من الدروس التي لن أنساها والتي تعلمتها من أحداث ثورة 25 ينايرهوأنني في الأحداث الكبرى لا بد من الإنتظار قبل الحكم عليها، وكنت قد كتبت مقال في عز أيام الثورة وحتى قبل سقوط مبارك بان تلك الثورة هي أعظم ثورة في التاريخ وإعتبرتها أعظم من الثورة الفرنسية، وقد يكون هذا صحيحا وهذا هو ما سوف تنبئنا به الأيام القادمة وإن كانت المؤشرات كلها في غير صالح تلك الثورة، والشئ الوحيد الذي يعزينني لكتابة ذلك المقال هو أنني كتبت أيضا في عز أيام الثورة وبالتحديد يوم 5 فبراير 2011 مقال عنوانه quot;بعد إنتصار الثورة المصرية يجب أن نلعبها سياسة حتى لا يتم سرقتهاquot;، وكان قلبي حاسس إن تلك الثورة سيتم سرقتها مثل غيرها من الثورات وناشدت شباب الثورة بأن يبدأوا فورا بتشكيل إئتلاف حزبي قوي بل وأكثر من ذلك كتبت لهم البرنامج لمثل هذا الحزب والذي أسميته quot;حزب ثورة 25 ينايرquot;، ولكن للأسف مر سنتان على هذا الحدث العظيم ولم يولد هذا الحزب بعد بل بدلا عن ذلك تم ولادة أحزاب مشوهة ومتفرقة ولا يوجد حزب واحد يستطيع إدعاء أنه حزب الثورة.
والحقيقة أنني لم أكن في مصر أيام الثورة ولم أنزل إلي ميدان التحرير غير يوم 18 يناير 2011 لحضور ما سمي وقتها quot;جمعة النصرquot; وسعدت سعادة بالغة بحضور جمعة النصر ولكن الفأر لم يكن يلعب في عبي فقط من سرقة الثورة ولكنه هذا الفأر توالد داخل عبي وأنجب عشرات الفيران التي أخذت تلعب في عبي وتأكدت وقتها عندما وجدت أن المنصة الرئيسية في ميدان التحرير يحتلها يوسف القرضاوي الأخواني المصري والقطري الجنسية والذي يبدو أنه هبط بالبراشوت فوق ميدان التحرير لكي يخطب الجمعة ولكنه في الحقيقة جاء ليسرق كتكوت الثورة الوليد مثله مثل أي حدأة كانت تسرق الكتاكيت من فوق سطح بيتنا في مصر القديمة!! وما أثار مخاوفي هو أنه يومها تم منع وائل غنيم (أحد الشباب الجميل مفجري تلك الثورة) من إعتلاء المنصة الرئيسية، وشاهدت أكبر عملية نشل في تاريخ مصر تحدث أمامي يوم جمعة النصر في ميدان التحرير.
المهم أن تلك الثورة قد كشفت أوراق الشعب المصري بصفة عامة بكل طوائفه، وتعالوا نرصد كل الطوائف:
الشعب المصري بصفة عامة:
أثبت أنه لم يطق الحضارة والوحدة أكثر من 18 يوم، وبمجرد سقوط حسني مبارك بدأ الخلاف بين كل طوائفه، وأثبت أيضا هذا الشعب أنه عجز على أن يفرز زعيما منذ أيام سعد زغلول (أنا لا أغفل زعامة عبد الناصر وشعبيته الجارفة، ولكنه جاء على ظهر دبابة)، وبمجرد أن فك الشعب قبضة الشرطة عن عنقه إنطلق يقطع الطرقات ويحتل الشوارع بالباعة الجائلين ويهاجم القضاة إذا حكموا ضد رغبته ويبني على الأراضي الزراعية في ظل فوضى الثورة، ويبنى المباني الغير مرخصة، ويرتكب جرائم لم نكن نسمع بها ليس لأنه شعبا طيبا ولكن لأن الشرطة كانت قوية وكانت تعامله بمبدأ (ناس تخاف ولا تختشيش) وأخذ الشعب يفعل كل ما بوسعه لكي يبتعد أميالا عن الحضارة، بل واصبح يتفنن في عدم إحترام اي شئ لا رئيس محترم ولا قانون محترم ولا قاضي محترم ولا ضابط شرطة محترم، والدولة تتحلل بفضل إنهيار إحترام الأنظمة والقوانين.
شباب الثورة:
رغم أنهم من خطط وقام بهذه الثورة بشجاعة منقطعة النظير وإستشهد منهم من أستشهد، إلا أنهم أثبتوا سذاجة منقطعة النظر عندما أمنوا مكر الأخوان، وعندما قاموا بالعداء الغير مبرر للجيش المصري ومجلسه العسكري الذي حمى الثورة، وأخذوا يهتفون quot;يسقط يسقط حكم العسكرquot; بعد أن كان هتافهم الشعب والجيش إيد واحدة، وطالبوا بإعدام المشير طنطاوي في كل مناسبة، ولم يفعل لهم أي شئ سوى أنه فعليا كان أحد الأسباب الهامة لعزل مبارك، وأيضا أصروا على كسر إرادة الشرطة حتى بعد إنتصار الثورة وذلك بمحاولاتهم المستمرة والغير مبررة لإقتحام وزارة الداخلية مما أدى إلي سقوط ضحايا بطريقة لا مبرر لها. ورغم كل ما يقال عن أن البعض منهم قد تلقى أموال وتدريبا في صربيا على أيدي الأمريكان إلا أنهم قاموا بثورة ستغير وجه مصر للأبد سواء إلي الأفضل أوإلي الأسوأ فهذا هو ما سوف تظهره السنوات القادمة.
