قام بعض القراء مشكورين بالتعليق على المقالين السابقين لكاتب هذا المقال، وعارضهما أغلبهم. وبطبيعة الحال الكاتب لا يتوقع أن يوافق الجميع على رأيه، وهذا أمر طبيعي، ولكن المؤسف أن يقوم البعض بشن حملة شخصية لا تنفع القارىء الذى يتوق الى قراءة الآراء ليكوّن رأيه الخاص بالمقال. الناس يختلفون بعضهم عن البعض الآخر فى أغلب الأمور وخاصة فيما يتعلق بالسياسة، وهذا لا يعنى تبادل الشتائم والاتهامات بين المعلقين أنفسهم ومع الكاتب. السب والشتم معروف فى كل انحاء العالم، وهو سلاح من تعوزه الحجة ويخونه المنطق أو قبض أجرا عليه. إنك لن تستطيع أن تتغلب على غريمك بالشتائم، ولكنك تستطيع أن تتغلب عليه بالبرهان و حسن الأخلاق.

أتُهمت سابقا بأننى أقبض 20 مليون دولار من المالكي لقاء مدحه، ولم يذكروا عما اذا كان هذا المبلغ عن المقال الواحد او راتب شهري او سنوي!. أتحداهم أن يبينوا أي مدح منى للمالكي فى ايٍ من مقالاتى السابقة. العمل الذى جعلنى وجعل أغلبية العراقيين يشعرون بالإمتنان للمالكي هو (صولة الفرسان) فى البصرة بالمشاركة مع الأمريكان، حيث طردوا منها ارهابيين طائفيين حاولوا وضع العراق تحت سيطرة (الولي الفقيه)، وهو ما يأباه كل عراقي مثقف حريص على الحريات العامة والخاصة. وقد ذكر أحد المعلقين على مقالى عن الفساد فى العراق الذى نُشر فى 19/9 أننى اتهمت أهل السنة فقط بسرقة وتهريب المال العام الى خارج العراق ولم أتهم الشيعة. عندما ذكرتُ اسماء المفسدين فانى لم أكن معنيا بدينهم او طائفتهم، فان الفاسدين المفسدين لا ينتمون الى دين او طائفة معينة، ولكنهم موجودين فى كل الأديان والطوائف وفى كل بلدان العالم بدون استثناء، ولم أوجه التهم جزافا وانما ذكرت مَن ادانتهم المحاكم، إذ من الصعب علي التثبت من صحة المعلومات إذا كنت فى داخل البلد فكيف وأنا بعيد آلاف الأميال عن بلدى العراق.

عاطف العزي

كنت قد كتبت فى بداية ما سُمى بالربيع العربي، وحذرت من اختراق السلفيين والارهابيين للإحتجاجات التى قامت فى حينه، وتساءلت عن الأشخاص الذين كانوا يقودون تلك الاحتجاجات. و صدق حدسى، فنظرة واحدة الى ما حصل ويحصل الآن فى بلدان الربيع العربي:اليمن وتونس وليبيا ومصر وسوريا من قتال وتدمير نتيجة تغلغل الغوغاء بينهم وبروز الطائفية بأبشع صورها وكأن الانتفاضات قد قامت للقضاء على الطائفة الأخرى وليس للقضاء على حكم الطغاة. وفى ذلك الوقت طالب البعض بأن يشمل الربيع العربي العراق أيضا، وقاموا بالتحشد فى ساحة التحرير ببغداد فعطلت أعمال المواطنين فى تلك المنطقة، فكتبت بأننا فى العراق لانحتاج الى ذلك بسبب وجود حكومة منتخبة ومعارضة حرة تستطيع حتى أن تشتم رئيس الحكومة ليل نهار دون أن يستطيع محاكمتهم او زجهم فى السجون، ولدينا مجلس نيابي منتخب من قبل الشعب كان قد وافق على تشكيل الحكومة الجديدة، ولو كانت المعارضة قوية لسحبت الثقة عن الحكومة وأسقطتها. نسبة كبيرة من النواب جهلاء انتخبهم أناس جهلة، والدستورلا يمنع الجهلاء من الإدلاء بأصواتهم الانتخابية، وهكذا اتيحت الفرصة لبعض المعممين الجهلاء أن يُدخلوا العشرات من اتباعهم الى مجلس البرلمان.

المعارضة الحالية ليس معارضة حقيقية، لأن جل ما يفعلونه هو محاولات مستميتة للحصول على كرسي الحكم الذى يعتبرونه غاية وليس وسيلة لخدمة أبناء شعبهم. فهم فى أغلب الأحوال يعرقلون أعمال الحكومة للبرهنة على عدم كفايتها. والناس يتحدثون عن أعمال إرهابية ينفذها مسلحون طبقا لأوامر تصدر اليهم من قادة بعض الأحزاب المعارضة، كما ثبت مؤخرا من محاكمة طارق الهاشمي المحكوم عليه بالاعدام. إن رئيس الوزراء متشبث بالحكم وهذا من حقه، ولكن بالامكان اسقاطه بسحب الثقة عنه كما أسلفت، ولكن لم تتوفرلهم الأغلبية حتى لإستضافته فى البرلمان.

