كان اعتقال عدد من عناصر حماية وزير المالية، رافع العيساوي، وفق المادة 4 quot;إرهابquot; بمثابة القشة التي قصمت ظهرَ الاستقرار السطحي في أوساط سنة العراق؛ فاندلعت احتجاجاتٌ استمرت لأسابيع، ولا تزال. وفي الجمعة الأخيرة قتل سبعة أشخاص من المحتجين في تظاهرات الفلوجة. وقد يفيد التذكير ببضعة أمور تتعلق بالأزمة السياسية في العراق الذي تشتبك فيه المطالب المعيشية بالمحاصصة الطائفية، أو تطغى فيه الطائفيةُ السياسية على المظالم العامة، وتصادرها. وهي:
أولا: المظالم عامة تعمُّ الجنوب والشمال، والشرق والغرب، إذ لا ينعم العراقيون بمستوى معيشيٍّ وخدماتي يتناسب مع موارد العراق.
ثانيا: قد تكون مظالمُ المالكي زادت، وإقصائيتُه تفاقمتْ، أو أنَّ إحساس المتظاهرين، بها- وغالبيتُهم من السنة في محافظات الأنبار، ونينوى، وصلاح الدين وديالى، وكركوك- هو الذي قد زاد، متأثرين بالثورات العربية، ولا سيما في الجوار السوري الشديد التشابك مع العراق...
ثالثا: رئيس الوزراء نور المالكي يجنح إلى شيء من المرونة، ويحاول امتصاص الغضب والاحتقان؛ لمنع تأجيج حربٍ طائفية، من خلال الإفراج عن معتقلين، وتعيين شخصية شيعية رفيعة للتفاوض بشأن مطالب السنة، وبقرار القضاء إيقاف أوامر القبض المبنية على إفادات المخبر السري. وبالإعلان عن أنَّ اللجنة المكلفة في النظر في مقتل المتظاهرين في الفلوجة تتجه إلى التحقيق مع مدير rlm;الاستخبارات العسكرية في وزارة الدفاع الفريق حاتم جبر خلف؛ بسبب تسخيره rlm;مجموعة من عناصر الجيش للاحتكاك بالمتظاهرين في الفلوجة، وتسببه في تأجيج فتنة طائفية.
إلى الانفجار أم الاحتواء؟
من الناحية النظرية ثمة ما يدعو إلى عدم الدفع بالأزمة إلى الانفجار
1- فالموقف الدولي يتوجه نحو التهدئة، فقد قال مارتن كوبلر، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في بغداد:quot; المرجعية الدينية تشاركنا الرؤية بعدم التوجه نحو العنف وحل الخلافات، عبر الحوار والوسائل السلمية، وأن البلاد دولة فيديرالية واحدة وفق الدستور، وأيضا تتفق معنا على ضرورة تحقيق تنمية اقتصادية وتأمين الغذاء والماءquot;
2-وأمريكا في المرحلة الثانية لأوباما تستمر في استراتيجية تتوخى تجنُّبَ تأجيج الصراعات، إلى حدِّ فقدان السيطرة عليها...
3-قيام حكومة المالكي بمجموعة من الخطوات التي تصب في التهدئة، وإن لا زالت المطالبُ المتعلقة بقانون الإرهاب، الذي يراه المحتجون وسيلةً لاستهداف السنة، والأعضاء السابقين في حزب البعث، محلَّ خلافٍ يبدو مبدئيا..
4-الشعب العراقي لا بد أنه يعي مخاطر الاحتراب الداخلي، والمآسي التي عانها في 2006 و2007 لا زالت ماثلة في الذاكرة، وآثارها في الواقع..
5-الزعامة السنية ومن أبرزها عبد الملك السعدي يوجه المتظاهرين توجيها وطنيا غير طائفي، كما يبدي الزعيم الشيعي مقتدى الصدر تعاطفا ظاهريا مع المتظاهرين، ما دامت مطالبهم عامة، وغير طائفية، أو بعثية. وهو الزعيم الذي يحتشد حوله مئات الألاف من أبناء الطبقات الفقيرة والمهمشة ولم يتغير واقعُها، منذ 2003م.
