مرة أخرى يطرح الملف النووي الايراني على بساط البحث بقوة، والذي يميز هذه المرة عن غيرها، أن هناك شبه إجماع او نوع من الاتفاق على إدانة التوجهات النووية للنظام و عدم تجاوبه و مطاوعته مع المطالب الدولية خصوصا بعد فشل الوکالة الدولية للطاقة الذرية في التوصل الى نتائج ملموسة تجبر النظام على وقف النشاط المحظور.
للمرة الاولى، لم يکن هناك سوى صوت واحد معترض لصالح النظام الايراني و ذلك الصوت کان کوبا، ذلك البلد المعزول و المنطوي على نفسه کالنظام الايراني تماما، في حين إمتنعت دولا محددة من التصويت على مشروع قرار الادانة ليس حبا بالنظام وانما مراعاة للحيادية، وهذا الامر يشير بحد ذاته الى حقيقة أن النظام الايراني بدأ يمر بمرحلة جديدة قد لاتکون سهلة او عادية، هذه المرحلة تؤکد على أن النظام الايراني قد بات مکشوفا تماما أمام الجميع و لم يعد لديه مايخبئه عن الجميع.
الملف النووي للنظام الايراني الذي شاغل به المجتمع الدولي بشکل عام و دول المنطقة بشکل خاص، قد بات هذه الايام مطروحا بقوة على بساط البحث و لم تعد مبررات و مسوغات النظام المتباينة التي طرحها و يطرحها للتنصل من مسؤولياته و إلتزاماته نافعة و مفيدة خصوصا وانها في خطها العام مجرد إلتزامات نظرية بعيدة عن التفعيل و التطبيق على أرض الواقع، ولذلك فإن العالم کما يبدو قد مل تماما من لعبة القط و الفأر مع النظام الايراني و صمم على أن يضع حدا لها و يسمي الاشياء بأسمائها، وان القرار الاخير لو يتفحصه و يدقق فيه النظام الايراني بالصورة المطلوبة کفيلة بأن توضح له الى أين تتجه الامور وانها بسياقها العام لم تعد في صالحه.
النظام الايراني الذي طالما برع في خداع المجتمع الدولي و الالتفاف على قراراته و توصياته المتعلقة بشأنه، يجد اليوم نفسه في أزمة أقل مايقال عنها عويصة، ذلك أن المجتمع الدولي قد مل تماما من وعوده و إلتزاماته التي لم يفي بواحدة منها على أقل تقدير وانما ظلquot;وسيبقىquot; يلعب على حبال عامل الاستفادة من الزمن، ولذلك فإن النظام الايراني عليه أن يقوم بتحديد موقفه و الکف عن المناورة و اللف و الدوران، وهذا بطبيعة الحال ليس بذلك الامر الهين و السهل الذي يتصوره البعض بل انه أکثر من صعب و يصل في صعوبته الى حد التعقيد، لأن تخلي النظام الايراني عن برنامجه النووي يعني فيما يعني نهايته و إسدال الستار على مشروع نظام ولاية الفقيه، حيث أن البرنامج النووي للنظام يجسد بطبيعة حاله خط ماجينو او خط بارليف للدفاع عن وجوده و بقائه، ومن هنا فمن السذاجة التصور بأن النظام الايراني سيتخلى بتلك السهولة التي يتوقعها الکثيرون عن برنامجه النووي، بل وانه سوف يمضي في برنامجه هذا ولن يردعه أي شئ لأن الامر بالنسبة إليه يعني مسألة حياة او موت.
السؤال الاهم الذي يجب طرحه هنا هو: ماذا يريد النظام الايراني من وراء الاصرار في المضي قدما ببرنامجه النووي على الرغم من التحذيرات و العواقب غير المحمودة التي تنتظره؟ هذا الاصرار الغريب و الاستثنائي يجسد في واقع الحال ميل و إصرار النظام الايراني على البقاء في سدة الحکم لأن هذا النظام يعي تماما بأن تخليه عن برنامجه النووي يعني انه سيحدد بيديه مصيرا مشابها لمصير القذافي الذي قام بتسليم کل شئ و لم يقبض في المقابل إلا إنتفاضة عارمة بوجهه!
هل يريد النظام الايراني مواجهة المجتمع الدولي من جراء إستمراره في برنامجه النووي المثير للجدل و الشبهة؟ قطعا أن النظام الايراني سيلجأ الى هذا الامر لأن الغريق يتشبث ولو بقشة، ومن هنا فإنه من الاجدر بالمجتمع الدولي أن ينتبه الى هذا الامر و يأخذ إحتياطاته قبل فوات الاوان.
ان الموقف الدولي الجديد من النظام الايراني لن يبقى فعالا بل وانه سيبقى عاجزا عن إستيعاب و إحتواء محاولات و مساعي هذا النظام للإلتفاف على الشرعية الدولية، ومن أجل ذلك فإنه من الضروري جدا أن يبحث المجتمع في آلية جديدة تکفل له ضمان إنصياع النظام الديني المتطرف في إيران، وبإعتقادنا أن هذه الالية يتم تفعيلها و تنشيطها عبر الاعتماد على الديناميکية الداخلية للمجتمع الايراني و على قوة و دور القوى السياسية الايرانية المعارضة للنظام و التي يأتي على رأسها المجلس الوطني للمقاومة الايرانية و الذي أبلي بلائا حسنا في مقارعة و مواجهة النظام الديني منذ أعوام طويلة، خصوصا فيما لو إستذکرنا بأن المجلس الوطني للمقاومة الايرانية هو الذي قام بفضح مساعي و محاولات النظام الايراني لإمتلاك السلاح النووي منذ العام 2002، وهو الذي بادر و يبادر دائما لفضح مخططات و مساعي النظام بهذا الخصوص، وفي سبيل ذلك فإن لجوء المجتمع الدولي لخيار دعم و مساندة الشعب الايراني و المقاومة الايراني سيکون خيارا مفيدا و حاسما في التأثير على مسار و سياق الاحداث، غير أن السؤال الاهم هو: هل سيلجأ المجتمع الدولي فعلا لخيار دعم الشعب الايراني و المقاومة الايرانية؟

[email protected]