ظاهرة البوطي ـ إنه لغز يحتاج للتفكيك حاولت العديد من المرات فهم موقف الرجل فذهبت بي الظنون مذاهب؟ لذا لابد من استخدام أدوات معرفية لمعرفة طبيعة السرطان وانتشاراته
يعرف البوطي بقربه من النظام السوري وبتمجيده لحافظ الأسد وللرئيس بشار الأسد وتلقيبه بالقاب مثل quot;القائد الفذquot; وquot;العبقريquot; وquot;المعين الذي لا ينضبquot; وquot;النهر الدافقquot; وquot;صاحب المواقف التي انبعثت عن إلهام ربانيquot;.
ووصف الثوار بقوله: تأملت في معظمهم ووجدت أنهم لا يعرفون شيء اسمه صلاة، والقسم الأكبر لم يعرف جبينه السجود أبدًا.
من هو هذا الرجل ولماذا وقف ضد الثورة منذ اللحظة الأولى وأصر على أن ينصر نظام البعث الإجرامي في سوريا؟
سعيد رمضان البوطي له نظائر بنفس الاسم؛ الأول كان ليبيا مذيع مشهور في إذاعة بي بي سي قتله القذافي في صحن المسجد في لندن. راسلت الرجل وكنت من أشد المعجبين بنطقه ومنطقه.
الثاني صهر حسن البنا وله ابن لمع أيضا حاليا في سويسرا(طارق) يتقن الإنجليزية والفرنسية ويحاضر ويتنقل مشابها والده فهو الآن حفيد البنا مؤسس جماعة الأخوان المسلمين التي أمسكت بزمام الحكم الآن في مصر بعد تعب ثمانين عاما من الحبوس والفلق. وصف علي الطنطاوي سعيد رمضان الثاني بأنه كان يستطيع التحدث إلى مائة شخص بآن واحد. كان خصما لدودا لعبد الناصر هرب إلى سويسرا واستقر هناك وأصدر مجلة مشهورة (المسلمون) وكما قلنا لحقه ابنه طارق سعيد رمضان على نفس المنوال. الأول مذيع سياسي، والثاني داعية إسلامي معاصر تعدل فكر ابنه برياح الفكر الأوربية التنويرية.
أما سعيد رمضان البوطي الثالث فهو من المدرسة التقليدية تخرج من الأزهر برسالة فقهية (فقه المصالح) ودرَّس في جامعة دمشق وكتب الكثير ولعل دار الفكر في دمشق اعتمدت عليه كترسانة فكرية لنشر كتبها.
بقي البوطي تقليديا أو هو أقرب. والده رجل علم اشتهر أيضا بالتقوى والعلم، ولكن لم يتورط في السياسة، أما البوطي الحالي فغرق في مركب السلطان، وأكل من مائدة السلطان، ووعظ على منبر السلطان!
ولكن كيف حصل هذا لرجل العلم التقليدي السني الكردي؟
في الواقع قد يكون البوطي سهل التحليل وصعب التفسير في آن واحد؛ فالقرضاوي أيضا من المدرسة السنية التقليدية فلماذا وقف القرضاوي مع الثورة ووقف البوطي ضد الثورة؟ مع أن كلا الرجلين ينتسبان إلى المذهب السني التقليدي؟
هنا أذن لا يمكن المراهنة على أن الفكر التقليدي يورث على نحو دوري دائم الانضمام والانصفاف في طابور السلطان.
الوردي عالم الاجتماع العراقي أصدر كتابا كاملا جميلا ينصح بقراءته بعنوان وعاظ السلاطين.
يقولون أن البوطي اجتمع بحافظ الأسد لمدة سبع ساعات خرج بعدها غير البوطي قبل تلك المقابلة فما هو سر الإكسير الذي تجرعه البوطي في تلك المقابلة فأخلص الود والولاء لعائلة الأسد العلوية وما زال؟
الحسون المفتي السوري يختلف عن البوطي فهذا موظف بسيط غير مشهور بالتأليف. أما البوطي فغزير الإنتاج كتب عشرات الكتب من فقه السيرة وانتهاء بنقص المادية الجدلية وحرب حزب التحرير والجهاد والمذهبية. وإن كانت معظم ما كتب لا تقارن بكتابات فؤاد زكريا واطلاعات الفيلسوف البدوي.
كتابات البوطي أقرب للفكر التقليدي الفقهي الصوفي السني. أي أنه بعيد عن الاطلاع الموسع والتشرب بالثقافة والفلسفة الغربية. هو أقرب للنذير المحذر للفكر الغربي وامتداداته. ربما سيد قطب يسبقه بدرجة في تعامله الحذر مع الفكر الغربي. وبين هذه المدارس يلمع مالك بن نبي المفكر الجزائري وجودت سعيد وإقبال من نوع مختلف مطلع مستفيد من الفكر الغربي بدون حذر وانجفال.
