الفرق بين واقعنا كاقليات دينية او قومية او طائفية في هذه المنطقة في زمن الدكتاتوريات وزمن ما بعد التحرر والثورات والربيع، هو اننا في زمن الدكتاتوريات كنا نلعق جراحنا ونصمت على الامنا ونداري دموعنا لكي لا يلاحظها احد، ويشك فينا ويعتبرنا معارضة محتملة. اليوم بتنا نتمكن من ان نتكلم عن وجعنا والامنا ونصرخ ليس لانه مسموح به لنا، بل لان الالم والوجع تخطى كل حدودهما وما عاد بمقدور احد الصمت.

ينقل الاستاذ خضر دوملي عن الاجتماع الثالث لتحالف الاقليات والمنعقد في دهوك ((الفقر والارهاب، اعمال العنف والهجرة، التهميش والتميز في التعامل ومنح الوظائف، القتل على الهوية، الفشل الحكومي في التعاطي مع حقوقهم، والتفكير بأن ما يفعلونه من اجل هذا البلد لايقابله الا الاهمال، هذه هي مخاوف الاقليات، ورغم ذلك متمسكون بوطنهم، و يصرون على اصلاح القوانين والتشريعات حتى تتلائم وتطلعات مستقبل افضل لجميع ابناءه.))

اذا كان هناك فرد مسيحي قد اخطاء في نظر القانون، فان المسيحيين كلهم، قد عقبوا نتيجة هذا الخطاء. فاذا كان منير روفا قد هرب بطائرته الميك 21 الى اسرائيل، فان المسيحي صار ممنوعا عليه ان يكون طيارا. هذا المثال سقته لكي يدرك البعض ان ابناء شعبنا ومعهم كل المسيحيين الاخرين نالوا جزاءهم جراء ما اقترفه شخص واحد ولا يزالون اي انهم عقبوا جماعيا لجريمة فردية هذا اذا اعتبرنا الامر جريمة. واذا كان هناك يهودي متعاطف مع الافكار الصهيونية، فان اليهود كلهم قد اجرموا جراء ذلك، وتم سلخهم من وطنهم وهويته ورميهم خارجه ليس لشئ، الا لكونهم يهود وهذا كان حال الاشوريين المضطرين للهرب من مذبحة سميل، ولا اعتقد ان حال الازيدية والمندائية بافضل منا.

لو قلت لاي عربي او مسلم ان هؤلاء الارهابيين هم مسلمين لقال لك اللازمة المعروفة انهم لا يمثلون الاسلام، وقد يكون في قوله صحة، ولكن الخطاب الطاغي هو خطابهم فما العمل، هل على العالم ان يرمي المسلمين خارج المنظومة الانسانية او خارج الكرة الارضية؟ نحن وكل العالم باعتقادي لا يريد ولا يمكنه ضميريا ان يحاكم كل المسلمين بجريرة ما قامت به مجموعات اسلامية متطرفة. ولكن هل المسلمون والعرب منهم يتعاملون بنفس الطريقة مع الاخرين؟ واذا قيل لك ان الارهاب يطال المسلمين ايضا، فالمسألة هنا لا تهم الضحايا الغير المسلمين، لان واجب القضاء على الارهاب واقع على عاتق المسلم، الذي يرضى بالتفسير المتزمت والقابل للتاؤيل والتهوين من الاعمال الارهابية ومنحها صفة الجهاد المقدس.

ابان المناقشات التي جرت اثر طرح مشروع الحكم الذاتي، تبارى الكثيرين مبرزين عراقيتهم وخوفهم على العراق الموحد، في ذات الوقت الذي كانوا يتوددون لاقليم كوردستان وقيادته والاحزاب الحاكمة فيه. لقد حسب البعض الحساب الخاطئ (اذا كنا حسني الضن بهم) وهو انهم في تقديم شعبهم وحقوقه هدية للاخرين للحفاظ او بدعوة الحفاظ على وحدة العراق، فان العراقيين ومنهم الارهابيين سيدعونهم يعيشون براحة بال ولن يضطهدوهم او قد يقدمونهم كنماذج للعراقي الاصيل، فما حصل لا هذا ولا ذاك. وعندما تقدم اصحاب الاردية المشهد طارحين رغبتهم بقاء شعبهم بدون اي حقوق الا ما تكرم به قريحة حاكم بغداد، لم يعر احد الامر اهتماما باعتبار ان اصحاب الاردية السوداء او القرمزية او احيانا البيضاء اساتذة في تقديم التنازلات تلو التنازلات للحكام على حساب ابناء الشعب.

