التحذيرات والتغريدات التي يطلقها ويرسلها الفريق ضاحي خلفان قائد شرطة دبي بين الفينة و الأخرى والتي تزايدت مؤخرا في مختلف القضايا و الملفات الأمنية والسياسية في الخليج العربي والعالم العربي ليست مجرد حالة ترف أو حب للظهور يقدم عليها أحد الرجال الذين كانوا وراء التجربة الناجحة لإنطلاقة إمارة دبي كمركز إستثماري مالي وسياحي في أعقد وأدق منطقة في العالم، بل أنها تعبير عن رؤى سياسية جدية و تصورات منطلقة من الخبرة العملية والميدانية الطويلة والكبيرة للفريق خلفان، فتحذيراته المستمرة من خطر الجماعات الدينية تستند لدراسة ومعرفة ميدانية مستلة من متابعة ملفات تهديدات وإتصالات وتحركات إقليمية خلال العقود الثلاثة المتفجرة الأخيرة وهي بالتالي ليست ملفات إتهام عالقة بقدر ماهي قرائن مادية ملموسة ومعاشة وأماط الفريق خلفان اللثام عن بعضا من جوانبها الغامضة، وبشأن التهديدات الإيرانية و المستمرة فصولا متعاقبة منذ عام 1979 ضمن حكاية وملف ( تصدير الثورة ).. وهو الملف الذي إستهلك كثيرا من الدماء و الأموال و المقدرات فقد كان الخليج العربي والإمارات العربية تحديدا مسرحا لتلكم التهديدات المختلفة و المتباينة الصورة و الأداء، وكانت الحرب العراقية/ الإيرانية الطويلة المرهقة ( 1980/1988) أفظع إستجابة لتلكم التهديدات رغم أن الأحداث التي حدثت بعدها بدلت كل النتائج وغيرت كل المعطيات وخصوصا موضوع الغزو العراقي لدولة الكويت عام 1990 والذي أبدل الأولويات وغير من صورة التحالفات الإقليمية ولو بشكل مؤقت، المشروع الإيراني التصديري لم يتغير أو يتبدل بل أنه قد غير من شكله وبدل تكتيكاته و حورها بطريقة أكثر خبثا ودهاءا، فهو لم يتردد أبدا عن نسج خيوط العلاقة الدبلوماسية و التجارية مع نظام صدام حسين بعد رحيل الخميني عام 1989 رغم أن النظام الإيراني أطال الحرب لمدة ستة أعوام بعد عام 1982 نتيجة لإصراره على سقوط نظام صدام وتقديمه لمحكمة دولية إضافة لشرط قيام الدولة الإسلامية في العراق وفقا للرؤية الإيرانية!! ورفعوا شعار ( براي فتح كربلا.. مهدي بيا ) أي تعال يا مهدي ( المنتظر ) من أجل فتح كربلاء..!، ولكنهم لم يتوقفوا طويلا عند شعاراتهم التي كانت تعبوية صرفة نظرا لحالة الحرب المحتدمة وقتها والحاجة لشعارات تعبأ الشارع الإيراني و تديم الجهد العسكري المعتمد على تجنيد الموجات البشرية من القرويين و البسطاء الذين هم وقود الحروب المقدسة، ولكن براغماتية الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني نجحت نجاحا ملفتا للنظر في إعادة تسويق السياسة الإيرانية وفتح أبواب الحوار والعلاقات الطبيعية مع السعودية بل وفتحت الأبواب لعلاقات سياسية وتجارية مباشرة مع الغريم القديم صدام حسين إلى الدرجة التي إقتنع فيها ذلك النظام بسذاجة ملفتة للنظر من أن إيران ستحمي أسطول طائراته العسكرية التي هربها لملاذات آمنة هناك عام 1991 خوفا من تدمير قوات التحالف الدولي لها في واحدة من أكبر عمليات الخداع الستراتيجي الإيرانية!!.. المهم إن الإيرانيين وهم يصوغون نسج العلاقات ويديرون أوراق الصراع الإقليمي بحرفنة عالية و براغماتية ملفتة للنظر قبل أن يعود الخطاب الإيراني لعدوانيته المباشرة ولكن برغم تبدل الظروف لم تتبدل أبدا سياسة تكوين الخلايا النائمة و تنشيط وإحياء العلاقات التخادمية القديمة مع الأحزاب و الجماعات الطائفية في العراق ولبنان ودول الخليج العربي وخصوصا في الكويت و البحرين وحيث للنفوذ الإيراني هناك وجود واي وجود!!، وإقدام الفريق خلفان على التلويح بإمكانية تشكيل خلايا عربية أو خليجية في العمق الإيراني هو مسألة ستراتيجية بحاجة لقرار ستراتيجي أمني وسياسي خليجي على أعلى المستويات لأن نتائجه خطيرة للغاية فإمكانية التنفيذ سهلة للغاية ولا تحتاج لجهد لوجستي كبير بل إن كل ما تحتاجه هو توفر الإرادة العربية الخليجية والتي إن قررت تفعيل ذلك التوجه فسيحدث ذلك هزة عميقة للمفهوم الأمني الإيراني، فالساحة الداخلية الإيرانية ممهدة بالكامل للإستجابة لذلك الفعل، وإقليم الأحواز العربي المحتل بجماهيره جاهز بالكامل للإستجابة ليس لتشكيل خلايا سرية بل علنية للإلتحام بالعالم العربي ولتحقيق التطلعات القومية والإنسانية المشروعة لشعب الإقليم الذي يتعرض شبابه الحر لحرب إبادة ولحملة سلطوية مركزة من التشويه و التضليل، وشعب الأحواز يبحث ويناضل من أجل حقه في تقرير المصير والعالم العربي هو حاضنته الستراتيجية ومع ذلك فإن العالم العربي يصم أذنيه بالكامل عن تبني القضية الأحوازية و التي هي من الناحية التاريخية أقدم بكثير من القضية الفلسطينية، لقد وضع الفريق ضاحي خلفان يده على الجرح العربي النازف في الخليج العربي ولكن تحديد مسار الخلايا العربية النائمةأو النشطة في إيران يحتاج لقرار خليجي مركزي على أعلى مستوى مقرونا بتحرك عربي شامل، فهل أن كلمات خلفان مجرد تهديد تلويحي عابر؟ أم أنه سيناريو مستقبلي ممكن التحقيق وقد وضع على طاولة التنفيذ..؟ كل الخيارات ممكنة... ولكن شعب الأحواز ينتظر إشارة الإنطلاق، و إستثمار القوة الأحوازية الكامنة هي واحدة من أخطر الملفات المغيبة... فهل يتغير المشهد الإقليمي عبر إنعطافة تاريخية وستراتيجية؟ وهل ستكون تصريحات خلفان كعلامة على تغير الزمان.

[email protected]