البوطي كردي المنشأ أي أنه ينتسب إلى أقلية إن صح التعبير فهو ليس من الجمهور السني الأغلبية العريض في سوريا فهل يصلح هذا لتفسير ولاءه الطويل لنظام حكم العائلة الأسدية العلوية (الأقلية وتساند الأقليات)؟
أيضا هنا يقف التفسير ضعيفا نوعا ما؟
زارني رجل فكر فطرحت عليه السؤال هل يعتقد البوطي حقا بأن الأسد والجيش السوري يقاتلان قوى كونية ظلامية تريد شرا بسوريا ؟ قال نعم هو يعتقد بصحة موقفه من وقفته التي ليس فيها تردد في مناصرة طاغية سوريا الأرعن.
من طرفي أنا أعرف الرجل جيدا أو هكذا اعتقد يمثل ذلك الخليط الفكري التقليدي الذي يمشي أقرب إلى خطى مفتي الجمهورية السابق كفتارو الذي ربما كان يرى أن موالاة الحاكم الظالم الكافر فيها فائدة أن يعمل تحت ظله ومظلته في حماية بيضة الإسلام هذا إذا أحسنا النظر في الرجلين. كفتارو والقبيسيات والبوطي انتشروا في ظل حكم الأسد مثل الفطر في الغابة.
ومع هذا الفكر التقليدي الخرافي انتشر التشيع أيضا في دفع عقارب الساعة إلى الخلف ألف سنة ويزيد، في إحياء مواضيع أكل عليها الدهر وشرب، ومن كان أحق بالخلافة؟ وموالاة علي وحب آل البيت ومعصومية ملالي طهران.
في نفس الوقت تم حرب أي تنظيم إسلامي بغاية الشراسة، في الوقت الذي حظي البوطي بتوثيق أفكاره في برنامج إذاعي ثابت وحب رجال المخابرات له واحتفاؤهم الشديد به.
ينفعنا الطب في تفسير بعض الظواهر المرضية فهو لا يفهم انفجار الأمراض بعنصر واحد. يعني أن مرض التيفوئيد مثلا لا يتم لوجود جراثيم السالمونيلا.
فيرشوف طبيب ألماني استطاع أن يطور مفهوم جديد في الطب اسمه المريض وليس المرض.
لتطبيق هذا المفهوم كان يأخذ جرعة من جراثيم السالمونيلا ويتجرعها أمام تلاميذه ولا يصاب بالمرض.
الحمى التيفية حين تنتشر في وسط فهي تتظاهر بأشكال مختلفة بين المصابين. منهم من ترتفع حرارته، ومنهم من تنثقب أمعاؤه فيهرع به إلى قاعة العمليات للجراحة. ومنهم من يلتهب عنده شغاف القلب، ومنه من تتورم عنده الخصية وتلتهب المعثكلة، والجرثوم واحد والمستقبل مختلف.
في القرآن تشبيه لهذا المفهوم أن الأرض الجرز يأتيها الماء فتخرج ثمرات مختلفا ألوانها وثمراتها.
في سورة الرعد عن الأرض والماء الواحد واختلاف الثمرات (يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون).
تطبيق هذه الأمثلة على علم الاجتماع النفسي وظاهرة البوطي أنها أكبر من هذا الشخص وتظهر في الأزمات وأيام الثورات والامتحانات.
قصة الراهب راسبوتين أيام الثورة البلشفية نموذج صارخ لهذا الموضوع؛ فهذا القس الداعر (رجل الدين بمسوح الكهان ومسبحة اليد الكبيرة والصليب الهائل في العنق أي حمل كل رموز الدين والرب) كان بمسحة من يده يشفي ابن القيصر نيقولا الثاني المصاب بمرض الناعور وينزف!!
كيف كان يحدث هذا؟ لا يملك أحد التفسير حتى اليوم، مع أن عدد الكتب التي كتبت عنه أكثر من مائة كتاب حسبما ذكر كولن ويلسون في كتابه عنه.
البوطي هو ذلك النموذج الذي يظهر في أفق نار الثورات فيأخذ مقعده بجنب العائلة الحاكمة حتى النهاية، ولو كان فيها الدمار له وللعائلة، كما حصل مع راسبوتين وعائلة القيصر نيقولا.
جاء في الرسالة التي وجهها راسبوتين إلى القيصر نيقولا يشرح فيها أنه لو قتل فلسوف تتدمر العائلة الحاكمة وعدد هائل من الشعب الروسي سوف يهيم على وجهه هربا باحثا عن مأوى، وهو الحاصل اليوم للسوريين النازحين الفارين.
