاً بيوت.. تمشي فوق مياه آسنة من مياه تصريف المجاري! وقالت quot;الحمد لله... ! quot;

هذا العدد من الأرامل واليتامى الثلاثين الف عراقي هم في مدينة واسط وحدها الذين إستحقوا المساعدة.

مشهد يدمي القلب حقاً. وهذا المشهد غير منسجم لا مع صورة المذيع والمذيعة ولا مع صورة المحافظ المتحدث أمام لاقطة وعدسة قناة الحرة quot;الأمريكيةquot;، فالصورة بين شكل الأعلام وواقع الحال متناقض تماماً، القناة ليست مسؤولة عنه، بل المسؤول عنه من هم وراء القناة الذي جروا العراق إلى هذه الصورة منذ العام 1968 وحتى إشعار آخر!

أتساءل إن كان أي عضو من أعضاء الكونغرس والسيد الرئيس باراك أوباما أو أيهود باراك أيهما يحكم في أمريكا قد شاهدوا هذا المشهد الذي لن ينسى لكل من يشاهده وهم يرسلون فيه قائد قواته السابق في العراق ليناقش مع السيد رئيس وزراء المنطقة الخضراء موقف حكومتهم من الأزمة السورية!؟ أما ما يحصل في العراق من جور وظلم وفقر تجاوز حد الفاقة فهم غير معنيين بمناقشته مع رئيس وزراء المنطقة الخضراء، لأن ما يحصل في العراق من هذه الحياة الجحيمية هو هدف المؤسسة الأمريكية منذ العام 1968 وحتى إشعار آخر!

كيف يجوز أن يعيش حتى مواطن واحد فقط لا غير في قفص ترفض الدجاجة العيش فيه وسط المياه الآسنة يقف في صف من ثلاثين ألف أرملة ويتيم وهو من عائلة يقتل رب الأسرة مع أربعة من أبنائه ويصاب الخامس بطلقات فيصبح مشلولاً وتأتي الأم وسط درجة الحرارة القاتلة كي تتسلم المساعدة من مالها التي رزقه الله لوطنها، تتسلم فقط عشرين دولاراً كمتسولة، فيما هي مواطنة وعراقية، فيما الصورة ليست لها وحدها بل هي رمز لثلاثين ألف مواطن بين أرملة ويتيم في مدينة صغيرة واحدة من مساحة الوطن الواسع والمترامي الأطراف يتدافعون أمام موظف المحافظة للحصول على هبة المحافظة!؟

الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه!
من علمنا هذا الدرس الأول!؟
من علمنا المشي في طريق الخطأ ولم يعلمنا المشي في طريق الصواب؟
هل يحتاج العراقي أن يعرف حقيقة واضحة كالشمس، وأن نكتب له المقالة وهو لا يعرف القراءة لكي يفهم شيئاً عن مصادر ثروات وطنه التي وهبها الله له، ويعرف عدد المستفيدين من هذه الثروات التي يبلغ المعلن منها quot;مائة وعشرين ملياراً من الدولارات سنوياًquot; ناهيك عن غير المعلن!؟ وكلها تتوزع بين حفنة من المتسلطين في المنطقة الخضراء وحفنة من معلمي الخطأ من على منابر وحسينيات وجوامع القنوات الفضائية منذ أكثر من قرن من الزمان فيما يتقاضى ثلاثون ألف من الأرامل واليتامى مساعدة مقدارها عشرون دولاراً وهم يرددون:
quot;الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه!quot;

هذا يعني أن المكروه جاءنا من الله وهو الذي علينا أن نقدم الحمد والشكر له، وإن حكام المنطقة الخضراء أبرياء من المكروهية وقد رموها على الله الذي يستحق الحمد في المكروهية وهم يستحقون البراءة!

وحكام المنابر السوداء والجوامع الزرقاء أبرياء أيضاً من المكروهية وقد رموها على الله الذي يستحق الحمد في المكروهية وهم ويستحقون البراءة!

على الضحية أن تردد الدرس الأول quot;الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه!
أما غنى هؤلاء غير المشروع وثرائهم الفاحش وغير المسبوق والصارخ والمتهور فإنه يندرج ضمن الدرس الثاني:
quot;إن الله يرزق من يشاء بغير حساب!quot;

طوال أكثر من قرن من الزمان تقدم لنا هذه الدروس حتى بات الشعب لا يعرف دربه، وليس له من راع يأخذه نحو الدرب ليرى الشمس والقمر والنجوم. وبات متعبا منهك القوى يتجمع كتلة سوداء عددها ثلاثين ألف عباءة سوداء ودشداشة سوداء يفحص دفاترهم موظف من المحافظة متسولين من مال الله مبلغ عشرين دولاراً لمناسبة عيد الفطر المبارك، فيما تنشغل المصارف في تحويل العملة بالمليارات نحو مصارف الغرب بغير حساب أو بحسابات علنية وسرية!