هل لبسنا دور الضحية بحيث لا يمكن الفراق منه؟ باعتقادي انه كان لازما ومنذ زمن طويل الخروج من التاريخ ومعاناتنا فيه، الخروج من بوتقة اهل الذمة، وانتم ضيوف، واننا سنعمل على حمايتكم، كان علينا الخروج منها والتقدم للعمل من اجل مطالبنا التي تجعلنا حماة انفسنا. مستندين لقوانين تدعمنا وتدعم كل من يقال له الاقليات في الحفاظ على الذات. يجب ان يدرك الجميع ان مقتل واحد منا ليس كمقتل واحد من العرب او الكورد، ممن يمتلكون بدائل، لقد قتل منا المئات الالاف في الازمنة القريبة لحد تحولنا الى طلب الحماية من الانقراض، والا قولوا بربكم هل ان مقتل بقرة يماثل مقتل دب من دببة الباندا في حسابات كل العالم، والمعذرة من التشبيه ولكنه للتقريب.

منذ سنوات ونحن نصرخ وبح صوتنا من الصراخ يا ناس يا عالم نحن نتعرض للانقراض ولا مفر لنا الا ان نؤسس لذاتنا في وطننا، ولم يسمع احد الا من كان مثلنا ضعيف القدرات ولم يتمكن من ان يخدع الناس بالشعارات.

لقد ارعبوا شعبنا ان الارهاب يستهدفنا لاننا نطالب بحقوقنا، انهم من لا يزالوان يعيشون في دولة الخلافة، ويعتقدون ان الناس اثنان مؤمن وكافر، ونحن اهل الذمة من الفئة الثانية غالبا ومعطوف علينا حينما نحتاج لتقديم الزكاة. لقد كان الارهاب في صلب الفكر وصلب الشعارات والممارسات على الدوام، وزاده الاعلا م وحشية وتاثيرا، ولكن سبايا ومغتصبات وقتلى السنوات الطوال لم يسمع عنهم احد، لانه لم تكن هناك كامرة تصور كل حدث، لم يكن هناك هذا الجوع الاعلامي، لكي يضطر لابراز معاناتنا، وسكوتنا وتقبلنا وقولنا نحن في حماهم، وحتى بعد ان اصطنعت الاوطان الجديدة بقى الفكر ضمن اطار نحن في حماهم ولم يتطور مع مفهوم الوطن الجديد ومفهومه في اطار المجتمع الدولي.

وينقل الخبر عن الاستاذ ميخائيل (( يقول ميخائيل بنيامين عضو التحالف عن مركز نينوى للبحث والتطوير بأنه: لاتزال للتشريعات اثر كبير على واقع الاقليات وشعورهم بأن هناك تهميش بحقهم، وابرز الامثلة على ذلك هو موضوع اسلمة القاصرين فهذه تحتاج الى وقفة تشريعية جادة.ويضيف ميخائيل quot;موضوع التشريعات موضوع مهم وهي واحدة من الامور المهمة التي تساعد على ضمانة حقوق الاقليات وفق التشريعات الدولية التي تخصهم والتي تشمل حماية ثقافتهم ولغتهم ووجودهم، لذلك في الكثير من الاحيان عندما تكون هذه الاجراءات ضعيفة تكون سببا للهجرة والاهمالquot;.))
ولكن السؤال من سيقوم بتغيير التشريعات اذا كان ممثلي الاسلمة السياسية والايديولوجية والذين ينظرون للاخر من خلال منظار المؤمن والكافر، والذين يعتقدون ان تعاون الدول الكبرى معهم هو ان الله سخرهم لخدمة اجندتهم من حيث لا يدرون، هل سيقبلون بتغيير التشريعات مالم يدرك حقا ان مصالحه ستتضرر ان لم يرعى مصالح الاخرين؟

