عندنا في مصر حينما يتنقل صاحب الحاجة من هيئة إلي هيئة ومن مسؤول إلي آخر دونما أمل في حل مشكلته ووضع نهاية لألمه يقول من فلان إلي فلان يا قلبي لا تحزن! وهذا حال الأشرفيين الذين انتقلوا مؤخرا إلي الجحيم في ليبرتي، فمن ظلم اليونامي إلي عدم اكتراث لجنة تقصي الحقائق التي قادها جورجي باستين معاون الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، وبصحبته بعض الدبلوماسيين والمراسلين في بغداد quot;يا قلبي لا تحزنquot;.. فمن هذه إلي تلك يتنقل المقاومين الإيرانيين من ظلم إلي ظلم ومن إجحاف إلي اجحاف، ومن أكذوبة إلي أخري والنتيجة واحدة، والهدف واحد.. أما النتيجة فهي بقاء معاناة اللاجئين الإيرانيين بالعراق كما هي دون حل أو حلحلة، وأما الهدف فهو قتل روح المقاومة في الشعب الإيراني والأمل في تغيير هذا النظام الباطش بقيادة خامنئي.

والقصة وإن بدأت قبل 26 عاما؛ لكن الجديد فيها كان في quot;سجن ليبرتيquot; أو quot;الجحيمquot; سمه ما شئت، يوم الثلاثاء الموافق 11 من سبتمبر 2012، حين وصل في الحادية عشر صباحا معاون الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة جورجي باستين بصحبة جورج باكوس المستشار السياسي لرئيس السلطة العراقية نوري المالكي، وصادق محمد كاظم وعدد من الدبلوماسيين والمراسلين، دون علم اللاجئين الإيرانيين لتقصي حقائق الحالة المعيشية الصعبة التي يقاسوها.

وكم نادي الليبرتيون علي مسئولي الأمم المتحدة، وترجوهم الحضور إلي السجن الذي يعيشوه بعد تهجيرهم القسري من مخيم أشرف قبل سبعة أشهر، ولكن ويا للأسف لم يكن الليبرتيون ينادون أحياء علي ما بدي، فقد أصمهم وأعماهم الملالي وأذنابه بالعراق!

اليوم يأتون بعد فضيحة مدوية فجرها أحد كبار مسؤولي يونامي، والذي أكد علي وجود تصرفات قمعية مارستها ولا تزال الحكومة العراقية بالتعاون مع quot; يونامي quot; ضد اللاجئين في مخيم أشرف - من تبقوا من المقاومين الإيرانيين ولم ينقلوا بعد إلي جحيم ليبرتي - إضافة إلي تقرير الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي التابع للأمم المتحدو والذي وصف quot; ليبرتي quot; بأنه سجن.

وهذه الفضيحة تأتي بعد كتاباتنا الكثيرة التي أكدنا فيها علي أن صمت أعضاء فريق quot;يوناميquot; علي ممارسات حكومة المالكي ضد اللاجئين الإيرانيين هو أمر مريب وينطوي علي اختراق ملالي لأعضاء هذا quot;اليوناميquot;، فيستحيل أن كل ما كنا نكتبه عن قتل الأشرفيين والاعتداء علي حرياتهم الشخصية، وتعذيب كثيرين منهم بدنيا ونفسيا كلها أكاذيب لا أصل لها؛ بينما تبقي سجلات quot; اليونامي quot; للحياة الوردية التي كانوا يرسمونها للاجئي إيران هي الحقيقة الوحيدة!

وبعد أن دوّت هذه الفضيحة جاء quot;باستينquot; وليته ما جاء!، فقد سلّم نفسه لرجال المالكي الذين لم يبقوه أكثر من 20 دقيقة مع هؤلاء السجناء الذين حرموا طوال أشهر من الرعاية الطبية والتضييق علي وجباتهم الغذائية، فضلا عن انقطاع الكهرباء بالساعات وتلوث المياه شبه الدائم. وأخيرا ضربهم وسحل بعضهم. ولا يجب أن ننسي ما دونته مقالاتنا السابقة حول منع محاميي اللاجئين وناشطي حقوق الإنسان والمراسليين الصحفيين من الدخول لليبرتي.

ولا نعلم إن كان السيد quot; باستين quot; قد وقف علي هذه المشكلات إضافة علي تعنت رجال المالكي الموالين لملالي إيران من نقل مولد الكهرباء بقوة 1.5 ميجا وات من أشرف إلي ليبرتي حتي يتمكن السكان من الحد مما ينفقوه علي المولدات الحالية والتي تعطي طاقة أقل وتحتاج إلي مصاريف صيانة وجاز أعلى.

كما لا نعلم إن كان السيد quot; باستين quot; قد وقف علي منع الأشرفيين من بيع ممتلكاتهم بحرية وللتاجر الذي يوفر لهم السعر الأنسب، وعلي سر إصرار الحكومة العراقية منع الليبرتيين من quot;سفلتةquot; الطرق والتي هي ضرورة للتسهيل علي المعاقين حركتهم، خصوصا وأن التضييق علي ادخال مقاعد للمعاقين لا زالت قائمة.

ولا نعلم أيضا إن كان السيد quot;باستينquot; علي دراية بأن ما أنفقه سجناء quot;ليبرتيquot; حتي الآن لأجل توفير مياه نظيفة وكهرباء بلغ 6 ملايين دولار، بالرغم من اصرار الحكومة العراقية علي مصادرة ممتلكات كثير من اللاجئين في ليبرتي حتي يضطروا لبيعها بأبخس الأثمان.

ومع استمرار كل هذه المآسي في ليبرتي لا نعرف هل سيزور السيد quot; باستين quot; مخيم أشرف ليقف علي حجم المعاناة والحرمان الذي يعانيه المهجرون قسرا إلي ليبرتي؟ وكيف كانت حياتهم التي شيّدوها عبر ما زاد علي الربع قرن، وكيف هي الآن في سجن ليبرتي؟ فإذا كان الرجل من الأمانة بمكان حتي ينقل الحقيقة كما هي للأمم المتحدة، فهذا هو المراد؛ وإن لم يكن كذلك وهذا ظننا وللأسف فعليه أن يفتح مخيم quot;ليبرتيquot; للعالم حتي يروا صدق تقريره كما رآها ولا أظنه يفعل.

ومع كل هذه المعاناة نعلن أن الحياة ستستمر وأن الأمل سيبقي وأن للمظلومين يوما سيأخذون فيه حقوقهم كاملة في الدنيا والآخرة معا.