نشعر بالأسف الشديد بسبب انتاج فيلم يسيء إلي الإسلام والمسلمين. وإذ نرفض ونشجب وندين الإساءة لأى دين أو معتقد فإننا نؤكد أنه يشاركنا في ذلك كل انسان مسيحي لأن هذا التصرف ببساطة شديدة ضد تعاليم الإنجيل. وهذا ما أكدت عليه كل بيانات الإدانة للكنائس المصرية.

بالتأكيد إن إي إنسان عاقل من الغرب أو الشرق.. ديني أو لا ديني يدين بشدة هذه الكراهية المعلنة ضد الإسلام والمسلمين بغض النظر عن أسبابها. غير أن الواقع يفرض علينا أن نجد حلولاً حقيقة لهذه المشكلة والتي ظهرت بوضوح بعد احداث 11 سبتمبر وهو الموعد المقرر فيه عرض الفيلم المسيء.

وكنت قد كتبت في ايلاف مقال بعنوانquot; رسالة للقس جونز.. لا تحرقوا القرآنquot; أوضحت له أن الأقباط المسيحيين لن يسمحوا بإيذاء مشاعر اخوتهم المسلمين في مقدساتهم وأن اخوتنا المسلمين الذين لا تعرفهم انت أناس طيبون مسالمون خيرون مجاملون لا يعتدون على أحد ولا يكرهون بل لهم من الصفات والأخلاق الطيبة ما يجعلهم على غيرهم يتفوقون.

بيد أن هناك من الأسباب التي تدفع الغرب للنظر إلينا كشعوب متخلفة. فبالرغم من الثروات الطبيعية والبشرية الهائلة إلا أننا لا نستطيع استثمارها في تنمية بلداننا بسبب خلط الدين بالسياسة كما تؤكد تقارير الكثير من المراكز البحثية المتخصصة. فلم يسهم العالم الإسلامي بأية خبرات في التطور العلمي والتكنولوجي في العصر الحديث ما جعل الغرب يعتبروننا عالة عليهم وغابت عنهم حقيقة أننا كنا يوما ما شركاء في صنع أساسات هذه الحضارة.

وقد غذى هذه المفاهيم تنظيم القاعدة والجماعات الجهادية المنبثقة من رحمه. وللمفارقة العجيبة فالقاعدة لم تحقق أياً من أهدافها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. فدولة الخلافة ما زالت بعيدة المنال لأن الزمن لن يعود إلى الوراء طبقا لقوانين الفيزياء الكونية. بل وعلى العكس فإن احداث سبتمبر 2001 ساهمت في زيادة معدلات الفقر والجهل والتشرد في الدول الإسلامية، وانتشار ثقافة الخوف من الإسلام والمسلمين في المجتمع الدولي حتى ادى ذلك إلى تقسيم العالم إلى فريقين الفريق الأول يمثل العالم الإسلامي (حوالي 1.5 مليار نسمة) والفريق الثاني يمثل باقي سكان الكوكب (حوالي 5.5 مليار نسمة).

أيضا نجد أن حركة حماس الإسلامية لم تحل مشكلة فلسطين مع أنه هدفها رقم واحد. ففلسطين مازالت ترضخ تحت الاحتلال بل وانقسمت إلى دولتين متنازعتين ومختلفتين أيدلوجياً وسياسياً واجتماعيا، واقتصادياً.

بالإضافة إلى ذلك فلا تزال الكثير من الجماعات الإسلامية تعيش في فضاء الاستعلاء على الآخر وكل ما تفعله هو فقط الاعتزاز بعقائدها واحتقار عقائد الآخرين وأن لهم الجنة والآخرون في النار. ولا يزال بعض شيوخ التيارات الإسلامية المتشددة تسب وتلعن ليل نهار اليهود والنصارى وحتى المسلمين المعتدلين لا أعلم لماذا يستثنون من ذلك الهندوس والبوذيون ولطالما نسمع منهم ان الدين عند الله الإسلام وان الأديان والعقائد الأخرى مجرد ضلال.