لقد اثبت المنتمين لليتارات الاسلامية انهم الاكثر براغماتية من كل التيارات الساسية، لقدرتهم على تأويل مئات الالاف من الاحاديث النبوية الصحيحة او الغير الصحيحة لمصالحهم الذاتية، ولرغبتهم الشديدة في التشبث بالسلطة والمال والجاه، ولذا فانها وبحكم هذه التوجهات التي تحكمها من غير ان تعلن عنها، فانها مستعدة لتقديم التنازلات وتقديم المخارج اللازمة من الايات والاحاديث وتجارب السلف. وعليه فبدلا المهادنة والمسكنة التي اظهرها بعض سياسينا ورجال ديننا المسيحي بالاخص، كان من المفروض زيادة الضغط ونشر القضية على اوسع نطاق ممكن لكسب الحلفاء ودفع الامم المتحدة لاظهار موقفها تجاه معاناة الاقليات.

انه من الثابت ان التجارة بالعراق الموحد والوحدة الوطنية لا تقي المعوز كما لم تقيه تجارة فلسطين والوحدة العربية، والمعوز هو نحن الذي وصلنا الى شفير الانقراض التام، ولذا بات علينا ان نعلن ان وحدة العراق والعراقيين لن تمر على جثتنا، وحقنا يجب ان يصان كما نريده وبلا نقصان، واقران القول بالفعل من خلال وحدة قوية بين الاقليات، تلغي التدخل المذهبي والذي حاول سحب بعض الاطراف بحجة الانتماء المذهبي المشترك لتقوم بالاستيلاء على ممتلكات اقليات اخرى. بات واضحا ان ارتماء بعض الشبك في الحضن الشيعي واستغلال ذلك للاستيلاء على ممتلكات الكلدان السريان الاشوريين، لن يقي الشبك من مصير الاقتتال السني الشيعي الذي سيقسمهم الى طرفين متناحرين في اسواء الاحوال او تعرض طرف منهم لانتقام الارهاب بحجة مساندتهم للطرف المناوئ في احسن الاحوال.

ان المشاركة الفعالة في المطالبة بالحكم الذاتي الخاص بالاقليات وخصوصا الكلدان السريان الاشوريين والازيدية والشبك في المنطقة المشتركة، لن يكون فقط صمام امان لهم بل سيكون صمام امان لاقليات يمكن ان تحتمي بهذه المنطقة. امام المستقبل القاتم الذي ينتظر الاقليات العراقية، عليهم ان يضعوا الجميع امام الحقيقة المرة وهي ان كل الخيارات مفتوحة امامهم، فلا معنى لوطن دون وجودهم معززين مكرمين كمواطنيين يتمتعوا بكامل حقوق المواطن، ومنها حق الاحتكام لتشريعات نابعة من عاداتهم وتقالديهم وتطلعاتهم. ان غلبة المكون الكلداني السرياني الاشوري والازيدي على المنطقة سيضمن تطبيق شرائع علمانية وحريات واسعة مما يسمح للشبك بالعيش في حرية والاحتفاظ بكامل حقوقهم ومشاركتهم الكاملة في الادارة.

انه اخر الحلول لمشكلة الاقليات العراقية او غالبيتها، وهذا بالطبع لا يتنافي مع النضال المستمر لكي تتحكم القوانين المدنية والمواطنة مسار الحياة اليومية للعراق لان الامر سيضمن حقوق الجميع وليس كما يقال ان الاكثرية هي لهذا المكون، وعليه فان الدولة ستسير بحسب هذه الاكثرية، الام الامر في العراق، هو استيلاء مجموعة من السياسين لقرار الاكثرية المذهبية دون ان يكون لهذه الاكثرية قرارها المستقل والحقيقي.

[email protected]