قد تكون تصريحات رئيس الحكومة الروسية، ديمتري مدفيديف التي صدرت مؤخرا، عن أنَّ أيام الأسد معدودة، وأنَّ حظوظه في البقاء في السلطة تتقلص، إشارةً روسيةً إلى أن الدعم الروسي المقدَّم للأسد، أو نظامه، لن يستمر إلى الأبد، وذلك الموقف الروسي العلني المتقدم على المواقف السابقة يأتي- كما تبدأ يتضح، لاحقا- ضمن سياق دولي، أمريكي، روسي، تحديدا، وبدعم أوروبي، وبالضغط على الطرفين المتصارعين؛ للتوصل إلى حل للازمة السورية المشتعلة، منذ ما يقارب العامين، وأدت إلى نتائج مدمرة، إنسانية، ومادية، بقتل ما يزيد عن ستين ألفا، وتهجير مئات الألاف، إلى دول الجوار، فضلا عن ألوف من المهجرين داخل سورية.
كل هذا الدمار لِحَيَوات الناس، وبيوتهم وممتلكاتهم، يترك آثارا نفسية عميقة من الإنهاك والإحباط في نفوس السوريين، وعلى صعيد العلاقات المجتمعية، ولنا أن نستذكر، مثلا، أحوال اللاجئين في مخيم الزعتري، والتداعيات المؤلمة التي تَرِد على البال، بمجرد ذكره؛ فكيف بمن يعيش تلك المعاناة، وانعكاساتها على العمق السوري؟! في هذا السياق تأتي تصريحات رئيس الائتلاف الوطني المعارض، معاذ الخطيب، بأنه سيكون مستعداً للتفاهم مع ممثلي نظام الأسد بشرط الإفراج عن160 ألف سجين، وإصدار جوازات سفر لعشرات الآلاف من اللاجئين الذين فروا إلى الدول المجاورة، لكن ليس لديهم وثائق.
قد تكون مبادرة الخطيب للحوار المشروط مع النظام تواجه عقبات عديدة، داخل ائتلاف المعارضة، والأهم، في داخل الأرض السورية حيث القتال والتضحيات الميدانية.. وقد تترك أثرين متعاكسين: أثر يراها مخيبةً لآمال الثائرين، وهدرا لتضحياتهم... وأثر يراها منقذةً للبلد والشعب، أو محاولة للتخفيف من وحشية الجرائم وعميق آلام الآثار المادية والنفسية.
الدعم الدولي والإقليمي:
واشنطن هي التي ترعى مبادرة الخطيب للحوار، وموسكو رحبت بها، وكذا طهران، ولكن أنقرة وقطر تتحفظان، قد يكون هذا التحفظ؛ حفظا لخط الرجعة، في حال لم ينجح الخطيب في تمريرها، في الائتلاف، أو في حال جوبهت بمعارضة داخلية قوية إلى درجة يصعب تجاهلها... وهذه المبادرة تنبني على ما جاء في مؤتمر جنيف الذي شدد على laquo;الحل بطريقة سياسية، وعبر الحوار والمفاوضات فقط، وتشكيل حكومة انتقالية، من قبل السوريين أنفسهم، متطرقاً إلى احتمال إجراء تعديل لدستور البلاد، ومتوقعاً أن حل الأزمة قد يحتاج إلى سنة كاملة.
وهذه المبادرة لا تبتعد عما جاء في مؤتمر جنيف، ففي آخر أقوال أدلى بها الخطيب لقناة الجزيرة ذكر أنَّ تشكيل حكومة انتقالية ذات صلاحيات كاملة، من بين الخيارات التي يدور حولها النقاش بعد اجتماع ميونيخ..
وأما التحفظ التركي، فقد يكون من قدرة المعارضة على الترشح، أو تشكيكها بنزاهة نتائج الانتخابات، إذ تساءل وزير الخارجية التركي: laquo;لو حصلت انتخابات غداً في ظل رئاسة الأسد، من يمكنه أن يضمن أن قادة المعارضة سيتمكنون من الترشح؟raquo;.