التأثيرات الإقليمية:
ليس سرا النفوذ الإيراني في العراق، وفي حكومته، والتأثير التركي والثوار السوريين في سنة العراق، بصفة عامة. ففي اسطنبول أعلن معارضون عراقيون عن انبثاق quot;جبهة تحرير وإنقاذ العراقquot;، ككيان سياسي يهدف إلى تغيير النظام في البلاد ويخرجها من quot;الهيمنة الإيرانيةquot; ويوقف مشروع التجزئة... ولا ندري حظوظ هذه الجبهة من التجاوب والتأثير... وما يُنتظر منها تركيّاً، هل هي تلويح بما يمكن أن يواجه المالكيَّ وحلفاءَ طهران، إذا ما تمادَوْا في التفرد في شؤون العراق؟ أم أنها ماضية في التصعيد، منذ الآن؟ والمشكلة الأساسية في العراق أنه أضحى مجالا للتنافس، أو الصراع الإقليمي، والدولي، وقد ارتضت واشنطن هذه المعادلة في الحكم التي تستأثر فيها إيرانُ بالنصيب الأوفر، مع منعها من التفرد التام، والمطلق، من خلال الطرف الإقليمي الثاني، وهي تركيا، إذ نلحظ دعمَها السياسي للسنة، وقد استخفت بمطالب المالكي، بتسليم نائب الرئيس العراقي، طارق الهاشمي الهارب من حكم قضائي... كما عززت أنقرة علاقاتها مع حكومة إقليم كردستان، وارتقت بها إلى مصافِّ العلاقات بالدول المستقلة. ووقفت القيادة التركية مواقف علنية وحازمة، عندما لاحظت محاولات من المالكي وإيران لمزيد من الاستحواذ. ولكن انفتاح الوضع في سورية على التغيير يربك هذه الحدود، ويتطلب صياغةً جديدة للمنطقة بأكملها، وفي القلب منها العراق.
المالكي؛ الشخص والنهج:
ومع أن المالكي قد يكون في فترته الرئاسية الأخيرة، ولا سيما بعد أن وافق مشرعون في البرلمان العراقي على قانون يمنعه من الترشح لفترة ثالثة؛ فإن الأهم من الناحية الواقعية أنْ لا يستمر نهجُه، ولو برئيس جديد، هذا النهج الذي يحاجج الكثيرون من السنة والأكراد بأنه نهج إقصائي استحواذي، ومثل هذه الأمور لا يتوقف الحكمُ فيها على إثبات صحة دعاويها؛ إذ مجرد فشل رئيس الحكومة في إقناع فئات واسعة من شعبه بجدارته لحكمهم، ونزاهته الضرورية، يجعله ليس الحاكمَ الأنسب للعراق، ولا سيما في هذه الظروف الخطرة التي تحيط به، وارتفاع النَّفَس الطائفي ؛ بتأثير الأزمة السورية، والعراق غير بعيد عن التورط في النزاع،(وثمة معلومات عن أن مقاتلين تربطهم صلات بتنظيم القاعدة يعيدون تنظيم صفوفهم في محافظة الأنبار) ويصبح الخطر أكبر في حال توسع الصراع ليشمل إيران.
ومع أن الحل الحقيقي للعراق هو التخلص من النظام السياسي الذي يتأسس على المحاصصة الطائفية فإنَّ استشعار الجميع المخاطر المحدقة بهم قد يعلي صوتَ العقلاء وذوي الآراء المتوازنة.
ومع حفاظ هذه التظاهرات على سلميَّتها وزخمها ووطنيِّتها فإنَّ هذه العدوى قد تنتقل روحُها، وقد تقلق الزعماءَ السياسيين الذين يستخدمون البعدَ الطائفيَّ لتكريس مصالحهم، ومصالح الدول التي يتحالفون معها؛ فتكبح غلوائهم، وتهذِّب (طموحاتهم).
[email protected]
التعليقات