أذكر جيدا حين أركب طائرة يقودها قبطان ألماني وهو يستعرض أحوال الجو يقول عندنا أخبار سيئة وجيدة فلنبدأ بالأخبار السيئة. وهناك مثل ألماني يقول نهاية جيدة كل شيء جيد. وتحت آلية عمل القاعدتين ينتهي الإنسان بالتفاؤل أن نهاية الأعمال خير. وأمام مسارات التحول في العالم العربي فقد كانت ثورة تونس نزهة لطيفة وثورة مصر خروج لأكل الفسيخ الفرعوني (تقليد بأكل السمك من أيام الفرعون بيبي الثاني) وثورة اليمن انتصار بكلفة مقبولة والثورة في وجه القذافي أن قذفه الناتو بشواظ من نار ونحاس فلا ينتصران. أما الثورة الفعلية فهي في بلاد الشام زمانا وكلفة فهل ستكون نهايتها بما يوازي هذه التضحيات؟
في سوريا تعضلت وتأخرت الثورة العربية الكبرى وفيها سيحسم المصير ومنها قد تصدر الثورة المضادة؟
يمكن ضغط الآثار النفسية لمسارات التحول في 24 نقطة نصفها سلبي ونصفها إيجابي. سوف نحاول استعراضها في أربع أجزاء. أما السلبية على طريقة القبطان الألماني فهي التالية:
1ـ الشرخ السني ـ الشيعي ـ العلوي من خلال ذاكرة مثقلة بالسلبيات:
لو كان موقف إيران وحزب الله (البيدق الإيراني) إيجابيا تجاه الثورة السورية لربما التئم الشرخ التاريخي الممتد منذ أيام معركة صفين. بموقف إيران العجيب من دعم نظام استبدادي فاسد (علماني كذا؟) فاحت الراحة الطائفية بأشد من مجاري المياه الصحية وثبت أن ثورة إيران لم تدخل العصر بل أحيت قضايا عتيقة متعفنة بكلمات جديدة. لن ينس ويغفر الشعب السوري لمن ولغ في دمه وقتل خيرة شبابه ومد النظام الأسدي بخيل ورجال وطائرات وذخائر وأسلحة.
2 ـ انفجار نار الأحقاد والغرائز البدائية:
ظهر هذا في مجموعات من أفلام اليوتيوب؛ تفجير رؤوس أهل درعا فوق المسجد والضابط الأشقر يضع بجنبهم الرصاص لاتهامهم بالتسلح ـ الشاب الموثوق اليدين يذبح بأبشع من ذبح خاروف ـ دفن آخر ليقول أن بشار هو الله؟
3 ـ البديل الغامض؟
سببها كساح سياسي لفترة نصف قرن. لقد دخلت سوريا بطن الحوت منذ الانقلاب المشئوم عام 1963 م ـ كما وضع الأب الأسد سوريا في الثلاجة مجمدة منذ عام 1970م مما ترتب عليه إلغاء أي معرضة وقلم حر وصحافة مستقلة ورأي عام بل ظلام مطبق وديكتاتورية مهلكة. هناك تفاؤل مع نوفمبر 2012م بعد ولادة ائتلاف الثورة الجديد في دخول الثورة مرحلة توحد المعارضة ونيل الاعتراف الدولي.
أما الآثار الإيجابية للثورة السورية فهي:
1ـ التغيير تم ويتصاعد، وهو نفسي قبل كل شيء، من تحول داخلي بحت:
تصديقا للآية إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. وهي ضربة الميلينيوم (مرة كل ألف عام) ولعله أمر لم يحدث منذ عصر الصحابة في استقبال الموت بصدور عارية كما رأينا في المشهد السوري في وجه آلة قتل عاتية.
2 ـ انكسر حاجز الخوف:
وهي الآلية التي تتابع الديكتاتورية عيشها، ومن هذا الغذاء يستمر بقاؤها وديمومتها. هذا الوضع النفسي يذكر بتلك الآية الغريبة عن أمواج بشرية تندفع للهرب من الموت لتفاجئ بالموت على عتبة بيتها ينتظرها (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم!).
