تعددت القراءات والتأويلات بشأن الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى ليبيا. ولم يكتف أغلب المحللين بالمعلن عنه من الزيارة وذهبت الأقلام بعيدا في تحليلها لهذه الزيارة التي تتزامن مع quot;حرب شعواءquot; تقودها فرنسا في شمال مالي، ومع quot;ربيع عربيquot; متعثر في المنطقة بفعل التفاف النخب الحاكمة على مطالب الجماهير التي انتفضت على الديكتاتوريات.
ويبدو جليا الإهتمام الغربي بشمال إفريقيا سواء أكان من الضفة الشمالية للمتوسط حيث المستعمر السابق للمنطقة، أو من وراء المحيط في الجهة المقابلة للأطلسي حيث تسلم الطاقم الجديد للبيت الأبيض مهامه للتو، وبحاجة لقليل من الوقت لمواصلة نهج سلفه ممن عملوا مع ذات الرئيس.

هواجس أمنية
لقد أجمع أغلب المحللين على أن الهدف الرئيسي من الزيارة ومثلما أعلن عن ذلك كاميرون نفسه هو أمني بالأساس. فالقارة العجوز ترى في بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط مجرد حرس لحدودها من quot;الإرهابquot; والهجرة السرية غير الشرعية. ومثلما دعمت أوروبا الديكتاتوريات في السابق من الناحية الأمنية تسعى لذات التوجه مع الأنظمة التي أفرزها quot;الربيع العربيquot;.
ولعل استعمال الجماعات المسلحة التي تقاتل القوات الفرنسية في شمال مالي لسلاح مصدره الأراضي الليبية هو من بين دوافع كاميرون لزيارة طرابلس، في تقاسم للأدوار بين الجانب الفرنسي الذي يقاتل بدعم لوجستي أوروبي وأمريكي وساكن 10 داونينغ ستريت الذي يبرم الإتفاقيات مع الجانب الليبي لضمان أمن أوروبا من جهة، والحيلولة دون وصول السلاح الليبي مجددا إلى المقاتلين في شمال مالي.
ويبدو من خلال ما تم التصريح به في هذه الزيارة المفاجئة لكاميرون، أن أوروبا لا ترغب في التورط مباشرة في قتال الجماعات الجهادية في بلدان المغرب العربي، بعكس ماهو حاصل في شمال مالي. وإنما تركز على دعم وتدريب قوى الأمن والجيش ومدها بالمعدات اللازمة في هذه البلدان لتتولى هذه المهمة نيابة عنها، وهو ما تجسد في تصريحات كاميرون الذي تعهد بالمساعدة في تدريب قوات الأمن الليبية، بعد أن اتفق وزراء الخارجة الأوروبيين في بروكسل على إرسال مدربين إلى طرابلس يتولون مهمة تدريب الأمنيين في ليبيا.

ثروات طبيعية
ولا يبدو أن هذه المساعدات، باتفاق أغلب الخبراء والمحللين، ستكون مجانية. وإنما سيضطر الجانب الليبي إلى دفعها من ريع ثرواته الطبيعية ومخزونه الطاقي الهائل شأن ذلك شأن العمليات العسكرية التي أنجزها الحلف الأطلسي في وقت سابق للإطاحة بنظام القذافي. فالمشاركة في إعادة إعمار ليبيا وتأهيل مؤسساتها أمر يسيل لعاب القوى الكبرى في العالم ويجعلها تركز اهتمامها في الوقت الراهن على بلدان المغرب العربي والساحل والصحراء الغنية بالثروات الطبيعية.
فالأزمة الإقتصادية الخانقة التي تمر بها القارة العجوز، لا يمكن تجاوز مخلفاتها تماما إلا من خلال تدفق سيولات مالية جديدة تنعش البنوك الأوروبية وتعيد الثقة لمنطقة اليورو. وتعتبر الثروات الطبيعية لمنطقتي شمال وغرب إفريقيا خير ضامن لهذه العملية، وخصوصا ليبيا التي لديها دين للحلف الأطلسي وهي مطالبة بسداده بعد أن دعمها في عملية الإطاحة بالقذافي بفاتورة باهظة جدا بعد أن امتدت العمليات القتالية لفترة طويلة نسبيا.
ويرى بعض المراقبين أن المصالح الأوروبية المشتركة ليست وحدها التي دفعت بكاميرون إلى زيارة ليبيا بصورة مفاجئة. فهناك استثمارات بريطانية في حقول النفط الليبية ومع انعدام الأمن وسهولة تنقل العناصر الأصولية المقاتلة بين بلدان المنطقة، تخشى بريطانيا من أن تهدد هذه الجماعات مصالحها من خلال عمليات شبيهة بتلك التي حصلت في الجمع البترولي في عين أميناس بالجزائر. وذلك كرد على الحرب التي تشنها فرنسا على هذه الجماعات في إقليم أزواد الطوارقي. لذلك يتوقع أغلب الخبراء أن يتواصل تدفق المسؤولين الغربيين على طرابلس خلال الأيام والأشهر القادمة وبوتيرة متسارعة. لأن نجاح حرب فرنسا في أزواد مرتبط إلى حد كبير بنجاح الجانب الليبي في ضبط حدوده وضمان عدم تدفق السلاح إلى المقاتلين، بالإضافة إلى الرغبة في الحصول على السيولة المالية لمجابهة تكاليف هذه الحرب والحيلولة دون إنعكاسها السلبي على الإقتصاد الأوروبي.