quot;الذين لا يقرأون التاريخ، محكوم عليهم أن يعيدوهquot; (جورج سانتيانا)

أتصور أن الحدث الأبرز الذي كان يجب أن تتوقف أمامه الولايات المتحدة كثيرا (وتراجع سياستها) خاصة تحالفها مع الإخوان المسلمين، هو quot;مقتلquot; السفير الأمريكي quot;كريس ستيفنquot; والتمثيل بجثته (بعد اغتصابه) في بنغازي بليبيا، لأن ما حدث في quot;إن أميناسquot; في الجزائر ثم في شمال quot;ماليquot; (وما سوف يحدث) في الساحل الأفريقي والصحراء الكبري هو نتيجة حتمية لسياسات أمريكا quot;الكارثيةquot; في الشرق الأوسط الكبير وأفريقيا، حتي ولو خاضت فرنسا quot;المأزومةquot; الحرب نيابة عنها (أو بالوكالة) عن الغرب عموما في القارة السمراء.

مقتل السفير الأمريكي هو أول انتصار يحققه الجهاديون علي quot;الاستخبارات الأمريكيةquot; في العقد الثاني من الألفية الثالثة، التي مكنت quot;الإخوان المسلمينquot; من الوصول إلي الحكم في دول ما يعرف بالربيع العربي، وهو مؤشر لا تخطئه عين علي فشل الصفقة (الأمريكية - الإخوانية) في ترويض الجهاديين (الذين يصعب ترويضهم) بعد أن أصبحوا قوة لا يستهان بها، وأخيرا هو quot;انقلاب حقيقيquot; من الجهاديين علي التنظيم الدولي للإخوان المسلمين (وفروعه المختلفة)، بعد أن كال لهم الطعنات من خلف الظهر، ولصالح أمريكا في quot;باكستانquot; وquot;العراقquot; وquot;غزةquot; وquot;ليبياquot; وquot;الجزائرquot;!

ربما لم يفهم الغرب بعد quot;سرquot; ردود الأفعال السريعة (المذعورة) فضلا عن الإجماع الإخواني ndash; السلفي علي إدانة التدخل الفرنسي في quot;ماليquot;، بينما كان هناك ndash; ولايزال ndash; إصرار (إسلامي عام) علي التدخل الغربي (الناتو) في سوريا ومن قبل في ليبيا. وعلي سبيل المثال فقد (حلل) الزعيم الروحي للإخوان المسلمين quot;يوسف القرضاويquot; التدخل الفرنسي في ليبيا ثم عاد أدراجه وquot;حرمquot; تدخل فرنسا في مالي !...
وهو تناقض صارخ ردده (حكام قطر) والرئيس الإخواني محمد مرسي ومنظّر التيار السلفي الجهادي في الأردن عبد شحادة الملقب بـquot;أبي محمد الطحاويquot; والإسلاميون في الكويت وسوريا، بل إن مطالبة الإسلاميين (علي تباينهم) الولايات المتحدة بإطلاق سراح quot;عمر عبدالرحمنquot; أو الشيخ الضرير كما يسمي في الغرب، هو نفس مطلب quot;أمير الملثمينquot; مختار بلمختار أو خالد أبو العباس (إبن لادن أفريقيا الجديد)، الذي لم ينس أن يشيد في معظم تصريحاته بكتابات quot;حسن البناquot; وquot;سيد قطبquot; وتأييده quot;للقدوة الصادقquot; أيمن الظواهري والملا عمر.