والفضائيات الإسلامية لا تتوانى في ترديد أن الأقباط كفار وتسخر من رموزهم الدينية، وتعادي الحضارة الحديثة التي صنعتها البشرية بخبرات السنين. فعندهم الفن حرام والإبداع بدعة، والفانين فجرة سفلة وسبابهم بأبشع الألفاظ حلال مع أن الفنانين والمبدعين أفادوا البشرية وهؤلاء الشيوخ أفسدوها بتعاليمهم البعيدة عن صحيح الدين.

أحدهم قال أن نعت الفنانين بالسفلة هو وصف شرعي! هل إلى هذا الحد يتاجرون بالدين ويحللون ويحرمون ويفسرون على أمزجتهم بدون محاسبة أو رقيب. وآخر طالب بعدم محبة المسيحيين لأن هذا يشجعهم على البقاء في الضلال!! وقال أحدهم أن نعتي بالإرهابي فخر لي لأن الله يطالبني بأن أرهب أعداء الله ونسي أن الإنسان ليس عدوا لله لأنه خليقته فكيف يكون عدوا له؟.. ولم يفكر لحظة هذا الشخص أن أعداء الله هم الذين يقتلون البشر على الهوية الدينية ويضيقون على مخالفيهم في الرأي والعقيدة ويسبونهم.

نعم الإنسان حر فيما يعتقد لكنه ليس حر في أن يحتقر ويسفه معتقدات الآخرين. اتذكر واقعة حدثت في الاتحاد السوفيتي سابقاً أثناء الدراسة إبان الحقبة الشيوعية حيث رأت طالبة ملحدة على مكتب أحدهم الكتاب المقدس فأخذته ورمته على الأرض قائلة باللغة الروسية ما معناه quot; عليك أن تقرأ كتاب رأس المال لكارل ماركس وتترك هذاquot; غير أن الشاب وبهدوء شديد رفع الكتاب المقدس من على الأرض وقبله ووضعه مرة أخرى على المكتب وشكرها نعم لقد شكرها ثم سألها هل قرأت الكتاب المقدس؟ فأجابت بالنفي. فقال لها أنه قرأ كتاب رأس المال ولو معها الآن لما رماه على الأرض كما فعلت هي، وأضاف أننا تعلمنا أن نحترم معتقدات ومقدسات الآخرين، وأن حريتي تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين كما قال العظيم فولتير فتأسفت لفعلتها واعتذرت. هذه هي الثقافة التي يجب أن تسود.

في الحقيقة أن التنظيمات الإرهابية وشيوخ التطرف هم الذين يسيئون للإسلام والمسلمين ويعطون الأسباب لظهور مثل هذه الأفلام التي نرفضها جميعا والتي أعتقد أنها ظهرت كمحاكمة لتنظيم القاعدة والجماعات التكفيرية والجهادية وليس لمحاكمة الإسلام ولا المسلمين. ولذلك أرى أنه ينطبق عليهم القول العذب quot;وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمونquot;.
إن quot;خاصية التنوعquot; حتى على مستوى القوانين الفيزيقية والرياضية هي أهم عوامل بقاء الكون وعدم فناءه. لذلك وجب علينا أن نصحح المفاهيم الخاطئة وذلك بتعاون حقيقي بين المسلمين والمسيحيين المشرقيين. وأن نقف معاً ضد الإساءة للمقدسات والمعتقدات وأن نعمل على التصدي بالفعل لدعوات الكراهية والبغضاء التي تتبناها بعض الجماعات الإسلامية المتشددة والتي تعيق المصالحة الفكرية مع شركاء الوطن ومع الغريب على حد سواء. وعندها لن تجد المنظمات والجماعات المتطرفة الغربية مبررا لتصرفاتها المسيئة لمعتقدات الآخرين.

هذه المصالحة في الواقع تحتاج إلى إعادة بناء الذات الإسلامية من الداخل في إطار دولة مدنية عصرية، ووضع دستور مدني يشارك في وضعه كل شركاء الوطن. دستور يحترم كل الأديان ويقف منها على مسافات متساوية، ويحميها للجميع، ولا يغلب احدى العقائد على العقائد الأخرى. هذا هو أهم رد فعل من شانه أن يؤسس لعلاقات طيبة للداخل مع الداخل والداخل مع الخارج وإلا ستكون العاقبة غير سعيدة على مستقبل المنطقة بأكملها.. فهل نبدأ الآن قبل فوات الأوان؟

[email protected]