وفق هذا الواقع المر الذي رمى الناس في جوف وطن منهك يعقد رجال القضاء مؤتمرهم الذي يفترض أن يشكل لوحة الأمل أو لوحة بصيص من الأمل ليعلن إستقلال القضاء.

إذا كانت الجريمة بهذا الحجم، والكارثة بهذا الوضوح، والنهب بهذه الصلافة والعلنية، فماذا ينتظر القضاء ليعلن الثورة القانونية وليست الثورة الحمراء ولا الخضراء ولا البيضاء. ثورة الحق وإدانة الجريمة ومنفذيها، أولئك الذين تزدهر بهم شاشات التلفزة بربطات عنق أو بدونها، بلحى أو بدونها، بسيماء أو بدونها!

هل نحن فعلا بحاجة إلى إستقلال القضاء، أم نحن بحاجة إلى إستقلال القدر!؟
هنا يكمن السؤال الأساسي الذي يمكن أن يوجه لكل شريف ممن يطلق عليهم النخب الواعية التي في كل التاريخ والحقب تنتفض لنفسها لكرامتها لأوطانها وتشكل بديلا عن الخلل وبديلا عن الجريمة، إذ لا يجوز أن نرى جانبا من الجريمة لمتسولين من أبناء الشعب يبلغ عددهم ثلاثين ألفاً يتدافعون أمام موظف المحافظة للحصول على عشرين دولاراً ويعودون مخذولين فوق مياه التصريف الطافحة على أرض الوطن للدخول في أقفاص الدجاج التي يطلق عليها مجازاً.. بيوت!

هل يدرك القضاء حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه!؟
من يحيل إليهم ملفات منفذي الجريمة التاريخية يا ترى!؟
هل هم قادرون على توجيه التهمة وفتح تلك الملفات التي لا تحتاج إلى جهد يذكر؟ فالجريمة واضحة وضوح الشمس!

هل هم قادرون على محاسبة المسؤولين المدنيين والدينيين، الدينيين والمدنيين على حد سواء!؟
هل يملك النائب اللص ورقة الحصانة البرلمانية التي تعفيه من المساءلة القانونية ضمن قضاء مستقل؟!

وهل يملك النائب القاتل ورقة الحصانة البرلمانية التي تعفيه من المساءلة ضمن قضاء مستقل؟!
وهل تشكل العمامة هي االأخرى ورقة الحصانة التي تعفي اللص والقاتل من المساءلة ضمن قضاء مستقل؟!

هل القضاء قادر على أن يلعب دوره التاريخي في إتخاذ الموقف القانوني وفق شعار المؤتمر المتثل بإستقلال القضاء!؟

وهل نحن وفق هذا الخوف من التصفيات بحاجة إلى إستقلال القضاء أم نحن اليوم بحاجة إلى إستقلال القدر!؟ فالقدر منحاز للقاتلين وغير منحاز للضحايا. القدر منحاز للسارقين وغير منحاز للمسروقين، القدر منحاز للغرباء وغير منحاز لأهل البلاد. القدر منحاز للمخاتلين وليس منحازاً للطيبين، لذلك فإن العراق لم يعد بحاجة إلى إستقلال القضاء، فالقضاء ساكت ولم يفعل شيئاً يليق بمكانته في الواقع وفي التاريخ هو يخاف لو كان مستقلاً أن يصار إلى تصفيته من قبل الفئة الضالة، ولذا بتنا بحاجة إلى إستقلال القدر وهو لما يزل منحازاً ولم أر له حكمة ولا حكماً وهو منحاز وليس مستقلاً ً مثل القضاء!

لقد طفح الكيل كما يقال! الناس مدهوشون مأخذون ضائعون يمشون على لا درب وينظرون نحو ضباب ليس ثمة من شيء وراءه تاركين البلد يغرق وهم في جوف سفينته الغارقة، وسوف لن يصعد في السفينة التي تغرق سكان المنطقة الخضراء ومعتلي المنابر في الجوامع والحسينيات. سوف لن يصعدوا في سفينة البحر بل سيصعدون في سفن الفضاء راحلين نحو مقرات عملهم وسكناهم.

أيها العراقيون!
وحتى لا تغرق سفينتكم في البحر الهائج المائج وأنا أراكم سائرين كل عام إلى منطقة الكاظمية معتقدين أنكم تفتحون الباب وتحصلون على حوائجكم فإني أقول لكم أنكم أخطأتكم العنوان، فإن باب الحوائج يقع في منطقة الكرادة، أذهبوا إلى هناك كلكم بالملايين وستجدون باباً عالية. أدفعوا بكل أكفكم الباب حتى يفتح، وهناك ستحصلون على كل حوائجكم الشرعية والقانونية!

يومها لن يصيبكم مكروه.. ولا تعودون للقول quot;الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواهquot; بل ستشعرون بأن شيئاً ثقيلاً قد إنزاح عن كاهلكم وستشعرون بسعادة مواطنتكم العراقية وتشعرون بلذة القول.. الحمد لله

كاتب وإعلامي عراقي مقيم في بريطانيا
[email protected]