حاول فرعون بجنوده لجم الناس من جديد بسوط عذاب فلم ينفع، وعليه استخدام طرق جديدة لحجز الناس في مربع الديكتاتورية. ولكن الأمر ليس بهذه السهولة. حتى الجراثيم تتكون عندها المناعة ضد الصادات الحيوية مع الوقت فلا تفلح. لذا كانت دراسة الوضع في سوريا سطحية حين تعتبر الأمور هادئة نصف قرن. في الواقع كانت تتخمر لتعوض فارق الضغط الانفجاري مذكرا بعمل الطنجرة البخارية واحتباس الضغط فيها.
مروض الأسود في السيرك يحافظ على مسافة بينه والحيوان، يلوح ويفرقع فقط بالسوط لا يحاول إيلام الحيوان. إذا تطور الأمر إلى إيقاع الضربات بجلد الأسد وإيلامه كانت نهاية مروض الأسود بأنياب ومخالب الحيوان. كذلك جرت المقادير مع سنوريات الأسد السورية.
3 ـ نهاية عصر الحاكم الإله!
الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون! كانت حقبة سوداء في التاريخ العربي الحديث. معظم المثقفين راهنوا على انفجار الأوضاع ولكن متى وأين وكيف؟ إنه بكلمة أخرى بزوغ عصر التوحيد وتحطيم الأصنام البشرية والحجرية وإعلان شعار (أن لا إله إلا الله). وأن بشار والمسيح بشر ممن خلق.
جانب هام في الثورة السورية يغفل عنه الكثير؛ إنه صراع التوحيد في وجه الوثنية. عبدة الطاغوت من القردة والخنازير يزعقون ويهتفون: الله وسوريا وبشار وبس. (بس تعني فقط). في الحقيقة هم يقولون بشار وبشار وبشار وبس. هم ملاحدة بالله ليس لأنهم يظنون أن الله لم يخلق السموات والأرض؟ بل لجعلهم مع الله شريكا. هذه المسالة بحثها القرآن قديما وكثيرا في أسئلة لا تنتهي؛ ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله فأنى يؤفكون؟ ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله. ولئن سألتهم من رب العرش العظيم ليقولن الله.
إذن أين كان الصراع بين محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والتسليم وبين مشركي قريش الملاحدة؟ الجواب الشرك بالله، كما يفعل القردة والخنازير في سوريا من عبدة الطاغوت.
الثوار بالمقابل يقولون الله وسوريا وحرية وبس. في الواقع يقولون نريد بلدا نتمتع فيه بحرية التفكير والتعبير.
هنا يجب الخوف من رحلة ما بعد ذهاب النظام إلى سقر غير مأسوف عليه؛ أن تنشأ اتجاهات متشددة، تكرر الثالوث المقدس بطريقة مختلفة، فتمنع حرية التفكير وينصب الاهتمام على الطقوس والشعارات الجوفاء، فضلا عن حرية التعبير والتجمع والتظاهر، وتكوين الأحزاب، والصحافة الحرة، والقضاء المستقل، ونقل السلطة السلمي، والبرلمانات التمثيلية الصادقة، وليس مثل مجلس القرود في سوريا (عفوا مجلس الشعب) والنقاشات على الهواء مباشرة، مهما تباينت الآراء واحتدت.
هناك الكثير من المتشددين في صفوف الثورة يعطوننا الانطباع الخطير ببداية التشدد، وسببه الأعم هو دموية النظام الغول. لقد اندفع الناس إلى الحواف الحدية في الصدام والمواجهة.
النصارى تورطوا أيضا في مسألة الثالوث المقدس؛ فاحتاروا في كيفية هزيمة المسيح أمام قوى الظلام واختفاؤه من مسرح الأحداث؟
هنا جاء بولس بفكرة الفداء والصلب وأن المسيح هو الله فكفر؛ برفع البشر إلى مقام الإلوهية، كما يفعل عبدة الطاغوت من القردة والخنازير من أتباع بشار المسخوط؛ لذا كان المعنى العميق للثورة أخلاقي أنه من طرف إعلان ولادة الإنسان المحرر من علاقات القوة، الموحد لله بدون شريك، من الأصنام البشرية والحجرية؛ فهذا هو لب التوحيد، ومن أجله طورد الأنبياء والصالحين، وهمت كل امة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب؟ وهو العقاب الذي ينتظر بشار وعبدة الطاغوت من القردة والخنازير. إن نهاية بشار ستكون أعنف بكثير من القذافي المقذوف وصدام المصدوم المشنوق.
هل يحق للفأر أن يتشاءم إذا رأى قطة سوداء؟