الحكومة ضعيفة بسبب وجود المعارضة داخلها، فهى لا تشبه الحكومات الائتلافية المعروفة والتى تكون غايتها الأسمى هى مصلحة الشعب لا مصلحة الأحزاب والكتل. فكيف يستطيع رئيس الوزراء أن يعمل وسط فوضى عارمة مثل التى تحصل فى العراق؟ الاقليم الكردستاني له مطاليب ويهدد بالانفصال اذا لم تتنازل له الحكومة عن المناطق المتنازع عليها. الكتلة الصدرية ترفض تمرير قانون العفو العام ما لم يشمل أتباعها الذين أولغوا بدماء ابناء الشعب. القائمة العراقية تريد من ذلك القانون ان يشمل أتباعها من الذين لا يقلون اجراما عن مجرمى الكتلة الصدرية. وهناك أحزاب دينية كبيرة وصغيرة تنادى بتطبيق الشريعة الاسلامية بحذافيرها والتى كانت تسود المنطقة قبل اربعة عشر قرنا وتختلف الطوائف الدينية عليها، وكل طائفة تقول ان الجنة من نصيبها والنار لغيرها. ومنهم من يسهل دخول الغرباء الارهابيين ليقتلوا أهلنا ويخربوا بلدنا ليستقبلهم الرسول الكريم على أبواب الجنة حيث الحور العين والولدان المخلدين، كما أوهمهم من أرسلوهم.

يريد العراقيون الواعون قيام حكومة علمانية، لا دخل للدين فى أعمالها، ولا يريدون مرشدا أعلى يسيطر على كل أمور العراقيين، ويريدون عودة المعممين الى مساجدهم ويأمرون الناس بالمعروف والنهي عن المنكر بدلا من تفرقة الناس وتحريض بعضهم على بعض ويتوقفون عن الاستنجاد بالدول المجاورة والبعيدة كما يفعلها بعض السياسيون ايضا، ويريد العراقيون كذلك تعديل الدستور والقوانين لتكون أكثر عدالة وواقعية، ويطالبون بتنفيذ أحكام الاعدام بمن صدرت عليهم الأحكام، مما سيجعل الإرهابيين يفكرون ألف مرة قبل إقدامهم على أعمالهم الإجرامية.

أما الذين يريدون تنحية رئيس الوزراء بالقوة، فإنى أتساءل عن خططهم لما بعد تنحيته. وهل أدخلوا فى حساباتهم احتمال نشوب حرب أهلية لا تبقى ولا تذر؟ وكأن أعداد الضحايا التى سقطت حتى الآن دون المستوى الذى يتمناه الارهابيون.

أما الذين يحلمون بالثورات والانقلابات ويدعون البطولات على صفحات الانترنيت وهم جالسون على كراس مريحة، وبعضهم يعيش على بعد آلاف الأميال، فإنى أسألهم هل يمكنكم تحمل فقد أفراد من عوائلكم أو معارفكم؟ هل تعرفون آلام الجراح التى تصيب البريئين ثم لا يجدون العلاج المناسب؟ هل تعرفون معنى التشرد والعيش كلاجئين فى مخيمات فى الصحراء حيث يشح الماء والطعام؟ هل فكرتم بما يحصل للمرضى ولكبار السن والحوامل والأطفال فى حالات الاقتتال وفقدان الأمن؟ هل فكرتم بجيوش الأرامل واليتامى والمعوقين التى خلفتها الحروب والنزاعات وأعمال الارهاب؟ إذهبوا الى مخيمات اللاجئين الهاربين من جحيم سورية واستمعوا الى ما يقولون عما أصابهم ويصيبهم. ثم هل تعرفون عن الفترة الزمنية التى نحتاجها لإعادة تعمير البلد؟ وهل تعرفون أن من سقطوا صرعى من كل الأطراف لن يعودوا؟ ألا تدركون أن معظم قادتنا من حملة جنسيتين أو أكثر قد أعدوا العدة للهرب لخارج العراق والانضمام الى عوائلهم الذين يرتعون فى بحبوحة العيش هناك ويصرفون من أموال أبناء الشعب المظلومين متى ما شعروا بأنهم خابوا فى مساعيهم الدنيئة؟ فكروا فى كل ذلك وحكموا ضمائركم ثم قرروا قبل أن تطلعوا علينا بدعواتكم للقتال والجهاد والتشجيع عليهما. الشيعة لن يستطيعوا القضاء على السنة ولا السنة على الشيعة ولا الأكراد على العرب ولا العرب على الأكراد، ومن يقتل منهم فقد انتهى دوره فى الدنيا، ومن يعش هو الذى سيعانى الى نهاية أجله اما من فقدان حبيب أو تأنيب ضمير.