بالطبع، وراء هذه المبادرة عوامل وأوضاع ميدانية، مِنْ أهمها الدعم الذي يحظى به النظام دوليا، وأهم الأطراف، روسيا التي لاتزال على موقفها الذي تعلن أنه مبدئي، برفض تقرير الشأن السوري من الخارج.. والدعم الإيراني الذي يرتبط بالنظام السوري بحلف استراتيجي، أكد مسؤولون إيرانيون، بموجبه، أن أي اعتداء خارجي على النظام ستعتبره طهران اعتداء عليها... وفي الجهة المقابلة، لا دعمَ فاعلا للجماعات التي تقاتل النظام، بل ثمة تخوُّفٌ من تطرفها، بلغ في الدولة الأهم، عالميا، وإقليما، أمريكا، إعلانها quot;جبهة النصرةquot; جماعة إرهابية. وهذا الوضع الذي يزيد من قوة الجماعات الجهادية؛ بسبب اتجاه الصراع إلى الأبعاد الدينية، والطائفية، وبسبب الاعتماد الذاتي على السلاح والمال، من شأنه أن يضعف سائر الجماعات من مقاتلي الجيش الحر، ولا سيما مع تميز جبهة النصرة بالتنظيم والتماسك، في مقابل ظهور علامات تدل على ارتخاء الانضباط في الجيش الحر.
وقد لا يجد المقاتلون الميدانيون دافعا للتعاطي مع هذه المبادرات القائمة على الحلول الوسط، ما داموا قادرين على تحقيق تقدم مستمر على الأرض، ولذا من المتوقع العمل على إضعاف الرافضين لها، في حال سلكت الجهود الدولية والإقليمية طريقها. وقد يكون التعويل على هذه المبادرة مبنيا على توقعات بالنجاح في حصر الرفض لها في صفوف الفئات العقدية الجهادية، مع اكتساب هذه الحلول السياسية زخما داخليا وشعبيا يسمح بمتابعتها، ولا سيما مع وجود الدعم الدولي والإقليمي لها. وقد يكون الخطيب لَمَس رفضا دوليا أمريكيا لانهيار الدولة؛ بما يسمح بصعود القوى الأكثر فاعلية في الوقت الحاضر، من الجماعات الجهادية، وهو المعروف بانه حائط صد أمام الجماعات السلفية. وحتى لو لم يُكتب لهذه المبادرة النجاح في هذه الآونة، وبما تضمنته من تفاصيل، فإنها تكشف عن مسار الحلول، وفكرتها من حيث كونُها مبنيةً على توافقات دولية وإقليمية، وما دام أن الائتلاف الوطني المعارض يوافق على مبدأ الحوار.
ولكن في ظل الاستراتيجية الأمريكية التي يعتمدها أوباما الذي استبعد الحروب في خطاب تنصيبه، وركز على الحوار، وإدارته، وعلى رأسها وزير الخارجية جون كيري المعروف باعتماده على الحوار والتفاوض فإنَّ الأرجح أن هذه المبادرة ستكون الاتجاه العملي لتعامل الدولي الأمريكي، مع هذه الأزمة التي تشغل منطقة بالغة الحساسية، في وقت لا تفضل فيه واشنطن حلولا جذرية، تعيد من خلالها صياغة المنطقة على أسس جديدة. وإذا كان النموذج اليمني قد كان توافقيا، أو حلا وسطا فإن الدواعي الدولية إلى حل سوري بأقل التكاليف سيكون أدعى. ولا يُتوقع أن يُكتب لهذه الحلول حظ من النجاح، إذا بقيت هيكلية الدولة، ونفوذ أجهزتها الأمنية المتحكمة، فوق الحكومة، ومؤسسات الدولة المدنية، والموالون فيها للأسد على نفس الدرجة من النفوذ؛ فلا بد من قدر من التوازن في أقل الطموحات.
وأما عقبة الرئيس السوري بشار، وتنحِّيه، فقد يُصار إلى تجاوزها، بأنْ يُتاح له استكمالُ فترته الرئاسية التي تنتهي في 2014م، وهي الفترة التي قد تستغرقها تقريبا الإعدادات للانتخابات وللحكومة الانتقالية. ولا سيما أن واشنطن كانت وافقت المبعوث الأممي العربي، الأخضر الإبراهيمي على تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات تتولى السلطة، أثناء المرحلة الانتقالية التي تنتهي بانتخابات، لكن واشنطن اعترضت على أن يكون للأسد دور في أثناء هذه المرحلة الانتقالية، فقد يجري تقليص صلاحياته، كنوع من حفظ ماء الوجه، وإرضاء للأطراف المتعارضة، داخليا، ودوليا.
[email protected].
التعليقات