البرادعي ورجاله:
رغم أن للبرادعي الفضل الأول في تحريك الماء الآسن في سنة 2009 و 2010، إلا أنه أثبت فشلا زريعا في أن يكون زعيما لتلك الثورة التي لم تنجب أي زعيم، وذلك أولا لأنه ليس لديه كاريزما الزعامة ولكنه رجل دبلوماسي يتكلم بهدوء بل ويتهته في كلامه وأول صفات الزعامة هو أن يكون خطيبا مفوها يؤثر في الجماهير ويدفعهم للعمل ويعطيعهم الأمل، لكن البرادعي عندما تسمتع إليه يكبس عليك النوم رغما عنك حتى لو كان بيقول درر! ناهيك طبعا عن عدم تواجده في مصر بصفة مستمرة في عز أيام الثورة وسفره الدائم، وذكرني هذا بالرجل الذي ذهب ليكون بجوار زوجته في المستشفى عند ولادة أول مولود لهما ثم فجأة يتركها قبل الولادة لأن عنده شغل مهم!! وطبعا الخطأ القاتل الآخر للبرادعي أنه آمن غدر الأخوان، وقد نغفر شباب الثورة سذاجتهم السياسية لصغر سنهم ولكن ما هو عذر البرادعي لكي يحاول أن يتحالف مع الأخوان.
النخبة المصرية:
أظهرت النخبة المصرية أنها ما عندهاش فكرة عن البطاطس في السياسة، إبتداء من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وكل ما فعلوه هو ظهورهم في الفضائيات والتوك شو، ولكنهم عجزوا أن ينزلوا للشارع وإلي قلب المواطن المصري في العشوائيات والقرى والنجوع، لذلك أخذوا نصيبهم من التجاهل من عامة الشعب.
المجلس العسكري والجيش المصري:
بعد أن عمل عملا مدهشا بأن حمى الثورة ورفض إطلاق طلقة واحدة ضد المصريين حتى أن الناس كانوا يأخذون صورا تذكارية فوق دبابات الجيش المصري، حتى الصورة الشهيرة للعروس والعروسة اللذان تصورا بملابس الفرح أمام الدبابة في ميدان التحرير، ولكن الجيش المصري حفاظا على وضعه آثر السلامة وذلك بالتحالف مع الأخوان القوة الوحيدة التي أظهرت تماسكا منقطع النظير، لأن القوى الأخرى كانت تهاجمه بإستمراروتطالب بإعدام رئيسه. وحتى بعد أن ركب الأخوان ودلدلوا رجليهم أثبت المجلس العسكري ضعفا شديدا وكان من نتيجة ذلك أن الرئيس مرسي والأخوان شعروا بضعفهم (أو قاموا بإتمام الصفقة) عندما أقالوا في ليلة واحدة قادة المجلس العسكري بدون أي رد فعل من الجيش لكي ينهي فعلا حكم العسكر.
الأخوان:
أعتقد أنهم الفائز الأكبر لثورة لم يقوموا بها، وذلك لتماسكهم وإنضباطهم المنقطع النظير، وكذلك نظرا لإنتهازيتهم السياسية المنقطعة النظير أيضا ففي أول أيام الثورة أعلنوا صراحة أنهم لن يشاركوا فيها، وعندما قلبت بجد إشتركوا فيها وأعطوها زخما وقوة إضافية، وفي البداية قالوا من موقف القوي أنهم أنهم لن يدخلوا الإنتخابات البرلمانية في أكثر من %30 من الدوائر، ثم إشتركوا في معظم الدوائر ثم قالوا أنهم لا يطمحون في رئاسة الجمهورية ثم إنتهوا بهم الأمر إلي أنهم رشحوا إتنين واحد أصلي وألاخر إحتياطي (إستبن) وأصبح أول رئيس جمهورية مصري منتخب. وإتبعوا سياسة ميكيافيلية محكمة quot;الغاية تبرر الوسيلةquot; ووصلوا بتلك السياسة إلي حكم مصر بعد أن أطاحوا بكل السذج الذين ايدوهم.
السلفيون:
لست أدري من أين خرج هؤلاء الذين يذكروني بأهل الكهف، ولكني بالرغم من أني لا أعتقد أن لهم اي مكان مستقبلا في السياسة إلا أنهم أكثر صدقا واكثر أمانة من الأخوان المسلمين وإن كان الإثنان وجهان لنفس العملة، والفرق الوحيد هو طول الذقن وحجم الزبيبة، ذقن السلفي أطول كثيرا من ذقن الأخواني، وأيضا جلابية السلفي أقصر كثيرا من جلابية أو بدلة الأخواني. والأخوان يستعملون السلفيين الآن كفزاعة للشعب المصري، لكي يقتنع بأن الأخوان أرحم كثيرا.
حزب الكنبة:
حزب الكنبة يمثل أكثر من %50 من الشعب المصري وهو دائم التفرج على الأحداث وسيمشي دائما وراء من يكسب، ولكني في النهاية أعتقد أن حزب الكنبة سيكون الخاسر الأكبر، ولذا اقول لحزب الكنبة بمقدورك أن تترك الكنبة ولن تخسر أي شئ سوى أغلالك وربما الكنبة!!
وكل ثورة وأنتم طيبون!!
وتابعونا على تويتر
@samybehiri
التعليقات