شاءت محاسن الصدف أن أحضر مؤخرا احدى الندوات التي اشترك فيها أعضاء بارزون من قيادة المجلس الوطني السوري، على الرغم من الفرحة الطفولية التي عادة تغطي وجوه الصغار الموعودين بملابس العيد الجديدة والحلوى الوفيرة غمرت وجوههم، أستهل د. برهان غليون الندوة بشرح تمتع بتحليل فلسفي سياسي فيه نوع من السوداوية حول واقع الثورة السورية، دور الدول الاقليمية والدولية في الأزمة ورؤيتهم لمسألة الانتقال السياسي في سورية من نظام مستبد الى اخر برلماني حر موحيا الى أن هناك عملية انهاك لسورية دولة وشعبا وأن أمورا كثيرة تؤخذ في الحسبان من بينها الحفاظ على أمن اسرائيل وضمان استمرار أمان مصادر النفط والطاقة في الخليج.
يقو ل حاييم سابان مؤسس مركز سابان لشؤون الشرق الأوسط السياسية بمؤسسة بروكينغز في مقالة له بعنوان الحقيقة حول أوباما وإسرائيل في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية: اسأل أي مسئول اسرائيلي من العاملين في مجال الأمن القومي الاسرائيلي وسوف يخبرك بأن العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل لم تكن في يوم من الأيام أفضل مما هي عليها الآن في عهد الرئيس أوباما ويردف: أنه لمن الصعوبة بمكان أن أتذكر فترة كانت فيها السند والدعم الأمريكي أقوى من الوقت الحالي.
ربما الأسباب السالفة الذكر تبرر نوعا ما تلكؤ الأسرة الدولية في الاجماع على قرار يضع نهاية لمعاناة الشعب السوري، التلكؤ الذي بدوره منح أركان النظام في دمشق الفسحة الزمنية المطلوبة للقيام بكل ما هو محظور ومباح لإقناع العالم بأن هذه حرب طائفية وليست ثورة حرية كما يقال ويستشهد بالإشارة الى البديل القادم (اسلام سنة متطرف).
كان على المجلس الذي تمتع منذ انشاءه باهتمام اقليمي ودولي منقطع النظير ليكون الخيار السياسي البديل للنظام والمحاور عن الشعب السوري الامساك بزمام الأمور الدبلوماسية الهامة والملحة تنسيقا مع بقية قوى المعارضة السياسية والعمل ليلا نهارا على اثبات العكس حول مزاعم النظام ليس بالقول فقط بل بطرح البديل السياسي الحقيقي الذي يجمع كافة أطياف المجتمع السوري ضمن برنامج مستقبلي لنظام مدني تعددي ديمقراطي يحل محل الدكتاتورية في سورية الجديدة.
الآن بعد هذه الرحلة الطويلة من العذاب والمآسي التي مرّ بها شعبنا وإيغال النظام في القتل والتشريد وصناعة اللاجئين يبدو المجلس غير مستفيدا من تجربته السياسية التي تقاس مع عمر الثورة السورية، من خلال اعتماده الأساسي على الخارج حتى في تقوية علاقته مع الداخل وهذا ما يشكل وهنا حقيقيا نظرا لمصالح الدول المعنية المختلفة في المنطقة ولأن القوة الفعلية لأية حركة ثورية لا يمكن أن تكون حقيقية الا اذا كانت مستمدة من أبناء الشعب دون الزام أو توصية خارجية. د.غليون يظهر تفهما منطقيا لسلوك المجتمع الدولي مع ذلك يفتقر الى الخطاب السياسي القوي مكتفيا بالتلميحات الخجولة.
الأزمة لا يمكن معالجتها من خلال التوسل لتقديم المساعدات المادية للاجئين السوريين ومدّ الجيش الحر ببعض السلاح للاستمرار في الصمود، على الرغم من أهميتها الوقتية وضرورتها الا أنها غير كافية بل الاعتماد على مثل هذه الاستراتيجية وحدها يزيد من تحطيم وتفتيت سورية وطنا وشعبا، لعبة الهاء باهظة الثمن، مساحة من الرمال المتحركة لإغراق الربيع العربي وخنقه قبل أن يعبر الحدود السورية. العالم الخارجي يرى التحول الديمقراطي في تونس، ليبيا، مصر، اليمن نسبي ويمكن التعايش مع تلك الأنظمة الجديدة مع بعض الترويض فهم أولا وأخيرا في عوز الى الدعم المادي الغربي والعربي لتغطية المتطلبات المعيشية التي كانت منذ البداية احدى الأسباب التي ألهبت الربيع العربي.يقول توماس فريدمان في مقالة له أيضا في نيويورك تايمز: نحن مازلنا بحاجة الى الدعم الاستراتيجي المصري في المنطقة وهي مازالت بحاجة الى دعمنا المادي ولكن مصر بقيادة اخوان مسلمين ديمقراطي لن يكون سلوكها مواليا لنا بنفس البديهية التي كانت مع النظام السابق بل نحن بحاجة لخلق نوع جديد من العلاقة ذلك سيكون معقدا.
معقدا لكن ليس مستحيلا يمكن ايجاد أطر للتأقلم معها ولذلك حتى الآن التغيير لا يشكل خطرا على السياسة الحالية للمنظومة الدولية، لكن تلك المعادلات سوف تتغير اقليميا ودوليا مع نجاح ربيع عربي حقيقي في سورية.
المعركة الآن تدور حول تحديد هوية النظام القادم في سورية واحتواءه قبل ولادته كتابع ذليل لا صوت حر يسمع دويه في شتى أصقاع الدول ذي الأنظمة الاستبدادية.
المؤسف في الأمر أننا مهما حاولنا تجاهل الأمر والتنصل من سرد الحقيقة فان حل الأزمة السورية لن تتم الا عبر قرار دولي يجبر النظام في دمشق بالتخلي عن السلطة لصالح الشعب السوري. لكن نضوج تلك اللحظة لم تحن بعد طبقا للمعايير الدولية المرسومة للحكم المرتقب في دمشق وحين يحصل لن تنتظر تلك القوى دعوة، موافقة أو قرارا بالتدخل العسكري القوي والمباشر.
مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم
[email protected]
التعليقات