من أكثر المناظر التي تثير حنقي وغضبي ويبقي نفسي أنط في كرش من يرتكب هذا المنظر، هو منظر أب يقود سيارته ويضع إبنه أو إبنته على حجره ويجعله ممسكا بمقود السيارة وفرحان به جدا، وبدلا من أن يرتدي حزام الأمان ويضع ولده أو إبنته في كرسي آمن بالسيارة يستخدم بجهل وإهمال منقطع النظير ولده كدرع بينه وبين مقود السيارة في حالة وقوع حادث أصطدام، ومرة لم أطق نفسي ورأيت هذا المنظر وكنت أقود سيارتي عندما وقف بجانبي بإشارة المرورهذا الشخص الذي يضع إبنه على حجره:
فسألته: إنت عارف إيه ممكن يحصل لإبنك لو عملت حادثة؟
فقال بمنتهي الإهمال والتنطع واللامبالاه: مش حيصل حاجة!
فقلت له: ليه بقى إن شاء الله؟
فقال وهو يبتسم (وأضاف له هذه المرة مسحة دينية): عشان ربك بيستر!
فلم أتحمل وقلت له: ربنا في حالتك بالذات مش حيستر، لأن حضرتك كان واجب عليك أن تستر الأول،
وتركته وكان نفسي أخطف منه إبنه الذي لا يستحقه.

ومنذ عشر سنوات أذكر حالة محاكمة مشهورة في الولاية التي أعيش بها في أمريكا، وهي محاكمة مواطن أمريكي بتهمة الإهمال الذي تسبب في قتل أبنه، والحكاية أن هذا المواطن تصادم مع سيارة أخرى وأهمل بعدم وضع حزام الأمان حول طفله، ونتج عن الحادث وفاة إبنه فورا، فقدمته النيابة للمحاكمة بتهمة إهمال جسيم أدى إلي القتل، وأقر المحلفون أنه مذنب، وحكم القاضي عليه بحكم سجن مع إيقاف التنفيذ وذكر في حيثيات الحكم كمبرر لإيقاف التنفيذ أن المتهم رغم ثبوت التهمة عليه إلا أن عقاب القدر بفقد إبنه هو أقصى من أي عقاب آخر.
...
وفي مصر وفي عديد من بلاد العرب أوطاني فإن بوليصة التأمين ونظام مراقبة الجودة ونظام السلامة والأمن الأكبر الذي يحكم كل شئ هو quot;ربنا بيسترquot; وعندما لا يستر ربنا فتكون الإجابة: ربنا بيمتحنا والمؤمن مصاب! يعني لدينا إجابات وتبريرات ربانية ودينية لكل المصائب التي تقع فوق نافوخنا بشكل يومي،

وهذا الأسبوع أتحفنا السيد الكتاتني أحد قادة الأخوان والرئيس السابق لمجلس الشعب المصري تعليقا على الكوارث المتتالية في مصر بأننا quot;محسودينquot; ولم يبق إلا أن يطالب بعمل زار لمصر لفك الحسد أو تبخير مصر كلها من أدناها إلى أقصاها لأبعاد الحسد ووضع خمسة وخميسة على مدخل مطار القاهرة!! وبعدين محسودين على إيه يا حسرة: على الزبالة إللي مالية الشوارع أم على طوابير البنزين أم على طوابير العيش أم على الفنادق الخاوية على عروشها أم على الإنفجار السكاني أو الشباب العاطل والذي يفترش أرصفة مصر كلها وشوارع مصرأو على الفوضى الغير خلاقة أبدا والتي تعاني منها مصر منذ إندلاع ثورة 25 يناير؟؟

وأسوا تفسير إخواني متأسلم على الكوارث التي حدثت في مصر في الأسبوع الماضي هو أن هناك مؤامرة على مصر، وكأننا لم نشبع بعد من نظريات المؤامرة التي نعلق عليها كل مصائبنا وأخطائنا.
وأسوأ تفسير من جانب بعض الليبراليين وخاصة بعد حدوث الزلزال أمس هو أن الرئيس مرسي quot;وشه نحسquot; وهو يعادل بالضبط التفسير المتأسلم بأننا محسودين أو بأن هناك من يتآمر علينا؟؟

وتعالوا نناقش بعقلانية وموضوعية وتجرد بعض الحوادث التي حدثت في الأسبوع الماضي:

قطار الجنود المجندين والذين تم شحنهم مثل الخراف في قطار محمل بثلاثة أضعاف حمولته العادية، وبدون أي إجراء لفحص سلامته بل أن هناك إشاعات تقول أن سائق القطار رفض في البداية أن يقود القطار لعدم سلامته إلا أن رئيسه أعطاه الأمر بقيادة القطار على أساس أن quot;ربنا بيسترquot;!! ولم يستر ربنا كالعادة لأننا رفضنا أن نكون بني آدميين ونأخذ بالأسباب.