القصة التي تجمع معظم (هذه الأسماء) معروفه للجميع ولكن لا بأس من إعادتها، ففي أعقاب إستقلال الجزائر عام 1962 ذهب إليها عشرات المشايخ المصريين، كان أغلبهم من الإخوان المسلمين، مثل : quot;يوسف القرضاوىquot; و quot;سيد سابقquot; و quot;محمد الغزالىquot; و quot;عمر عبد الرحمنquot; و quot;صلاح أبو اسماعيلquot;، وبدأ ما سُمىَّ ndash; خطأ - بـ quot;عملية التعريبquot; والتى أثمرت في النهاية عن تأسيس جبهة الإنقاذ الإسلامية عام 1989، التي حققت نجاحاً كبيراً ndash; عبر تمثيلية الديمقراطية لمرة واحدة وأخيرة - في الدور الأول من الانتخابات العامة التي جرت في نهاية عام 1991، ولم تستكمل، لينقلب المشهد العبثي إلي مشهد دموي خسرت فيه الجزائر 150 ألف ضحية و10 سنوات من الخراب والدمار.
ونتيجة للضربات الموجعة التي وجهها الجيش الجزائري للجماعات الإسلامية في نهاية التسعينيات، انسحب بعضها بإتجاه شمال مالي وهناك بدأت تبني قواعدها الخلفية، وتتغلغل في النسيج الأزوادي عبر نسج علاقات اقتصادية واجتماعية، وكان من أبرز الأسماء quot;مختار بلمختارquot; الذي أسس حديثا كتيبة quot;الموقعون بالدمquot; وبرز أسمها مع العملية الإرهابية الأخيرة في (إن أميناس)، بعد عزله من زعامة quot;كتيبة الملثمينquot; من قبل تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي.

ومع سقوط نظام القذافي أصبحت ليبيا هي مركز الإمداد الرئيسي لـquot;تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلاميquot;، وهو ما حذر منه الجنرال quot;كارتر هامquot; قائد القيادة الأمريكية في أفريقيا، من أن قوسا جهاديا يجري تشكيله في أفريقيا يمتد من نيجيريا ويمر عبر مالي وليبيا ليصل إلى الصومال، وأن الدول التي أصبحت في خطر محدق هي : الجزائر وموريتانيا وتونس وبوركينا فاسو والنيجر.
اللافت في الأمر هو التعاون والتنسيق ndash; ولأول مرة - بين جماعتين مختلفتين تماما الاختلاف في الأهداف ولكنهما تستخدمان نفس الوسائل تقريبا، الأولي هي التنظيمات الإرهابية التي تهدف إلي تدمير أسس الدول القائمة : quot;القاعدة في المغرب العربيquot; و quot;أنصار الدينquot; و quot;حركة التوحيد والجهاد في غرب افريقياquot; وغيرها، والثانية هي الجماعات الإنفصالية (القبلية والعرقية) وهدفها تفتيت الدول الأفريقية وتقسيمها أيضا، وهو ما ينذر بحروب أهلية لا تنتهي في منطقة الساحل الأفريقي والصحراء الكبري (كنموذج غير مسبوق لتزاوج ظاهرتي quot;الأفغنةquot; وquot;الصوملةquot;)، وهنا فقط يمكننا أن نفهم طبيعة العلاقات بين قبائل quot;الطوارقquot; (موريتانيا والنيجر وبوركينا فاسو ومالي وجنوب ليبيا والجزائر) وتنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات الأخري.

الأخطر من ذلك أن عملية التفكيك الكبري التي يختلط فيها quot;ما هو عرقيquot; وquot;ما هو دينيquot;، استمدت زخمها وقوتها من صعود الإخوان المسلمين ndash; برعاية أمريكا - في تونس ومصر وليبيا، حيث نشطت المجموعات الجهادية القريبة من تنظيم القاعدة في الساحل الأفريقي، ناهيك عن أن القوة المسلحة لهذه التنظيمات والمجموعات (تفوق) قوة الجيوش النظامية لهذه الدول الأفريقية مجتمعة، ما يشير إلي أن هذه الجيوش لن تتغلب أبدا على الاسلاميين المسلحين بالمدافع الثقيلة و الصواريخ والأسلحة الخفيفة ومنظومات الدفاع الجوي المحمولة على الكتف التي تم جلبها من ليبيا، دون تدخل خارجي (من quot;الناتوquot; وربما الولايات المتحدة، إن عاجلا أم آجلا).
[email protected]