الخُمس هو احدى الضرائب الاسلامية التي نص عليها القرآن الكريم في سورة الانفال (اعلموا انما غنمتم فان لله خُمسه) ومقدارها عشرون بالمائه من الغنائم، وماذهب اليه مفسرو السنة هو ان الخمس يُجبى فقط من غنائم الحرب، وهذا التفسير يعود لسببين، الاول وهو ورود النص في سوره الانفال اي الحروب، والسبب الثاني هو ظاهر النص وهو quot;ما غنمتمquot;، اذن فهو من quot;غنائم الحربquot; فقط، على عكس ما ذهب اليه مفسرو الشيعة الذين لم يعتمدوا على ظاهر النص كما في الكثير من الايات، فمثلاً قوله تعالى (فمن كان فيها اعمى فهو في الاخرة اعمى واضل سبيلا) فظاهر الاية هو quot;اعمى البصرquot; والحقيقة هي quot;اعمى البصيرةquot;، كما هو معروف، وكذلك باعتبار ان القرآن نزل لكل زمان وليس لزمن الحروب فقط، وله ظاهر وباطن، وهو حمّال اوجه، وكذلك فيه آيات محكمات واخرى متشابهات، ومنها الناسخة والمنسوخة الخ.. حيث فُسرت الغنيمة في غير وقت الحرب بأنها quot;وارد او دخلquot; يحصل عليه المرء، فعندهم رواتب الموظفين وموارد التجارة كلها تخضع لهذا النظام، وكأيٍ من القوانين التشريعيه في النظام الاسلامي نرى في الخمس اداة لتكافل اجتماعي متطور، حيث تؤخذ هذه النسبة الغير هيينة من المقتدرين ليس لاعطائها للمحتاجين فقط، بل من اجل ايجاد مشاريع تنموية يستفاد منها المجتمع باسره، من خدمات عامة الى طب وتعليم ورعاية لكبار السن وتخصيص رواتب للاُسر التي فقدت معيلها، الى آخره من واردات كثيرة لهذا الكم الهائل من الاموال. ومن هذا النظام وبنفس النسبة تقريباً استمد العالم الحر على الاغلب نظامه الضريبي والذي يعتبر من اهم الاسس لتقدمه، وبطبيعة الحال اذا أُخذت من الشخص ضريبة من قبل دولة ما، بما يعادل مقداره فسوف يسقط وجوب الخمس عنه، ويكون اختيارياً وطوعياً لمن يتمكن على اخراجه مرتين من دخله. اي لا تنتقل الى المرجع الجديد، فتبقى كل هذه الميزانية الضخمة تحت تصرف ابنائه او اصهاره من اموال منقولة وغير منقولة، ورأينا في العقدين الماضيين كيف تصرف أولائك الابناء والاصهار quot;باموال الحقوق الشرعيةquot;، فأموال النقد من الصعب جدا ان يُعرف مصيرها، فهي موزعة في بنوك عواصم مختلفة من الهند الى دول الخليج الى لبنان واوروبا والامريكيتين، وبأسماء مختلفة لابناء او اصهار او وكلاء مقربين، اما العقارات المَلَكية الفاخرة التي تملأ اصقاع الارض فغالبا ماتكون باسماء الورثه الشخصية، الا القِلة منها تُدار بواسطة لجان الاوقاف او ما يعبر عنه بـ(trustees) مثل المراكز والمدارس الاسلامية وبعض الحسينيات. فكل شيء ينتهي بوفاة المرجع الديني، عشرات السنين من جمع الاموال الطائلة كلها تنتهي كما ينتهي الفيلم السينمائي. ومن ثم ياتي المرجع الجديد وحوله تلك الحاشية الكبيرة (من اولاد واصهار واحفاد) المتعطشة للمجد والرخاء السريع بعد ان كاد الحسد على العائلة الكهنوتية التي سبقتها في الرخاء والثراء ان يقتلهم، ويبدأ مسلسل جمع الاموال الطائلة لسنين كي ترتوي شجرة العائلة الظمآ، ومن ثمة يموت المرجع رحمه الله ويأتي الاخر. وهكذا ضاعت اموال الشيعة لمئات السنين ولم نرَى اياً من تلك المشاريع او الخدمات او الكفالة الاجتماعية التي فرض الله من اجلها تلك الضرائب الاسلامية، والدليل على ذلك هو كثرتْ مشاريع التسول الحديثة (الگدية) او ما يزوق لفظيا وباللغة الانكليزية (charity) والتي اغلبها تتم تحت اشراف تلك العوائل السماوية لاضفاء الشرعية والمصداقية عليها، ويبدأ هاذا المُسلسل المُذِل والمُهين للانسانية من جمع للملابس الرثة والمستعملة وبعض الصدقات التي تجود بها بعض الايادي. وهنا يمكننا ان نقوم بمقارنة مع مؤسسة كهنوتية مشابهة ألا وهي الفاتيكان التي هي على العكس من المرجعية من ناحية النظام المالي، حيث تتجمع اموالهم الطائلة في حسابات لن يمسها لا الپاپا ولا اي بشر سوى لجان وكوادر متخصصة وبشفافية ومراقبة عاليتين، لذا فأن الفاتيكان اليوم من اغنى مؤسسات العالم على الاطلاق، ليس فقط لان نفوس الكاثوليك اكثر من نفوس الشيعة، لكن لأن المؤسسة الدينية عندهم منضبطة بقوانين صارمة، لا يتدخل فيها الابن او الداماد (اي الصِهر)، فالپاپا المسكين لا ولد له ولا بنت ليكون له صهر، فالمؤسسة الدينية عندنا اشبه بما يعبر عنه بـ(family business) اي المصلحة التجارية العائلية، فوالله ان كانت المؤسسة المالية الشيعية منظمة وشفافة، واستُثمرت تلك الاموال بشكل صحيح لكانت اليوم تصل ارقامها الى حد الذهول، ولا يبقى اي مسلم محتاج على وجه الارض، فضلاً عن الشيعة الذين أُشبعوا ذلاً وهوانا، واذا اردنا ان نحسب وبطريقة بدائية جدا ً(اي حساب عرب) بأعتبار ان معدل نفوس الشيعة في العالم هو مايُقدر ب 300 مليون نسمة، واذا كان عدد الملتزمين والمقتدرين منهم على دفع الخمس هو الثلث كحد ادنى، اي حوالي المائة مليون انسان والمبلغ المدفوع يتراوح بين 100$ في العام كحد دون الادنى بكثير، الى عشرات الملايين من الدولارات في العام خصوصا من قِبل الاثرياء، فعلى سبيل المثال دفعت احدى العوائل الهندية في سبعينيات القرن الماضي مبلغ عشرة ملايين دولار لاحد كبار المراجع quot;كخمس سنوي تصالحيquot;، اذن فالمعدل هو عدة آلاف من الدولارات في العام واذا ضربنا المبلغ في مائة مليون شخص فالنتيجة هي مبلغ يتعدى ميزانية الدول النفطية! فأين هي تلك الاموال يا امة الاسلام المغلوبة على امرها؟؟ تلك الاموال التي تجمع بأسم صاحب الزمان، وستجد هناك من يقول لك ألم يبنوا المدارس الحوزوية في الهند وفي افريقيا، ومستوصف هنا وهناك او مبنى للسكن في قم، او مبرّة للايتام في لبنان، فكل هذا كقطرة في بحر بالنسبة لحجم الاموال المستحصل عليها وان كان ذلك حقيقةً فأين هي الشفافية واطلاع ابناء الطائفة على امورهم المالية، ام ان الشفافية هي مستورد غربي لذا فهي حرام! الا تعتقد ايها القارئ الكريم، ان السكوت على هذا فيه معصية لله تعالى ومخالفة للقرآن الكريم؟ اِذَن لماذا نخاف الاصلاح؟ ومن قال بوجوب دفع الخُمس للمراجع؟ وكيف آلت اليهم تلك المهمة وبأي دليل؟ القرآن الكريم لا يقول ذلك اطلاقاً، ومن قَسّمَ تلك الضريبة المظلومة الى سهمين متساويين، سهم للامام الغائب الذي هو لهم كونهم quot;وكلاءهquot;، والاخر للسادة الهاشميين، وبما ان اغلبهم من السادة الهاشميين فبالتالي هو ايضاً لهم ! كون السادة الهاشميين حُرمت عليهم الصدقة المُذلة واستبدلها الخالق العادل لهم بالخمس! وجعل غالبية فقراء الشيعة يتنافسون على مبالغ مهينة غير مُلزمة وقليلة وهي الصدقة، ولشريحة لا تكاد نسبتها تذكر انزل بحقهم آية كريمة واعطاهم عشرة بالمائة من مداخيل الشيعة، اي نصف حقوق الطائفة تذهب لواحد في المائة فقط من عدد الشيعة والتسع وتسعون بالمائة الاخرى لهم النصف الاخر! هل هذا من الله تعالى؟ الذي العدل هو من اول صفاته؟ ومن لا يؤمن بعدل الله فهو غير مسلم، وحاشا لله من هذا الكفر الصريح بذاته وبجلاله، فهذه هي العبثية التي لا يرضاها اي عرف او شرع فضلاً عن الدين الاسلامي المتكامل. ايها الشيعة! افيقوا من سباتكم، فاموالكم اصبحت نهباً ومذهبكم في خطر، والخطر الداخلي دماره اكثر بكثير من الاخطار الخارجية، الا يخطر على بالكم يوماً ان تتحروا او تستفسروا؟ انا متأكد بانهم سوف يكفرونكم كما كفروا غيركم، ولكن لا تخافوا فنهاية كل تكفيري قريبة بأذن الله، فهذا القرآن الكريم بين ايديكم خذوه حجة لتعبدوا به الله ولا تتبعوهم، نعم الخمس مذكور ولكن تقسيمه بهذه القسمة الضيزى واعطائه بيد من ثبت تورطهم بالعبث والاستئثار الشخصي والعائلي به، لهو استهتار بالدين كله، فالاصلاح ليس بعيب او حرام، اصلاح لنظام قديم جدا عُمِل به لمئات السنين ولم نرى الفائدة او النتيجة المرجوة منه والتي انزل الباري تعالى كلامه من اجلها، اليوم هو عصر التحديث (reform) اي اصلاح، حيث نرى ان برامج عالية التقنية وحديثة لا يمر شهر الا و جُدِدت مرات ومرات، انا لا اقول بتحديث القرآن الكريم والعياذ بالله، فهاذا ليس هو المقصود، لانه كما قلنا هو دستورنا لكل زمان، ولا بتحديث التفسير وان كان هذا ليس بحرام، ولكن لانه تفسير صحيح للآية ويقبله العقل والمنطق، بل اقول بتحديث واصلاح نظام جمع الحقوق الشرعية الفاقد للصلاحية، كيف؟ هذا من اختصاص كوادر اقتصادية متخصصة، الذي بدوره سيسحب البساط من تحت ما يسمون بوكلاء جمع الاخماس الشرعية الفاسدين، الذين هم كالبعوض الذي يمتص دماء الابرياء الحيوية ليحقنهم بدلها جراثيم قاتلة، والذين اغتنوا على حساب ضعفاء الشيعة. فالضرائب اليوم هي من اهم سمات العالَم المتحضر، ونرى ان دافعي الضرائب يتباهون ويفتخرون بأن من اموالهم وجهدهم وعرقهم يتكافل مجتمعهم ويتطور بحيث لو فقد احد دافعي الضرائب دخله لسبب او لاخر فأن كرامته محفوظة من تأمين صحي وراتب له ولعياله، وان كان اقل مما كان يستلمه اثناء عمله لكنه يعينه خلال فترة البحث عن عمل آخر، وكذلك يُدفع له اجار داره ان كان مستأجراً او اقساط البنك ان كان مالكاً، واذا كان مريضا فيكون الراتب اعلى بكثير، ما اردت قوله هو ان كرامته وكرامة اسرته محفوظة، تلك الكرامة التي وصفها نبينا الكريم (ص) بأنها اهم عند الله من الكعبة المشرفة ! الله اكبر، ما اعظمك يا رسول الله! وما احوجنا اليك اليوم.
هذا بالاظافة الى الصدقات والخيريات الكثيرة الاخرى، وهناك عند الشيعة ضريبة اخرى وهي رد المظالم، اي لو ظَلمتَ انسان واردت التكفير عن تلك الظليمة، فما عليك الا ان تدفع لرجل الدين مالاً يُحدده رجل الدين نفسه ليرضى عنك الرب ويغفر لك، وكذلك ان كانت هذه تصب في الصالح العام فلا بأس بها، وهذه الضريبة يمكن تشبيهها بضريبة القيمة المضافة (VAT) في اوروبا، حيث لا يبقى محتاج عندنا الا وتلقى المساعدة، ولا يتيم الا وكُفِل اجتماعيا، ناهيك عن مشاريع اروائية وخدمية من صحة وتعليم وامور كثيرة لاحصر لها ولا عدد، ولكن ماحصل على ارض الواقع هو العكس تماماً، بل هو كارثة كبرى واهدار ونهب ممنهج للمال العام، فنرى دائماً حين يتوفى مرجع التقليد الذي تدفع له كل تلك الاموال والذي هو موضع ثقة المؤمنين، تبقى تلك الاموال الطائلة عند ورثته!
- آخر تحديث :
التعليقات