لا يستطيع الرئيس بشّار الاسد أن يتغيّر أو يتطوّر او أن يكون على تماس مع الواقع. لو كان يستطيع ذلك، لكان القى خطابا مختلفا يعلن فيه أنّ اللعبة انتهت وأنه يبحث عن مخرج وأن الشرط الوحيد الذي يتمسّك به يتمثل في ضمان سلامته وسلامة عائلته. هذا كلّ ما في الامر. كلّ ما عدا ذلك يساهم في تدمير سوريا وتفتيتها وضمان أن لا تقوم لها قيامة في يوم من الايّام. هل هذا هو الهدف النهائي للاسد الابن والمحيطين به؟

تكمن نقطة الضعف الاساسية في الخطاب الاخير للرئيس السوري في عجزه عن استيعاب أنّ هناك ثورة شعبية حقيقية في سوريا وأن الموضوع لا يتعلّق بجهات اجنبية تقف وراء quot;مؤامرةquot; تتعرّض لها سوريا.
ما غاب عن خطاب الاسد الابن هو الاعتراف بالشعب السوري لا اكثر ولا أقلّ. من ثار على النظام المتخلف الذي يتحكم برقاب السوريين ويتصرّف معهم وكأنهم مجرد عبيد هو شباب سوريا. هؤلاء الشبان رفضوا الذلّ والهوان ورفضوا اوّلا قبول ما قبل به اباؤهم واجدادهم منذ بدأت سوريا تتحوّل تدريجا، ابتداء من العام 1958، الى دولة امنية بديلا من دولة المؤسسات الدستورية. استمر الانحدار السوري مع وصول حزب البعث الى السلطة في آذار- مارس 1963 وتحوّله ابتداء من 1966 الى واجهة للضباط العلويين ثم الى حكم لرجل واحد يغطي انتماءه المذهبي عن طريق الاستعانة بسنّة الريف وصولا الى حكم العائلة الواحدة ابتداء من السنة 2000 عندما خلف بشّار الاسد والده...
من الواضح أنّ الرئيس السوري لا يعرف شيئا عن سوريا وما يجري على ارض سوريا، خصوصا أنّه يرى في ابناء الشعب السوري quot;دمىquot;. لا يعرف أنّ الايرانيين وضعوا يدهم على البلد على مراحل، خصوصا بعدما جعلوا نفوذ النظام السوري في لبنان مرتبطا بسيطرة quot;حزب اللهquot; الايراني على الوطن الصغير. لم يدرك بشّار الاسد حتى أنه تحت رحمة ايران وأن نظامه بات جزءا لا يتجزّا من المشروع الايراني في المنطقة، وهو مشروع مبني على اثارة الغرائز المذهبية، التي باتت تشكّل الخطر الاكبر على المجتمعات العربية وعلى مستقبل المنطقة كلّها.
انطلق الاسد الابن في مبادرته من المكان الخطأ، اي من quot;المؤامرةquot; الخارجية التي تستهدف سوريا مشدّدا على ضرورة وقف تلك quot;المؤامرةquot; الوهمية.
نسي أن هناك شيئا اسمه الشعب السوري الذي انتفض في وجهه وفي وجه نظامه وأنّ هذا الشعب يرفض التعاطي معه. ولذلك، كان ملفتا اصراره على أن لا وجود لشريك يمكن التفاوض معه. الا يذكّر هذا الكلام بالكلام الذي يتذرع به اليمين الاسرائيلي، على رأسه ارييل شارون وبنيامين نتانياهو من اجل تفادي التفاوض الجدي مع الجانب الفلسطيني؟
تتظاهر اسرائيل من اجل تكريس احتلالها للقدس الشرقية وقسم من الضفة الغربية بأنّ quot;لا شريك فلسطينيا يمكن التفاوض معهquot;. انّها تسعى بكل وقاحة الى نفي وجود الشعب الفلسطيني الذي يرفض الاحتلال ويسعى الى قيام دولته المستقلّة التي تضمن له استعادة جزء من حقوقه المشروعة.
