استعرضنا في المقالتين السابقتين ستا من كل زاوية سلبا وإيجابا فيما أحدثته الثورة السورية كانت في جوانبها السلبية:
1ـ الشرخ السني ـ الشيعي ـ العلوي من خلال ذاكرة مثقلة بالسلبيات
2ـ انفجار نار الأحقاد والغرائز البدائية
3ـ البديل الغامض؟
4ـ كلفة الثورة باهظة جدا والفاتورة مرعبة:
5 ـ نجح النظام السوري في جر الثورة إلى اللاءات الثلاث المضادة:
6 ـ نمو التطرف الحدي:
أما العناصر الست الإيجابية أو هكذا نزعم فكانت:
1 ـ التغيير تم ويتصاعد، وهو نفسي قبل كل شيء، من تحول داخلي بحت
2 ـ انكسر حاجز الخوف:
3 ـ نهاية عصر الحاكم الإله!
4 ـ ولادة أخلاقية للأمة وانصهار جديد للأمة
5 ـ عصر الشعوب بدأ
6 ـ ثمن الحرية ومذاقها
والآن نستعرض الثلث الثالث من مجموعة العناصر الإثني عشر في نسيج الثورة السورية وما خلفت من آثار:
الآثار السلبية
7 ـ الانفوميديا ليست حيادية تماما:
في ضوء الاستقطاب الحاد للأطراف المتحاربة. إنها حرب يشرع فيها الكذب والاحتيال والمراوغة والحرب بالكوع والبوع والأظافر والخناجر والبلطات والطبنحة والغدارة والسلاح الإلكتروني. لذا ظهر التحيز في القنوات بطريقة ذكية، يزعم كل طرف أنه حيادي وهو ليس كذلك. كان العنف الأقصى والقسوة المفرطة من النظام السوري سببا أساسيا في دفع الأمور إلى حافة الهاوية.
تصريحات الأسد الأخيرة أنه سيموت في سوريا، وأنه سيكلف العالم مالا طاقة له به! كلها مؤشرات على النهاية كما كانت تصريحات هتلر الأخيرة قبل الانتحار.
الأسد منذ البداية كان يمشي بخطة انتحارية ودفع الأمور نحو الهاوية! فهل سيصمد مثل هتلر وينهي حياته بشرف وكرامة؟ مشكوك فيه؟ فهتلر كان عقائدي، وهذا مراهق سياسي أتت به الظروف إلى كرسي الإعدام (كرسي الحكم). ليس له أي ميزة سوى أنه ابن الأسد؟
إنها حركة نكس في التاريخ أن تولد الملكيات من رحم الجمهوريات وتحت اسم كبير الاشتراكية والثورة.
8 ـ التحدي للأسلوب السلمي فهل فشلت نظرية اللاعنف؟
إن الأمر يحتاج إلى جرعة خاصة في مواجهة نظام شمولي من نوعية نظام الأسد؟ إنه أمر يدعو للدراسة العميقة؟ لقد نجح الأسلوب السلمي في الإطاحة بثلاث أنظمة في بدايات الربيع العربي. عرضت مجلة در شبيجل الألمانية أوضاع المنطقة وذكرت أن أشدها استعصاء وتشابها هو نظام القذافي والأسد! الأول يقذف باللهب مثل رأس تنين، ولا يقبل بأي لون من التغيير. ظهر ذلك واضحا في خطابات العقيد على نحو جنوني محتدم. والثاني نظام برأس ديناصور لاحم بدرزن من الأجهزة الأمنية لا يسمح بأي هامش من تفكير وتعبير (حتى العرائس اعتقلن في ملابس بيضاء حين نادين بتوقيف حمام الدم؟ قاشوش المغني اقتلعت حنجرته، ورسام الكاريكاتير فرزات كسرت أصابعه، والطفل الخطيب قطعت أعضاؤه التناسلية) في تكريس أبدية لأشخاص فانين يحرسه مليون شبيح ومليوني مخبر وثلاث ملايين منتفعين أوغاد مرتزقة يحلبون بقرة لم يبق فيها حليب وضرع.
9 ـ ورطة التسلح:
مع انزلاق الثورة إلى التسلح وإعلان حرب تحرير شعبية وقعت في مستنقع ليس الخروج منه سهلا بحال. هنا تظهر لا أخلاقية العالم ولا إنسانيته أن يسمح بتمرير مثل هذه المجازر وهو يستطيع منعها أو تخفيف ويلاتها!
التسلح ورطة للثورة، ودخول دول على الخط، ومصادر تمويل على الخط، تحمل أجندات خاصة في خطة التغيير، ولذا فإذا فشلت الثورة المسلحة معناه تدمير نسيج المجتمع من نظام جريح متغول، وإن نجحت الثورة علقت مشانق الخصوم وذبح الأعداء والانتقام من المجرمين.
الآثار الإيجابية
7 ـ شوق الأمة إلى العدل :
حيث العدل فثم شرع الله. والعدل كم قابل للزيادة باضطراد. وعليه فإننا لا نريد دولة إسلامية بل دولة عدل. فلم يظلم الناس في التاريخ بأشد من ظلمات الدولة الدينية. وبقيت محاكم التفتيش تعمل بكامل الطاقة 520 سنة تبعث فيها الناس إلى المحارق، ويزعم فولتير حرق عشرة ملايين امرأة بتهمة السحر. مما دفع البابا يوحنا البولوني الأسبق لوصفها بالجستابو والكي جي بي ودعا إلى النزول إلى أقبية الفاتيكان لتحري الحقائق في حركة نقد ذاتية غير معهودة.
8 ـ الاستقلال الفعلي:
نحن عام 1945 لم نستقل. المشكلة هي في الفارق بين الاحتلال الأجنبي الذي يحرض على المقاومة بتباين لون الجلد واللغة والثقافة والدين. الخفي الأعظم بأشد من دبيب النملة في الليل البهيم على صفاة سوداء هو الاستبداد وهو السرطان الذي ابتلينا به مع عائلة الأسد من فصيلة السنوريات والهررة بمخالب وأنياب.
الفرق بين الاحتلال الخارجي والاستبداد الداخلي يشبه الفرق بين الالتهاب والسرطان في أربع؛ في البدء والمظهر والألم والعلاج؛ فالالتهاب سريع البداية واضح محمر مؤلم وينتهي بسرعة وبعلاج متوفر. السرطان خفي البدء خفي المظهر غامض التطور غير مؤلم وإذا كشف متأخرا استحال علاجه.
النظام البعثي سرطاني رهيب ولذا كانت عملية استئصاله نازفة جدا.
9 ـ إعادة بناء الدولة والمجتمع والأفكار:
نحن أمام عملية تبديل دم ثقافي كاملة كما في أمراض الأجنة. الثورة أفرزت الناس والأولويات والأفكار. البعث الخبيث كان قد اغتصب الدولة وارتهن الأمة في جامبو تاريخية. الملعون وضع البلد في الفريزر (الثلاجة). الآن أمام الثورة الكثير من العمل لإعادة ترميم الدولة وإصلاح المجتمع وولادة الإنسان الجديد خارج الرشوة وفساد الذمة والتسيب والخوف والجاسوسية والفتك بأقرب الناس إليه. إنه عصر ولادة الإنسان والكف عن استيلاد فصيلة السنوريات وأخذ الحق بالذراع خارج دولة القانون. إنها نهاية دولة المخابرات والتقارير السرية والأحكام العرفية ووداع الغابة والناب. أو هكذا نأمل.
التعليقات