والحادث الآخر الذي تسبب في مقتل أسرة بالكامل عندما عبر سائق التاكسي بسيارته مزلقان القطار الذي لا يوجد عليه حاجز، ليس هذا فقط بل عبر وإشارة المزلقان حمراء على أساس أن ربنا بيستر!!
كم منا معشر المصريين يقطع الإشارة الحمراء بصفة يومية عادية حتى أن أحد الصحفيين الأمريكان صدم عندما حضر للقاهرة أول مرة وشاهد المصريين يقطعون إشارة المرور الحمراء بشكل عادي جدا وكأنها إشارة خضراء فقال إن إشارات المرور في مصر هي إختيارية (يعني بالمزاج)!!

وعمارة الإسكندرية التي وقعت على رؤوس ساكنيها؟؟ المجرمون الذين إشتركوا في هذه الجريمة كثيرون، إبتداء من صاحب العمارة الجشع الذي بنى عمارته بشكل مخالف للحد الأدني من الأصول الهندسية، ونهاية بمهندس البلدية المرتشي أو المهمل الذي غض البصر عن مخالفة البناء نظير بضعة جنيهات أصبحت ملوثة الآن بالدماء، ومرورا برئيس الحي الذي أعطي أمر إزالة هذا العقار ولم يقم بإخلائه من السكان، وحتى بالسكان أنفسهم المساكين الذين أجبرتهم ظروفهم على سكن مبنى معرض للسقوط.

فكما ترون فهناك منظومة كامة من شعب مهمل لا يحترم القوانين وجاءت ثورة 25 يناير فكشفته على حقيقته المتخلفة بعد إنهيار قبضة الشرطة من حوله، وكل مناسبة يخطب فيها السياسيون قائلين: quot;أيها الشعب المصري العظيم صاحب حضارة السبعة آلاف سنةquot; هذا العبارة أصبحت تصيبني بالغثيان وأي واحد حاأشوفه في التليفزيون بعد كده بيقول quot;الشعب المصري العظيمquot; سأخلع إللي في رجلي وأكسر التليفزيون!!

طالما نقول quot;أيها الشعب المصري العظيمquot; فلن يتغير هذا الشعب، ولماذا يتغير حقا ما دام عظيما؟؟ ولكنا يجب أن نبدأ بمخاطبة هذا الشعب بقولنا: إيها الشعب المصري المهمل أفق وبطل إهمال، أو ايها الشعب المصري الكسول إستيقظ وإبدأ في العمل، أو أيها الشعب المصري المرتشي: أرجع لضميرك ولا تقبل على أولادك أموال حرام، أو إيها الشعب المصري الحرامي لا تضع يدك في جيب جارك ولا تسرق من أموال الحكومة لأنها أموال كل الشعب، أو إيها الشعب المصري الغير نظيف قم بالتنظيف أمام مسكنك وقم بتنظيف شارعك، والقائمة تطول.

أما بالنسبة لحكومة الرئيس مرسي فلقد فلقنا الرئيس ببرنامج النهضة وبرنامج المائة يوم الفاشل ومصر على بقاء رئيس وزارة هزيل وضعيف وأعتقد أنه من أضعف رؤساء الوزارة في تاريخ مصر، ويستمر في تكرار أخطاء عبد الناصر و العسكر من بعده وذلك بالإستعانة بأهل الثقة وأهل السمع والطاعة بدلا من أهل الكفاءة والخبرة، وكل مؤهلات من يختارهم هو الذقن والزبيبة!!
ولايزال نظام الرئيس مرسي يلقي باللوم على نظام حسني مبارك وعلى الفلول وهي تعبير غبي وأنا أرى بأن الأخوان هم الفلول الذين لحقوا بالثورة في آخر لحظة وركبوها ودلدلوا رجليهم.

وحكومة الرئيس مرسي تبدو عاجزة تماما والمصائب لا تأتي إليها فرادى، ودائما تتصرف برد فعل متأخر، والشعب أيضا أصبح في منتهى الفوضى ولا يملأ عينه نظام أو قانون أو بوليس أو محاكم، وأصبح الرئيس مرسي الفوضوي مناسب جدا للشعب المصري الفوضوي :
وإن كان رب البيت بالدف ضارب*** فشيمة أهل البيت كلهم الرقص

وأنا من موقعي هذا لا أملك إلا أن أقول مثل كل مصري أصيل :quot;ربنا يسترquot;!!

[email protected]
وتابعونا على تويتر
@samybehiri