الأقليات في بلدي منحازة للسلطة..منحازة للقتل ومنحازة للفساد ومنحازة للشبيحة..
مع ذلك هذا الكلام متجني أحيانا واحيانا أخرى قاصر عن الاداء المعرفي الموضوعي والاقرب للحقيقة النسبية..لأنه موضوع جرى عليه لعب سلطوي من العصابة الأسدية على مدار أكثر من اربعة عقود..بحيث جعلت فاعلي الأقليات من رجال دين، وخلافه..عبارة عن ملحق أمني بالسلطة، وهذا الكلام أيضا ينطبق على الأكثرية السنية أيضا.
لا يوجد مع هذه السلطة من هو معها بوصفه مركز قوة، بل بوصفه إما مرتبط أمنيا، او له مصلحة أعمق مع هذه العصابة، اضافة والاهم من كل هذا وذاك، أن هذه العصابة، لا تقبل بمن يكون معها أن يكون مشاركا في صنع القرار، الذي يصاغ داخل دائرة عائلية ضيقة، كعائلة آل كابوني، لايوجد توصيف آخر للحالة أقرب من هذا التوصيف..

والدليل أن حجم الانشقاقات في مسؤوليها كبير نظريا ولكن تبدى عمليا أنه حتى رئيس الوزراء لا قيمة لانشقاقه، من زاوية التأثير على القرار في البلاد.. لايوجد قيمة لأي مؤسسة خارج سيطرة هذه الحلقة الصغير والتي لاتتعدى اصابع اليد الواحدة، ساضرب مثالا...كل السوريين من معارضة وموالاة يعرفون أن الرجل الثاني أو مركز القوة الوحيد بعد بشار الأسد في البلاد منذ 12 عاما هو شقيقه ماهر الأسد منذ أن كان قائد كتيبة في الحرس الجمهوري.. حتى أنه لم يتسلم حتى اللحظة قيادة فرقة بل عبارة عن قائد لواء في الحرس الجمهوري، ومع ذلك هو ثاني مقرر في مصير البلد والدولة والشعب السوري..

دستوريا ووفقا لقوانين الدولة السورية أو أية دولة أخرى في العالم، لا يمكن لرجل عبارة عن قائد لواء عسكري فقط، أن يتمتع بكل هذا النفوذ!! حتى فاعلي الأقليات والدول العظمى وإيران وإسرائيل والروس يعرفون ذلك جيدا، والاهم طبعا أمريكا اوباما.. فكيف يمكن لأي كائن أن يقف مع مثل هذه التركيبة السلطوية؟ قبلت معظم الأقليات أن يتم الحديث نيابة عنها بأن هذه العصابة هي حامية للأقليات..ممن؟ لا أحد يستطيع في سورية تحديد الجواب؟ لكن المفهوم أو المراد فهمه من هذا السؤال هو أنه حام للأقليات من الأكثرية السنية..مجرد قبول الأقليات بهذا هو بحد ذاته انحياز لا يقبل الشك..والدليل أن هنالك أقليات قياداتها الفعلية والروحية بالخارج، ولم تستطع هذه السلطة استيعابها وفقا لطريقتها، نجد أن حركتها مع الثورة السورية مختلفة تماما، عن حركة فاعلي الأقليات المتواجدين ضمن سورية..

وعلى سبيل المثال الطائفة الاسماعيلية الكريمة والطائفة الاشورية أو القومية الاشورية المنخرطة في الثورة قلبا وقالبا.. في العراق بات الحديث بعد سقوط صدام أنه تم تهجير المسيحيين العراقيين..رغم أن السلطة هناك هي تزواج استخباراتي أمريكي إيراني..فمن لديه القدرة إذا على افتعال عملية التهجير للمسيحيين؟ ومع ذلك يتهم سنة العراق بهذا الموضوع!! هذا من جهة ومن جهة أخرى الحكومة العراقية الحالية بشخوصها انفسهم وعلى راسها نوري المالكي اتهمت العصابة الأسدية بالوقوف وراء كل التفجيرات بالعراق، وقدمت ادلة للأمم المتحدة وللدول الغربية، لكن تم طيها أمريكيا..لدرجة أن المالكي كان قد قرر تقديم شكوى قانونية ضد العصابة الأسدية لمجلس الأمن..فكيف تستوي الحكاية الآن، وتصبح العصابة الأسدية حامية للأقليات؟ ثمة أمر آخر أراد الغرب تجاهله لاعتبارات تتعلق بمصالحه وهو اعتقال الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة ومعه مخططات لتفجير حرب طائفية في لبنان، ومعه كل عدة الجريمة واموالها ومتفجراتها..أليست أمريكا ضد الارهاب؟ أليست إسرائيل ضد الارهاب؟ أليس فاعلي الأقليات يخافون من الارهاب؟ أين ميشيل عون؟ أين الاب بشارة الراعي؟ أين البطرك هزيم؟

