يقع الخلاف الأمريكي الإسرائيلي حول فائدة ضربةٍ عسكرية للمفاعلات النووية الإيرانية في إطار العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، ويحكم هذا الخلاف اختلافُ الدور لكل منهما، والمصالح.

إسرائيل دولة إقليمية صغيرة، يحركها، وأحيانا، يتفرد فيها، العاملُ الأمني، ولكن أمريكا الدولة الأولى، عالميا، تراعي مصالح أكبر، ويعرف قرارُها تعقيداتٍ أوسع.

ومن ضمن ما تراعيه، ولا شك، مصالح إسرائيل، وأمنها، ولكن وَفْق رؤيتها التي قد لا تقنع بها قياداتُ إسرائيل السياسية، كما طفا الخلاف على السطح، في قضية توجيه الضربة العسكرية لإجهاض مشروع إيران النووي.

وقد بلغ الأمر برئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أن ينتقد الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، (في لقائه مع رئيس لجنة الكونغرس الأمريكي لشؤون الاستخبارات، مياك روجرز) قائلا: laquo; بأن أوباما لا يعمل بما فيه الكفاية في الشأن الإيراني، وأنه بدلا من ممارسة الضغوط على إيران يمارس ضغوط عليناraquo;

فربما كان الجديد في هذا الخلاف خروجه إلى العلن، فقد صرح رئيس أركان الجيش الأمريكي، مارتن دمبسي:laquo; إنه لا يريد أن يكون شريكا في هجوم إسرائيلي، ضد إيران، وأن ضربةً إسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية ستؤدي إلى انهيار الائتلاف الدولي ضد إيرانraquo;.

والمعنى واضح: أنه لا غطاءَ أمريكيا لإسرائيل في هذه الضربة التي من المفترض، في حال حدوثها، أن لا تتوقف تداعياتُها الواسعة، في المنطقة، بسرعة، وليست تهديدات حزب الله فارغة، في هذه الحالة.

وبرغم نفي واشنطن للأخبار الصحفية التي تحدثت عن طلب أمريكي من إيران، عبر أطراف دولية أخرى، بأن لا تعتبر أمريكا شريكا في هذه الحرب، وأن لا تهاجم القواعد والأهداف الأمريكية في منطقة الخليج؛ فإنها نتيجة طبيعية، لموقف أمريكا الرافض للحرب، والتي عبر عنها رئيسُ أركانها.

وليست هذه رسالة أمان تطلبها واشنطن من طهران، كما قد يُتوَهَّم، بقدر ما هي رسالة إلى إسرائيل، ونتنياهو؛ ما دفعه إلى التراجع العلني، إلى سابق مواقفه المُطالِبة بإبداء مزيد من الحزم الدولي والأمريكي تجاه طموحات إيران النووية.

ومن الجدير بالانتباه أن قرار الضربة العسكرية لا يحظى بدعم كبير، إسرائيليا، في الأساس؛ نظرا لتداعياته الخطيرة، ولأنَّ مثل هذه الضربة ليست ضمانة كافية لتحقيق هدفها، وهو إحباط الجهود والبرامج النووية الإيرانية؛ لصعوبات في التنفيذ، ولتَوزُّع المفاعلات النووية، في أكثر من مكان، ولأن بإمكان طهران أن تعيد بناء ما تضرر بوقت ليس بعيدا.

وربما كانت المساعي الإسرائيلية جدية في تنفيذ الضربة؛ نظرا لعدم ثقتها الكافية في التدابير التي تتخذها أمريكا، والدول الخمس الأخرى، وتخشى إسرائيل، إن هي تراخت، عن الضربة، في هذا الوقت، أن يفوت الوقت، ولا تعود قادرة- بما تملك من وسائل عسكرية هجومية- على التدمير.

وربما رأى نتنياهو، ومن يؤيد الضربة في هذا التوقيت، أنه الوقت الأنسب؛ لانشغال أوباما في الانتخابات، وحساسية أي موقف لا يرضي إسرائيل، وجماعات الضغط الموالية لها، وأنه لن يكون بمقدوره إلا أن ينخرط في هذه الحرب، ولو بدأتْها إسرائيلُ على غير رغبةٍ أمريكية.

لكن الإصرار والحزم الأمريكي، كان واضحا، ومثل هذا الأمر لا يكون موقفا خاصا بالحزب الديمقراطي، وإنما يخضع لمصالح أمريكا في المنطقة والعالم، ومدى استعدادها لخوض حرب جديدة.
في وقتٍ الشاغلُ الاقتصادي هو الأبرز في الداخل الأمريكي، علما بأن قرار التقلُّص الأمريكي، عسكريا، بدأ، وبوش الابن، في الرئاسة، وكان قرارا من الحزبين. ومن أهم أسبابه الأزمة المالية التي لا تزال تلقي بظلالها.

وقد تعزز هذا التوجه الذي يؤخر الخيار العسكري، مع أوباما، وظهر جليا أن واشنطن، لم تعد ترغب في تصدر الحروب، ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط، وقد يكون ذلك مدفوعا بأسباب أخرى تعود إلى سمعة الولايات المتحدة، وصورتها التي تضررت، كثيرا، منذ حربي أفغانستان والعراق، واستراتيجيات المحافظين الجدد.

وعودا إلى موضوع الخلاف الأمريكي مع إسرائيل، فبعد أن لمس نتنياهو جدية الموقف الأمريكي كان لا بد له أن يهدأ قليلا، ويعطي فرصةً للجهود الدبلوماسية والحوار مع إيران، وللعقوبات التي تؤثر بدرجة واضحة على اقتصادها، وتخفض من قيمة عملتها؛ ما يؤدي إلى أزمات اقتصادية معروفة، من التضخم، وانخفاض القدرة الشرائية والكساد..

وبرغم أن ذلك لا يبدو أنه ينجح في تليين مواقف طهران حيال برنامجها النووي؛ لأن مفاوضاتها المستمرة مع الدول الست لا تحرز تقدما؛ فإن أمريكا تطمئن إسرائيل إلى يقظتها، ومراقبتها، وأنَّ الخيار العسكري، من ضمن الخيارات، ولو أنها لا تراه في هذا الوقت.

وفوق ذلك تزود أمريكا إسرائيل بأسلحة تزيد من ثقتها بقدرتها الذاتية على تنفيذ ضربة ناجعة، في المستقبل؛ إذ كشفت مصادر إسرائيلية أن الولايات المتحدة عرضت على الأخيرة تزويدها بأسلحة
تشمل طائرات قادرة على اختراق التحصينات، والنزول لعمق 60 مترا. كما تعد واشنطن لإجراء أكبر مناورة بحرية في مياه الخليج بالقرب من مضيق هرمز بمشاركة 25 دولة، وتدابير ونشاطات عسكرية أخرى تعكس قوة الحضور الأمريكي والتأهب.

ولا يخفى أن نظرة أمريكا لتعقيدات الوضع في المنطقة، ولا سيما في هذه الفترة، حيث الأزمة السورية مفتوحة على احتمالات غير محسومة، وحيث الاحتقان الطائفي، والتوتر بلغ مستويات تنذر بانفلات الأوضاع فإنه الوقت الأخطر لمثل هذه الضربة الإسرائيلية.
[email protected].