حلقة تلفيزيونية استضافت فيها مذيعة تفتقر لأبجديات الإعلام، شاباً يعجز عن شرح قناعاته،ناهيك عن الضيف الذي فشل في إدارة الحوار مع الشاب؛ أقامت الدنيا ولم تقعدها !وكأنها شرارة اندلعت على صفحات التواصل الاجتماعي وفي مصر كلها.

الكل يحمل سيف الإسلام ويذود عنه.. والبعض يحاول مسرعاً درء تهمة الإلحاد عن نفسه برجم هذا الشاب معنوياً! الأمر الذي يستدعي استبطان مفهوم العلاقة التي تربط الفرد بالجماعة،وانعكاسها على وجوده وحياته وصيرورته الإنسانية، ثم أخيراً قدرة الفرد على إعلان حقيقته بجرأة على الملأ.

هو شاب قرر بدلاً من نقد الواقع وتحميله مسؤولية كل مايحدث له ولأبناء جيله من قهر وإحباط ومصادرة وضياع حلمهم في شغر وظيفة تتوافق مع امكاناتهم وأحلامهم؛ قرر أن يهرب إلى عالمه الخاص..ربما هو سعيد بهذا وربما هو يائس..فقصته تحيلنا على شخصية إابراهيم أدهم والذي كتب رسالته عام 1937 ( لماذا أنا ملحد) وقد كان الرد عليه بمنتهى البساطة رسالة مماثلة من محمد فريد وجدي (لماذا هو ملحد) وقد مات إبراهيم أدهم منتحراً ولم يصدر ضده حكم بالإعدام أو الرجم.

الدين! هو علامة افتراق بين مصائر مقدرة علينا،وأخرى نحاول أن نكتبها نحن،أو نختارها بمعزل عن أي اكراه أو استلاب،وهنا يكون الصدام بثقافة مجتمعية عتية وضعت لنفسها سلفاً دورها في ترهيب الآخر أيا كان اختلافه معها.

أما الخطاب الإعلامي الذي يحاول حالياً استخدام الخطاب الشعبوي ضد من يخرج عن القطيع فلعبته مكشوفة، لقد نصبوا الشرك للشعب الذي اندفع داخله ملبياً نداء لا يمكن تجاهله quot; الزود عن الإسلامquot; ليلتهي به عن حالة القصور الواضحة الجلية في الوفاء بمطالب الجماهير التي خرجت في ثورتين على التوالي..والمحاولات المستميتة اليوم لتمرير المادة 219 تستدعي من الإعلام جمع الشعب حول قضية يظنونها منفصلة عن العملية السياسية - والتي تدار الآن على قدم وساق ndash; حتى تتم الموائمات.

من ينظر الآن إلى تشكيلة الشعب المصري سيجد حالة غير مسبوقة تاريخياً.. سيرى أن عددا لا يستهان به من الشعب صار في انتظار الوعد الإخواني بالعودة والتمكين والانتقام..الخ، عوضاً عن حاملي راية quot; الوسطية الإسلاميةquot; إضافة إلى أقباط مصر..وهناك أيضاً فئة لايستهان بها من العلمانيين ولن نسرد لتجد نفسك أمام خلطة عجيبة من الجهادية على الوسطية على تعصب على إسلام سياسي على مسيحية.لكن أغرب مافي هؤلاء جميعهم أنهم تجمعهم صفارة إنذار واحدة فيهجمون على الفريسة تقطيعاً ونهشاً..وكأن فريستهم نادت بعلو صوتها هيا بنا نلحد؟ لقد نسى الجميع في غمرة الزار الديني حكم الخالق نفسه وتخييره للفرد إن شاء آمن وإن شاء كفر..وجميعم يعرف قصة إبراهيم الخليل حينما طرد زائره الليلي الذي جاهر بكفره..وعاتبه ربه أن اذهب وارجع به لقد اطعمته ثمانين حولاً وهويكفر بي..ألا اطعمته مرة واحدة؟فهرول إبراهيم في اثر الرجل حتى وجده..فقال الرجل لإبراهيم: أما عن السماح فقد سامحتك..وأما العودة فالطريق وعرة وأنا رجل مسن لا أستطيع..فما كان من إبراهيم ndash; إطاعة لربه ndash; أن حمله حتى باب بيته.. وتعرفون كلكم النتيجة..لقد آمن الرجل برب إبراهيم.

أفيقوا يرحمكم الله،إن مصر على أعتاب مستقبلها لاتضيعوا أحلام الشباب..لاتهدروا دماء الشهداء..لاتذهبوا بأرجلكم للشرك المنصوب لكم..معركتنا الآن هي الدستور.. أو على الأقل السماح لنا بالمساهمة في وضعه أو إعادة صياغته بصورة أفضل، لأن مواجهة الفكر ( الشارد ) لا تكون بالمحاجات اللفظية والصيغ الفكرية المفرغة،إنها تقتضي وضع خططا جيدة، بها، يطمئن الشباب على مستقبله وتمده بطاقة إنسانية وحينما يأمن الفرد من المستحيل أن يضيع منه الطريق.