ألقى الرئيس المصري محمد مرسي خطابا في قمة عدم الإنحياز المنعقدة في طهران في الثلاثين من أغسطس الماضي، ذلك الخطاب الذي هلل له تيار الإسلام السياسي المتشدد بل ونظم أفراده مسيرات لاستقبال محمد مرسي عند عودته إستقبال الفاتحين والأبطال، في حين أن التيار الليبرالي أعتبر الخطاب إهانة لمصر ولتاريخها وإهدارا لكرامتها، فهذا هو حال الإنقسام السياسي في مصر هذه الأيام من أقصي اليمين لأقصي اليسار!!!

قبل الزيارة بيوم واحد أي في التاسع والعشرين من أغسطس نشرت صحيفة النيويورك تايمز مقال للكاتب السياسي الأمريكي المخضرم quot; فريدمانquot; المعروف بدعمه الكامل لإسرائيل تحت عنوانquot; shame on Egypt's presidentquot;
الحقيقة أنني قمت بنقل عنوان المقال بالإنجليزية لسببين الأول لإزالة الشكوك وثانيهما لأوضح كذب الإعلام الإخواني الذي قام بترجمة المقال علي أنه بعنوان quot;زيارة مرسي والتوجه الخاطيquot; في حين أن الترجمة الحقيقية للمقال هي quot; عار عليك أيها الرئيس المصريquot; ولا أدري من أين جاؤوا بترجمتهم غير الحقيقية، ركز فريدمان في خطابه علي أنه من العار علي الرئيس المصري أن يزور إيران العدو الأول لأمريكا كما لمح له بمساعدة بلادة لتوليه منصب الرئاسة. ويبدو أن موقف ورأي فريدمان لم يختلف كثيرا عن رأي القيادة السياسية في أمريكا وإسرائيل هذه هي الظروف التي أحاطت بالخطاب قبل إلقائه.

أولا من ناحية الخطاب فالخطاب بدأ بالسلام علي أبو بكر وعمر وعثمان وعليً الشئ الذي أعتبره السلفيون إنجازا أن يسلم على هؤلاء الصحابة في طهران التي تسب الصحابة ليل نهار، وكأن لا يوجد في إيران مسلم سني واحد يسلم علي الصحابة ولا يسبهم!!!. أما القراءة الواقعيةالسياسية لبداية الخطاب فهي سقطة سياسية للرئيس مرسي حيث أن مؤتمر عدم الإنحياز ليس بالمؤتمر الديني بل مؤتمر سياسي يضم دولا كثيرة متعددة الثقافات فما كان يجب إقحام رموز دينية في مؤتمر كهذا.

ثانيا: منذ اسبوعين دعا الرئيس محمد مرسي لتكوين لجنة رباعية من quot; مصر والسعودية وتركيا وإيرانquot; للتوسط لحل الأزمة السورية والمساعدة في وقف نزيف الدم في سوريا الشقيقة، تلك المبادرة التي لاقت إستحسانا من جميع التيارات المصرية بإعتبار أنه دور من أدوار مصر القائدة والرائدة في محاولة إنقاذ سوريا ووقف حمام الدم هناك، ولكن جاء في خطاب مرسي ما ينسف تلك الجهود وتلك الأمال حيث هاجم النظام السوري وبقسوة مما أدي لإنسحاب الوفد السوري من القاعة، فكيف لشخص منذ أسبوعين يعرض تكوين لجنة رباعية لحل الأزمة السورية والآن يقوم بنسف اللجنة قبل أن تبدأ عملها، وكيف لسوريا أن تقبل وساطة مصر وهي التي رفضت السماع لكلمته؟؟؟؟. ولماذا فعل quot;مرسيquot; ذلك بنفسه ليظهر بمظهر الرجل المتناقض الذي يقول شئ ونقيضة في مدة قصيرة جدا؟؟

ثالثا: فيما يتعلق بالموضوع الإيراني وهو الأهم لم يكن الإخوان ضد القنبلة النووية الإيرانية يوما من الأيام بل أطلقوا عليها القنبلة النووية quot;الإسلاميةquot; فكيف يهاجم مرسي البرنامج النووي الإيراني ولماذا الآن؟؟. علما بأن quot;مرسيquot; بذل محاولات لإعادة العلاقات مع إيران وكان هناك تقارب وكانت إعادة العلاقات الدبلوماسية مع ايران علي وشك الحدوث، وشهدت القاهرة زيار لمسئول إيراني رفيع المستوي، بل أن إيران طلبت من شيعة مصر عدم الإشتراك في ثورة 24 اغسطس حتي لا يعكروا جو العلاقات مع القيادة المصرية. وهنا وللمرة الثانية فأن مرسي قد دمر كل جهود المصالحة مع إيران بفعله الشئ ونقيضة في فترة قصيرة جدا.

السؤال الأن لماذا قام مرسي بفعل كل ذلك ولمصلحة من؟ من مقال فريدمان في نيويورك تايمز يتضح أن الخطاب مدي الغضب والقلق الأمريكي الإسرائيلي من قيام الرئيس المصري بزيارة إيران، ولذلك أراد quot;مرسيquot; أن يضمنهما حتي لو كان ذلك علي حساب العلاقات الإيرانية المصرية التي بذل فيها جهد كبير لإصلاحها، وحتي لو كان ذلك علي حساب الوساطة لحل الأزمة السورية، فجاء خطاب مرسي وكأنه أملاءات أمريكية أسرائيلية بحتة، ولغرابة مواقفه والتضارب في أفعاله وأقواله في مدة زمنية قصيرة جعلنا نسأل quot; دي سياسة دي يا مرسيquot;؟