جاءت رياح خطاب الرئيس المصري محمد مرسي، بما لا يشتهيه قارب السياسة الايرانية ورغبة قبطانه، ففي اللحظة التي اسقط فيها مرشد الثورة الايرانية آية الله علي خامنئي ومعه رئيس الدولة احمدي نجاد الأزمة السورية من خطابهما، مجاملة للضيوف وإدراكا ضمنيا بأن انحياز طهران الى نظام الاسد في القمة،سيثير حفيظة اغلب الحضور، لم تقف اللفتة الايرانية حاجزا امام الرئيس المصري من إعلان انحيازه القوي والمباشر للثورة السورية، ففوت بذلك رئيس الدولة التي أسست تاريخيا لهذا الحدث الدولي، الفرصة امام البلد المضيف لتموضع إقليمي و أممي جديد كان يبتغيه من خلال القمة

ما بدأه مرسي في طهران عاد و استكمله في خطابه في الجامعة العربية، حيث طالب من على منبرها بضرورة تنحي الرئيس السوري، في موقف ظاهره سوريا، ومضمونه مصر الثورة والدولة والدور.

فمن على منصة دول عدم الانحياز في المكان والزمان الصعبين، في لحظة ترقب إيرانية خاصة وعربية دولية عامة، اسقط مرسي ما علّقته إيران، من آمال اشاعتها قبل وصوله الى طهران، من حل يناسبها في دمشق، ونسج علاقات ايجابية مع مصر ما بعد الثورة.
كما في طهران كذلك في الجامعة العربية، لمح مرسي ان دخول مصر محصور بابوابها الرسمية، غير الخاضعة لشروط مصالح المحاور المتصارعة، ولوح بعبور مصر مجددا الى الخارج، واستعادتها لدورها الذي يبدأ من غزة هاجس الامن القومي المصري الاول والاخير، يسبقه ترتيب المصالحة الفلسطينة في اقرب وقت، كونها احد اكبر الاثقال التي تحملها مصر على اكتافها، رغم هذا تبقى انظار مصر مصوبة شرقا نحو سوريا، التي تشكل في حساباتها العربية اعلانا رسميا، عن التزامها بمسار الربيع العربي، والوقوف الى جانب شعوبه،و بين هذا وذاك يبدو ان مصر التي تأخرت بفعل ضرورة ترتيب البيت الداخلي اولا، في حسم الجدل حول الموقف من نظام الاسد، استعدت وحسمت امرها، لتظهير دورها وموقفها النهائي، من حراك الربيع العربي ومساعدة الشعب السوري على الخروج من ازمته

بين محدودية الدور التركي و احلام النفوذ الايراني وغياب المشروع العربي، وامام الارتدادات المستمرة لزلزال الربيع العربي، اصبح احتمال تشكل جغرافيا سياسية جديده في المنطقة، خارج حسابات موسكو وطهران وتل ابيب ممكنا، اذا اثبتت مصر ومعها العرب ان ملء الفراغ السياسي العربي في المنطقة، لم يعد حكرا على غير العرب، وتتطلع الى سوريا جديدة من المفترض ان يشكل استقرارها ووحدتها، منطلقا لمشروع عربي يستند الى القوة المصرية المتبدية في جمهورية الثورة، التي تبين انها الوحيدة القادرة على استيعاب متناقضات المنطقة ومكوناتها الصعبة، من دمشق مرورا ببيروت وصولا الى بغداد، التي افتقدت الحضن العربي، وغابت في منعطفات الثنائي الايراني - الاميركي،

لا شك ان مصر بالذاكرة السياسية المتينة، التي تملكها بمقدورها استيعاب الحساسيات وتجاوز الحسابات الدقيقة في ما حولها،و ترسيخ ما يناسب حضورها المستجد من توازنات، و في الوقت الذي تبدو فيه سوريا متروكة لخيارات تركيا، التي تظهر يوما بعد يوم عاجزة عن التحرك، بسبب حذرها من الحساسيات الطائفية والقومية المركبة المحيطة بها، والتي تنسحب على جيرانها الاقربين والابعدين مثل لبنان وسوريا والعراق، و بناء على ذلك لا بد من التعويل على دور مصر، الذي رغم صعوبته و تأخره، يبرز كضرورة ملحة لحالة عربية ناهضة، بحاجة الى من يحميها و يمنع تشظيها.
شرق المتوسط الموصول الان بطريق الحرير، و ممرات الطاقة وصراعات السيطرة على منابعها والتحكم بقرارتها، كان في السابق المدخل الذي اعاد منه محمد علي باشا الدور لمصر،على رغم اخطائه الكثيرة هناك امكانية جديدة لاستعادته وتكراره، بشروط العروبة الحديثة والحرية واحترام الاختلاف و احقاق العدالة.