من ينفي وجود الشعب السوري، على غرار نفي اسرائيل لوجود الشعب الفلسطيني، انما لن يجد شريكا يتفاوض معه من اجل حلّ سياسي في سوريا. مثل هذا الحل غير موجود نظرا الى أنّ الاسد الابن لا يريد استيعاب أنه مرفوض من شعبه وأنّه لم يعد له مكان في سوريا بعد كلّ ما ارتكبه نظامه، اللهمّ الاّ اذا كان يعتقد أن الذين صفقوا له في quot;دار الاوبراquot; واطلقوا هتافات من عصر آخر، يمثلون الشعب السوري، وليسوا في واقع الحال اكثر من مجموعة من quot;الشبيحةquot; جمعتهم اجهزة المخابرات في مكان واحد!
كان الاعتقاد السائد أن بشّار الاسد لا يعرف شيئا عن لبنان، بدليل اصراره على أن يقتصر تعاطيه على اسوأ نوع من اللبنانيين مثل النائب المسيحي ميشال عون وما شابه ذلك من اشباه الاميين الذين ولدوا من اجل ان يكونوا ادوات او ادوات لدى الادوات... هذا في حال حصولهم على ترقية ما.
لم يدرك الرئيس السوري حتى أن دخوله في شراكة مع quot;حزب اللهquot; الايراني في لبنان من اجل حكم لبنان وسوريا والتخلص من اللبنانيين الشرفاء سيرتدّ عليه آجلا أم آجلا. لم يدرك ايضا أن اللعب على الوتر المذهبي والطائفي سيقضي على نظامه. وهذا ما حصل بالفعل ابتداء من آذار- مارس 2011 تاريخ اندلاع الثورة السورية.
ليس امام الاسد الابن، بدل الحديث عن مرحلة اولى وثاني وثالثة وصولا الى حلّ سياسي على قياسه في سوريا، سوى الرحيل. اليوم قبل الغد. أنّه quot;الرئيس السابقquot; لسوريا على حد تعبير الزميل والصديق نهاد المشنوق نائب بيروت. فمشكلة بشّار الاسد الذي قال وزير الخارجية الفرنسي السابق برنار كوشنير في حديث الى quot;العربيةquot; أنّ قريبين منه متورطون في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، تتجاوز العجز عن التعاطي مع لبنان او سوريا...او اي دولة عربية وحتى مع تركيا. أنها مشكلة رئيس لا يعترف بشعبه اوّلا ولا يؤمن الاّ بالغاء الآخر وسيلة للبقاء في السلطة.
ليس بعيدا اليوم الذي ستتكشّف فيه حقيقة من اغتال رفيق الحريري ورفاقه واللبنانيين الاخرين الذين سعوا في كلّ ساعة من اجل مستقبل افضل للبنان وسوريا في آن بعيدا عن عقدة الطائفية والمذهبية التي تميّز quot;حزب اللهquot; وعنصرية ميشال عون ومن على شاكلته من صغار الصغار الذين يجهلون الف باء السياسة واهمية الشعوب وقدرتها على الوقوف في وجه تلامذة ستالين من الذين يجدون فيه مثلهم الاعلى...
مرّة اخرى، تكمن مشكلة الاسد الابن في رفضه الاعتراف بالشعب السوري اوّلا. مثل هذا الاعتراف نقطة البداية لايّ حل في سوريا. وايّ حلّ في سوريا يعني اوّل ما يعني الانتهاء من نظام مرفوض من الشباب السوري اوّلا. من يقرّر على الارض هو الشباب السوري الذي قال كلمته في رئيس لم يمتلك نظامه ايّ شرعية في اي يوم من الايّام. أنذه نظام قام على الابتزاز في تعاطيه مع الخارج وارهاب الشعب السوري وترويعه في الداخل، نظام يرفض الاعتراف بشعبه اوّلا!