سبق زيارة أحمدي نجاد للقاهرة زيارة السيد مرسي لطهران بمناسبة قمة دول quot; حركة عدم الانحيازquot;، وهي الحركة التي فقدت معنى وجودها منذ انتهاء الحرب الباردة. ورغم أن مرسي ألقى كلمة تندد علنا بالرئيس السوري، فإن هذا التصريح لم يكن مبررا لكي يقوم هو شخصيا بالمشاركة بدلا من وزير الخارجية أو سواه. وكان بإمكانه قول الشيء نفسه عن الوضع السوري من القاهرة أو في تصريح مبعوثه في طهران.
كما هو معروف، فإن علاقات الإخوان المصريين بخميني والخمينية تعود لقيام الثورة الإيرانية وإرسال وفد إخواني كبير لطهران لمباركة خميني بعد النجاح، وتمجيده كإمام للمسلمين. نعيد أيضا ذكر مشاركة الإخوان المسلمين في المنظمة الدولية الأصولية التي أسسها مهدي كروبي في أواخر الثمانينيات.
إن المغازلة بين مرسي ونظام الفقيه جاءت من الطرفين منذ انتهاء عهد مبارك. وفي تموز العام المنصرم أدلى مرسي لمنظومة فارس الإعلامية بتصريحات عن نية التنسيق مع إيران. ومع إنكار مرسي لما نسب إليه، فإن الإنكار نفسه جاء بصيغة ملتوية. ومعروف أن زيارات الوفود المصرية إخوانية وغيرها لإيران، راحت تتوالى قبل ذلك. ونعرف كذلك تعاطف إخوان المنطقة مع نظام الفقيه باسم القضية الفلسطينية وما شابه من لافتات.
لقد كان الأولى بالرئيس المصري، بدلا من زيارة طهران، أن يبدأ عهده بشجب التدخل الإيراني في الدول العربية، وتهديدات إيران المتكررة بغلق مضيق هرمز والمطالبة بوقف هذا النهج كأحد شروط تطبيع العلاقات مع مصر.
قبل زيارة أحمدي نجاد، كانت زيارة الجنرال قاسم سليماني السرية بدعوة من القيادات الأمنية المصرية العليا [ اقرأ من الرئيس المصري شخصيا]، وهي الزيارة التي انكشف أمرها رغم محاولات التعتيم عليها. وسليماني هو قائد فيلق القدس الإرهابي الذي يزرع خلاياه وجواسيسه وعناصر تخريبه في أرجاء المنطقة والعالم. وقد ذهب العديد من المراقبين إلى أن هدف دعوة زيارة قاسم سليماني كان في نقل التجربة الخمينية عن بناء المليشيات الرادعة والفعالة على نمط الحرس الثوري وباسدران وتهميش السلك الرسمي للشرطة والجيش. وهو ما فعله خميني في إيران بعد قيام نظامه الشمولي الطائفي التوسعي.
في هذه الظروف يرى الطرفان أن كلا منهما بحاجة للآخر. فالشارع المصري يعود غليانا، والسلطة الإخوانية تواجه صعوبات كبرى، وهي تريد الاستعانة بالخبر الإيرانية لاحتواء الموقف الداخلي وتصفية قوى المعارضة. كما تواجه مصر ضائقة مالية كبرى. وهذا ما دفع بأحمدي نجاد لعرض مساعدة مالية سخية برغم أن إيران نفسها في أزمة اقتصادية ومالية ضخمة بسبب العقوبات. فنظام الفقيه يحاول التمدد حيثما أمكن كالبكتيريا على حد وصف أحد الكتاب. وهو ينتهج مختلف الوسائل، من ترغيب وإغراءات ومن ضغوط وترهيب وتخريب، ويستهدف كسب مصر في حساباته وصراعاته الإقليمية والدولية، والتخفيف من عزلته الدولية بسبب النووي والاستعراضات التسلحية والعسكرية اليومية والتهديدات. ولعله أيضا يشعر بأن نظام الأسد يترنح فيسعى لموطئ قدم آخر كمصر، فضلا عن العراق، وهو المستباح أصلا إيرانيا.
كل من الطرفين منجذب للآخر. وإيران مستعجلة جدا. أما مرسي، فثمة من عوائق كالعلاقات مع الخليج ومراعاة الولايات المتحدة. ولكن من السابق لأوانه الحديث عن فشل مساعي أحمدي نجاد وعرضه بقيام تحالف إستراتيجي مصري ndash; إيراني. فالطرفان يشتركان في العقلية والنهج والممارسة الشمولية والاستبدادية، المناوئة للديمقراطية. والطرفان مشتركان في اللعب بالورقة الفلسطينية ورفض الوجود الإسرائيلي برغم كل مناورات مرسي التمويهية في هذا الشأن حاليا. والطرفان، ولاسيما إيران، يثيران المخاوف في أكثر دول الخليج. فإيران تسلط خطر السلاح النووي، وتتدخل علنا في أنحاء شتى من الخليج كالبحرين والكويت وغيرهما. والإخوان ينشطون في عدد من دول الخليج، ولاسيما الإمارات والكويت، لزعزعة استقرارها ولنشر الطائفية.
إن ما كان على مرسي قوله لأحمدي نجاد قد قاله شيخ الأزهر حين طالب إيران علنا وبحضور رئيسها بالتوقف عن التدخل في الخليج وإنهاء اضطهاد سنة إيران والكف عن نشر الفتن الطائفية في المنطقة.
هذا بعض ما يمكن أن نقوله في هذه اللحظة. والتطورات القادمة ستكون كشافة. ومن جانبنا، فإننا نرى أن ما يجمع نظام الفقيه والسلطة الإخوانية المصرية أكثر مما يفرق. وحتى بالنسبة للقضية السورية، فإن الصيغة التوفيقية المهلهلة والمطاطة عن quot;الحوار الجديquot; ستزيل أي خلاف بينهما على ما نخمن. والكثير أيضا يعتمد على التطورات السورية والمصرية القادمة، وعلى السياسات الأميركية.
- آخر تحديث :
التعليقات