حزيران عام 1986، شهد تأسيس معسکر أشرف في العراق، وهو أمر وجد فيه النظام الايراني وقتئذ بمثابةquot;إنتحار سياسيquot;لمنظمة مجاهدي خلق و إعتبرته اوساط عديدة مجازفة غير محمودة العواقب تقوم بها تلك المنظمة، خصوصا وان الحرب کانت على أشدها بين العراق و إيران في تلك الفترة، ولذلك فمن الطبيعي أن لايمکن فهم و إستيعاب هکذا قرار سياسي ملفت للإنتباه للمنظمة بل و من البديهي أن تثار حوله الکثير من علامات الاستفهام و الالغاز.

معسکر أشرف الذي کان في ظاهره عبارة عن مکان لإيواء أفراد معارضين للنظام السياسي القائم في بلادهم، أثبتت الايام و الوقائع ان الدور الذي قام به خلال مرحلة الحرب العراقية الايرانية و ماتلتها من مراحل أخرى، کان أکبر من دور جهة سياسية عادية بل وأن الاحداث و المجريات أثبتت بأن سکان هذا المعسکر قد أثبتوا فعلا بأنهم يمتلکون الاطروحة البديلة لنظام ولاية الفقيه، ومن هنا، يمکن تفهم و إسستيعاب القسوة و العنف البالغين اللذين إتبعهما النظام الايراني في تصديه لهذا المعسکر و إصراره الملفت للنظر على إغلاقه، خصوصا وان أنظار الشعب الايراني بات ترنو الى هذا المعسکر و ترى فيه أملا و طموحا للتغيير، وقد قادت الاحداث الدراماتيکية التي تلت ذلك الى مواجهة غريبة من نوعها بين طرفين غير متکافئين، غير ان الايمان العميق و الراسخ بالقضية و المبادئ جعلت الکفة ترجح لصالح سکان أشرف، خصوصا بعدما تمکنت المقاومة الايرانية من إيصال صوت سکان أشرف و الشعب الايراني الى المحافل الدولية و نجحت في منح القضية بعدا دوليا أحرج النظام الايراني و من يلف لفهم.

سعاد عزيز

النظام الايراني الذي کان يعتقد بأن إغلاق معسکر أشرف سيکون کفيلا بإنهاء المقاومة و المواجهة و الرفض الشعبي القائم ضده، لکنه تأکد الان من أن قضية معسکر أشرف أعمق و أبعد من إعتقاده الساذج هذا بکثير، ذلك أن قضية معسکر أشرف تمثل و تجسد قضية معاناة و کفاح و مقاومة شعب ضد الاستبداد و الدکتاتورية و نضال مشروع من أجل نيل الحرية، ولأجل ذلك فقد سعى النظام الايراني للدخول الى القضية من زاوية أخرى عندما وجد أن الضغوطات و المخططات العسکرية و الارهابية لم تعد تجدي نفعا و باتت مسألة مکشوفة أمام الرأي العام العالمي، ولذلك فقد إستغل النظام الايراني نفوذه و قدراته المختلفة سياسيا و دبلوماسيا لکي يکون له دور و تأثير في أي تطورات او مستجدات محتملة تتعلق بقضية سکان أشرف، ومنذ أن تم التوقيع على مذکرة التفاهم الخاصة بالحل السلمي لقضية معسکر أشرف، والنظام الايراني يحاول و بمختلف الطرق و الوسائل الالتفاف على بنود المذکرة و الاخلال بها و دفعها بإتجاه طرق مسدودة، ولعل شهادة السيد طاهر بومدرا کبير مسؤولي الامم المتحدة السابق في العراق في جلسة استماع الکونغرس الامريکي بتأريخ 13/9/2012، حول قضية نقل سکان معسکر أشرف الى مخيم ليبرتي و کشف دور مارتن کوبلر و تعاونه مع الحکومة العراقية و النظام الايراني، حيث طرح کلاما خطيرا و غير عاديا ولاسيما عندما قال بالحرف الواحد أن اليونامي يتعامل مع قضية مخيم أشرف خلافا للقيم الاساسية للأمم المتحدة وذهب أبعد من ذلك حينما أکد بأن کلما يتعلق بقضية أشرف يتم حسمه في مکتب رئاسة الوزارة العراقية و أحيانا السفارة الايرانية في بغداد.

إفادة بومدرا هذه التي ذکر فيها أيضا بأنهمquot;کمسؤولين في الامم المتحدةquot;عندما کانوا يسألون المسؤولين العراقيين لماذا لاتهتمون بالمعايير فيما يتعلق بسکان أشرف، فإنهم کانوا يردون علينا لأنهم لايستحقون أية حقوق أو تعامل إنساني لأنهم إرهابيون، هي في حقيقتها و واقع أمرها، واحدة من مخططات و دسائس النظام الايراني، لأن الطرف الوحيد الذي بإمکانه أن يدفع الامور بهذا الشکل و يستفاد منها و تصب في صالحه، هو النظام الايراني بعينه، ويقينا بأنه لن يقف ساکتا و مکتوف الايدي أمام ماستؤول إليه قضية سکان أشرف برمتها و سيحاول جاهدا اللعب على حبال أخرى و إيجاد مواطئ أقدام جديدة له من أجل إبقاء قضية سکان أشرف بعد أن صاروا کلهم في مخيم ليبرتي في دائرة مغلقة او مؤطرة لکي لاتکتسب أبعادا استثنائية قد تؤثر على الاوضاع الداخلية في إيران.

لقد کانت عملية نقل سکان أشرف الى مخيم ليبرتي و طوال الاشهر المنصرمة بمثابة رحلة عذاب و سفر غير مأمون العواقب الى سجن جماعي تم تدشينه تحت علم و إشراف منظمة الامم المتحدة ذاتها، ولاريب من أن النظام الايراني سوف لن يدع سکان ليبرتي أيضا وشأنهم و سيسعى لإثارة الکثير من المشاکل و الازمات وصولا الى الالتفاف على أصل القضية و جوهرها، ومن هنا، فمن الضروري جدا الانتباه لهذه الامور و أن على الامم المتحدة أن تحدد موقفها بوضوح و شفافية أکبر خصوصا بعد إفادات السيد بومدرا و التي هي في الحقيقة تطعن بمصداقية الدور الاممي، ويقينا أن الامم المتحدة سوف تراعي هذه المسألة جيدا و تسد کل الثغرات و المنافذ التي قد يدخل من خلالها النظام الايراني و يستغلها لصالحه.

[email protected]