أين قيادات حزب الكتائب البقردونية؟ أين مشايخ عقل الطائفة الدرزية في سورية وفي لبنان؟ ألم يكن ميشال سماحة وباعترافه الشخصي يريد قتل النائب خالد الضاهر اثناء زيارة البطرك بشار الراعي له؟ هذه القصة قصة الاقليات في سورية ولبنان والعراق وتركيا...قصة لا يمكن فهمها خارج إطار التغطية الدولية لمناطق النفوذ، ولا يمكن فهمها خارج النظام الاقليمي المدرج في رأس اولوياته واهتماماته المعطى الاسرائيلي.. ودون ذلك لايمكننا فهم عدم التعاطف مع ضحايا العصابة الأسدية من قبل أكثرية مسيحيي سورية واكثرية دروز سورية وغالبية علويي سورية وغالبية شيعة لبنان والعراق..عدم التعاطف هذا يحتاج لحاضن ثقافي..ما هو هذا الحاضن الثقافي الذي يفرح بقتل اطفال مواطني بلدك؟ هل هذه الثقافة هي منتج ديني او عقيدي طائفي ام هي منتج سياسي؟ منتج سياسي تم العمل عليه منذ عقود طويلة...لا احد يشك من السوريين معارضين او غير معارضين، بأن القصة في النهاية تندرج تحت عنوان بسيط وهو قتل الأكثرية السنية في سورية، ليس بوصف قتلهم سياسة ومصلحة فقط للعصابة ولكل من يقف معها، بل ثقافة تركمت ايضا. علما ان سورية محكومة من فاعلي الأقليات العسكريين منذ عام 1963 بعد انقلاب البعث.

دعونا لا نلف ولاندور حول هذه النقطة...وهذه ليست من باب ديني عقيدي أيضا لكنها من باب نظام اقليمي ودولي من جهة ومن باب المسألة السورية ومصلحة العصابة الأقلية المجرمة...وهذه المصلحة وهذا النظام الاقليمي والدولي استطاع بالقمع ان ينتج ثقافته هذه التي جعلت المسيحي أو العلوي يفرح وهو يرى اطفال الأكثرية السنية تقتل..وهو يرى بيوتهم تدمر وقراهم تنتهك تسلب وتنهب كغنائم حرب ضروس..هذه المصلحة استطاعت مع ثقافة إيران الملالي المصدرة إلينا، أن تقول أنها انتقام من الامويين. من جهة أخرى يتحججون بالاسلاميين..طيب لدينا تجارب الآن في مصر وتونس!! النكتة أن هذه التجارب قد وقفت مع ما تطرحه فعاليات الأقليات هذه!! لنلاحظ تصريحات الرئيسين المصري والتونسي، حول رفضهم للتدخل الدولي وعلاقتهم مع إيران!! ألا يحكم مصر الآن رئيس اسلامي منتخب؟ الا تحكم تونس حركة النهضة الاسلامية؟ ما الذي تريدونه من الأكثرية السنية في سورية، ازاء هذا الكم من الدم وهذا الحجم من التدمير وهذا التواطؤ الدولي المخزي؟ كيف تريدونهم أن يتصرفوا؟ وهم لم يكن ولن يكون لهم في يوم ما معبر سياسي عنهم بوصفهم اكثرية سنية..بل هذه الاكثرية اثبتت عبر تاريخ سورية المعاصر..أنها منخرطة قولا وفعلا في مجتمع مدني، من خلال تبني فعالياتها عموما بعد الاستقلال لمفهوم الدولة المدنية الديمقراطية.. وكان هنالك احزاب وانتخابات حرة..ومجتمع منفتح.

الآن تريدون ضمانات منها وهي الضحية!! منطق عجيب..واكبر دليل على ما أقول ان هذه الأكثرية موزعة على مختلف الايديولوجيات والاحزاب والتيارات قبل الثورة وبعدها...ومع ذلك لم نجد تيارا في المعارضة والثورة تيارا واحد يدعو للطائفية؟ لم تقم قوى الثورة بأية مذبحة على اسس طائفية لم تهاجم معاقل الطائفة العلوية الكريمة..ولاحظوا كل بيانات الجيش السوري الحر وكتائبه...

في كل مرة اتناول انا أو غيري من الكتاب موضوع الأقليات، تثار ردود عديدة منها ما هو جدي ومنها ما هو منحاز حتى قبل قراءة مانكتب..لم أفكر ولم اتناول أي حدث في تاريخي الشخصي بكوني مسلم سني المولد من سورية، لأنني لم اتعلم منذ طفولتي أنني كذلك، ولم اصادق احد بناء على هذا المعطى، لم انخرط في أي تيار سياسي أو مدني بناء على هذا المعطى أيضا. بوصفي يساري ديمقراطي، منحاز لما أفكر به من حرية للجميع وعدالة اجتماعية ودولة مواطنة ومؤسسات، كشرط أولي وأساسي لانتاج المادة الكتابية، ولانتاج خطاب سياسي أو فكري، لهذا ليس لدي أية حساسية في الحديث عن كل ما اراه يخص الانسان عموما ووطني سورية خصوصا.. وما اسرده هنا من معطيات شخصية إنما من باب الحاجة المعرفية وليس من أي باب آخر.. علينا ان نجدد ارواحنا بأن نكون أكثر صدقا وشفافية مع انفسنا..وأن نسمي الاشياء بمسمياتها، ودون اللجوء لحساسيات تتراكم لكي تنفجر لاحقا وتدمر الانسان السوري كاملا..وللحديث بقية..