أسدل الستار عن تشكيل الحكومة المغربية التي طال انتظارها؛ أكثر من ثلاثة أشهر؛ والجميع يتساءل عن دواعي التأخير والتماطل، بعد الانسحاب المفاجئ لأحد أهم مكونات الائتلاف الحكومي حزب الاستقلال(يمني محافظ) وقد نصبت رسميا من قبل الملك (الخميس،09 أكتوبر تشرين الاول2013
اللافت للانتباه أن عدد الوزراء قد بلغ 39 وزيرا يتشكل من أربعة أحزاب (حزب العدالة والتنمية (حزب إسلامي) وحزب الاحرار وحزب الحركة الشعبية (حزبان يمينيان) وحزب التقدم والاشتراكية (حزب يساري) وهي المشكلة للائتلاف الحكومي الجديد مع وجود وزراء غير منتمين حزبيا؛ أو ما يعرف بالتكنوقراط. هذه الحكومة يقودها عبد الاله بنكيران رئيس الحكومة المعين من لدن الملك باعتبار حزبه الحائز على اكبر عدد من المقاعد 107 في المؤسسة التشريعية (الغرفة الأولى). وقد خاض حملة انتخابية تحت شعار ّ محاربة الفساد والاستبدادquot; وشن حملة شرسة حول بعض رموز الفساد من أبرزهم، (وزير الخارجية الجديد صلاح الدين مزوار)، على خلفية علاوات( بريمات) تسلمها لما كان يتقلد وزارة المالية.
الملاحظ في تشكيلة هذه الحكومة في نسختها الثانية ما يلي:
زيادة حصة النساء في هذه الحكومة من وزيرة واحدة إلى ست وزيرات، استجابة لمبدأ المناصفة المسطر في الدستور الجديد، وقد كان لغياب وزيرات عن الحكومة السابقة محط انتقاد من قبل المعارضة، الشيء الذي تم استدراكه في الحكومة المعدلة.
إزالة كلمة الحريات عن الوزارة التي يتقلدها الوزير الاسلامي(مصطفى الرميد) حيث كانت تسمى قبل التعديل وزارة العدل والحريات، كما أضيفت إلى وزارة الصناعة عبارة quot; الاقتصاد الرقميquot; و تكررت كلمة الشؤون quot;الاجتماعيةquot; في أكثر من وزارة، كما انشطرت مجموعة من الوزارات إلى شطرين لأسباب بعضها مفهوما وبعضها الآخر غير مفهوم، وقد سبب ذلك تضخما في عدد وزراءها (من 31 في الحكومة السابقة إلى 39) في ظل أزمة اقتصادية خانقة تعيشها البلاد، وعادت بعض الوجوه الحزبية التقليدية، مما يشي بأن عملية الاستوزار تحكمت فيها سياسة جبر الخواطر والترضيات الشخصية، وقد انقسم الشارع المغربي بين مستاء من تشكيلة الحكومة وما بين مثمن لتركيبتها، لكن النقد اللاذع والشرس هو الذي عبر عنه رواد المواقع الاجتماعية خصوصا موقع التواصل الاجتماعي( الفيس بوك) بأسلوب السخرية، كما شهدت قواعد الحزب الاغلبي (حزب العدالة والتنمية الاسلامي) تذمرا من سير المفاوضات التي باشرها زعيمهم؛ حيث تفاجأوا باستوزار شخصيات لم تكن مطروحة للنقاش والتداول، ثم تفاجأوا بوجود وزراء تكنوقراط الذي يمس جوهر الديمقراطية، وكذا عودة قوية لما يسمى بوزارات السيادة التي كانت محط انتقادات قبل دستور 2011 ، وقد تلقت هذه القواعد صدمة قوية حين وجدت وزير الخارجية الدكتور سعد الدين العثماني (الاسلامي المعتدل والمتنور) خارج تشكيلة الحكومة المعدلة، وقد رأى البعض أن العدالة والتنمية رجع بخفي حنين؛ أي كان الخاسر الأكبر، بحيث قدم تنازلات فُهم منها أنها رغبة للاستمرار في السلطة أكثر منها سعي للإصلاح، في حين عبر البعض الآخر بنجاح سير المفاوضات، وقد أفلح الحزب في كسر وإفشال مخطط أعداء الديمقراطية، التي تريد إجهاض تجربة الاسلاميين في الحكم، وينتظر أن تلتئم أجهزة الحزب الأغلبي الذي يتعرض هذه الأيام لانتقادات حادة، من المعارضة بكافة تلاوينها، كما ينتظر أن يشهد البيت الداخلي للحزب رجات واهتزازات بسبب تدبير سير المفاوضات مع حزب التجمع الوطني للأحرار (يمين الوسط)، ستسفر عن بروز ثلاثة خطوط: الأول يمثله زعيم الحزب (بنكيران)، والثاني يمثله سعد الدين العثماني رجل التوافقات (وسياسة شد العصا من الوسط) أما الخط الثالث فيمثله ما يعرف بصقور الحزب (القيادي أفتاتي وحامي الدين والقيادية أمينة ماء العينين...). ويبدو أن التحدي المطروح على الحزب quot;الاسلاميquot; الذي يخوض أول تجربة في السلطة، هو الخروج بإنجازات تحسب له بعد نهاية الولاية التشريعية، لأن رهانه على الاستمرارية والاستقرار فقط دون حصول تقدم في عملية الدمقرطة والاصلاح، والتنزيل الديمقراطي للدستور، سيؤدي بالحزب الى افتقاد شعبيته من ناحية، وكذا افتقاد شعاراته للمصداقية. ومن ثم ، فالمرحلة الثانية من العمل الحكومي بالنسبة للحزب الأغلبي مع هذا الحليف الجديد، تعد مسألة موت أو حياة، فإما السير في مباشرة الاصلاحات الى مداها البعيد، دون الاختباء وراء أوهام ومبررات (من قبيل التماسيح والعفاريت..) التي لم تعد مقنعة لدى المواطن، وإما العودة إلى الشعب بالذهاب الى انتخابات سابقة لأوانها؛ مهما كانت الظروف والسياقات السياسية. أما التحدي الآخر هو عمل الحزب في ظل هندسة جديدة للحكومة أكثر تعقيدا من سابقتها، وسط جمهرة من الوزراء التكنوقراط، وتشابك اختصاصات مجموعة من الوزارات، مما سيؤثر في البرنامج الحكومي المزمع عرضه في الغرفتين، ويجعله أكثر التباسا بين القطيعة مع بعض الانجازات السابقة والاستمرار فيها، ثم الهندسة الجديدة للحكومة ستعقد مسألة المحاسبة التي تعد جوهر العمل الديمقراطي، فالحزب الأغلبي quot;الاسلاميquot; الذي يقود هذه الحكومة أمامه طريق واحد هو الحفاظ على المكتسبات وتسريع وتيرة الاصلاح، وإلا فإن مصيره ونهايته لن يكون أبعد مما عرفته أحزاب سياسية إسلامية في بلدان شهدت حراكا ثوريا.