المثل الطبي يعني أن هناك دوما في انفجار أي مرض اجتماعي مجموعة من العناصر تعمل خلطة انفجار كما في ظاهرة البوطي أن يجتمع فيه ظلمات العصر الاستبدادي ـ روح البورجوازية الشامية ـ من أقلية كردية ـ من وسط تعليمي تقليدي ـ لم يغادر إلى أوربا أو الخارج عموما ـ إغراءات السلطة ـ الخوف من المخابرات( في يوم تم اعتقال أحد أبنائه) ـ مشيخة كفتارو النفوذ وإغراءاته (إمكانية الاتصال بضباط كبار والشفاعة لبعض المعتقلين) ـ خصومته مع التيارات الإسلامية الثورية وشبه الثورية مثل الإخوان وحزب التحرير ـ النفوذ (الرئيس يضحك عليه وهو يضحك على الرئيس وبين أن تستِغل وأن تستَغل شعرة) ـ تبني موقف يصعب التراجع عنه، كما كان من حولي يروون لي عن صلابة الأكراد وصعوبة تراجعهم عن موقف اتخذوه في قصة الحلاق والمقص، وهي قصة مكررة في ثقافات شتى، ولكن يبقى صعوبة التراجع عن موقف في وجه جمهور من الأتباع المخدرين.
ولا يستبعد عنصر (الخرف) فنحن الأطباء نعرف هذه الحقيقة فيمن يتجاوز الثمانين (هو من مواليد 1929 أي قد دخل عامه الـ 84 كما حصل مع تصلب الشرايين عند مبارك الثمانيني فأعاد انتخاب نفسه فهوى) فيبدأ عنده وتزداد احتمالات (أمراض الشيخوخة) من فقدان الذاكرة والخرف (Dementia) والزهايمر. إنه عنصر إضافي أيضا يدخل في ميزان الاحتمالات.
إنها خلطة تفجيرية قد تصلح لتفسير موقف البوطي وقد لا تصلح، وقد يكون هناك عناصر غيبية لا نحيط بها علما (مثلا تجنيده في الاستخبارات أو مسك أضابير وملفات خطيرة ضده؟؟) حتى لا نظلم الرجل ولا نفتري عليه وكفى بالمرء كذبا أن يقول كل ما يعلم. لكن الأكيد أنه وقف في الميدان مع الشيطان.
ربما كان الأفضل للبوطي لو جلس في بيته واعتبر ما يحدث فتنة، وسكت كما سكت الشحرور عن الأنغام (صاحب كتاب القرآن والكتاب) فأصيب أي الشحرور بالسكتة دفعة واحدة. وهو الذي كان يكرر مقولاته في تفسير القرآن ضد الطغيان.!
كان الأفضل للبوطي أن يغلق باب بيته ويتعبد استقبالا للكفن والقبر، وقد ركبته الشيخوخة فطقطقت مفاصله واهترأت الذاكرة وأصيب بالعشا بالعشي والإبكار (ثلاث علامات من أهم مظاهر الشيخوخة)
بدلا من أن يعتلي ظهر المنبر الأموي فيقول أن جيش أبو شحاطة هو جيش صحابة؟
لعل فولتير كان من أشد المنتبهين إلى هذا الثنائي الإجرامي فأطلق صرخته اشنقوا آخر إقطاعي بأمعاء آخر قسيس، وهو ما سيكون عليه مصير بشار والبوطي، كما انتهى إليه القيصر وراسبوتين.
ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا!
خلاصة القول تبقى (متلازمة البوطي Bouty Syndrom) وأبو الهدى الصيادي وأمنحوتب من العصر الفرعوني وكهنة أوروك وأور وبطانة إمبراطور الصين وكهنة بكين مرضا يسم الأفراد من حاشية السلطة في كل عصر ومكان.
كاريكاتير لعلي فرزات مع هذا التعليق ؟
شيخنا الجليل الركن البوطي حفظه الله ما حكم من قضى نحبه ضحكا و هو يستمع إلى البيان الختامي للمؤتمر التشاوري هل يصنف شهيدا أم ميتا عادي و هل يصلى عليه أم لا و هل يحق لأهل الفقيد أن يرفعوا دعوى ضد من تسبب بقتله ؟؟؟؟؟!!!
شيخنا الجليل الركن البوطي حفظه الله ما حكم من مات في عهد هذا النظام و كانت ذنوبه كثيرة ؟ هل يسقط عنه عذابه في جهنم باعتباره قد قضى فترة عقوبته في الدنيا...
افدنا أفادك الله و حفظك و رعاك يا شيخنا الجليل..الركن
التعليقات