يقول محمد الرايس المغربي في كتابه (تذكرة ذهاب وإياب إلى الجحيم) عن خبرته في سجن (تزمامارت) الذي أنكرت وجوده يومها الحكومة المغربية، يروي الرجل عن تجربته مع محمد أعبابو قائد الانقلاب في الصخيرات، كيف حشر كبار القوم في صالون، وبدأ يتلذذ بقتلهم مثل خرفان المسالخ ودجاج الدواجن.
قال له اقتل فلانا وكان كبيرا في الحكومة. يقول الرايس ترددت! قال لقد وجه أعبابو مسدسه إلى رأسي وقال إن لم تقتل قتلتك!
يقول الرايس إنه فرغ ذخيرته في رأس المسكين فخر صريعا. قال الرايس شعرت حينها إنني فقدت شرفي. ولكن بعد فوات الأوان.
في فيلم الهولوكوست كان المحقق يسأل الضابط النازي وهو يطلعه على العديد من صور الأطفال الذين محقهم الصليب المعقوف عن الذنب؟ فيكون جواب الضابط النازي إنها الأوامر.
يطرح القرآن المنظومة المعرفية عن مبرر قتل الطفلة وإذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت.
كان المقرئ عبد الباسط بكثير من الخشوع والصوت الندي.
نرى نفس الشيء من ذبح الأطفال واغتصاب النساء في سوريا على يد فرق الموت من الشبيحة ورجال الأمن الأوغاد.
نفس الشيء كان يفعله الأمريكيون وهو يصطادون الهنود الحمر بالبنادق مثل طيور الحجل في البرية. يقتلونهم هم وأولادهم ونساءهم وكلابهم وقططهم وهم يضحكون، كما رأينا في جنود الجيش السوري وهو يفتكون بأهل درعا.
إذا تصورنا محاكم الأرض والمجرم العتل الزنيم يسأل لماذا قتلت؟
الجواب إنها الأوامر!
نفس الشيء كان يفعله صدام مع جيشه في حرب القادسية المزعوم فكان ينصب البعثيين الأوغاد في خنادق الموت خلف الجيش فمن لم يَقْتِل قتلوه.
حاول الطبيب الأعشى في سوريا نفس الشيء مع الجنود السوريين حتى دفعهم إلى الانشقاق، والبلد إلى الصوملة واللبننة، فتكون الجيش الحر والعصابات المسلحة.
إنها نكتة أليس كذلك أن تفكر بالأشباح فتخرج وتصبح حقيقة أفظع من الكوابيس. هذا بالضبط ما فعله النظام السوري مع حكاية العصابات المسلحة فصنع غولا بيده.
جاء في كتاب نهاية التاريخ لفرانسيس فوكوياما أن القيادة السوفيتية بدأت في النهاية بالتخلص من الغول الأمني الذي صنعته بعد أن بدأ يأكل صانعه. يقولون أن زوجة مولوتوف الرجل الثاني بعد ستالين رسا مصيرها في معسكرات الاعتقال.
يقول ويلز في كتابه (مختصر دراسة التاريخ) من يقبض على شعبه بيد من حديد يحوله في النهاية إلى حديد.
في كتاب القوة لبرتراند راسل يتكلم عن هذه العلاقة القبيحة بين القادة والأتباع، ويذهب في تصنيف الزعماء إلى أيديولوجيين متعصبين يضع في خانتهم هتلر ولينين. والانتهازيين ويضع في خانتهم نابليون وموسوليني.
إن القيادة لا تولد إلا من رحم الأتباع المقهورين. وقهرهم ذاتي. ومنه قال الرب وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.
من العجيب أنني قرأت هذا الآية مكتوبة على لوحة الدخول في سجن المزة العسكري الرهيب، حين قادني حظي العاثر أن يستضيفوني يومها لمدة 39 يوما، وكنت أول سنة جامعة وعمري 18 سنة فكانت حفلة السجن الثانية في حياتي سيعقبها حفلتان أخريتان في كراكون الشيخ حسن بجنب مقبرة الدحداح في دمشق، ثم السجن الطويل في فرع المخابرات العامة فرع 273 في الحلبوني بدمشق، حيث حولوا قصر رئيس الجمهورية السابق تاج الدين الحسني إلى مركز تعذيب وإذلال.
كانت الآية تلوح من بعيد وكأن البعثيين العبثيين يقولون هذه السجون التي بنيناها أنتم المسئولين عنها.
في طرف من هذا نعم، ولذا خرس المجتمع السوري طويلا، قبل أن يستيقظ من سبات العبودية إلى نسيم الحرية. ولا أظنه سوف يرجع بعد حمام الدم عام 2012م.
في القرآن كنت أظن أن علاقات القوة كانت في ثماني مواضع لاكتشف أنه ربما لا تخلو سورة من القرآن بدون الحديث عن رافعة القوة في المجتمع. يبدو أنني يجب أن أتتبع مسار كل الآيات في القرآن وحصرها. تأمل معي هذه الآيات:
إذ تبرأ الذين اتُبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب وقالوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرئوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار.
أعتى القوة في الطبيعة والبيولوجيا والمجتمع ثلاث : النووية والجنس والقوة.
النووية فجرت سلاح التدمير الشامل القنبلة الذرية. والجنس انهارت دول وإمبراطوريات بالشهوة. أما في المجتمع فهي علاقات القوة ذات وجوه شتى مع قدرة تحول من صورة إلى أخرى كما في الكهرباء والمصاعد كقوة حركة أو التبريد والتسخين من نفس المعين.
حسب مالك بن نبي المفكر الجزائري تقوم الحضارة بدفعة الروح وتنهار بانفلات الغرائز. يرى بن نبي أن صبر بلال وهو يردد أحد .. أحد كان تعبير الروح وأن إعلان ابن خلدون عام 1406م في المقدمة هو انهيار الحضارة الإسلامية. لذا فإن العالم الحديث لم نشترك في صناعته وهو بالنسبة لنا مثل عالم السندباد والجن الأزرق. أليس غريبا كل هذا القتل في سوريا من أجل الاحتفاظ بالسلطة ولو على الجماجم. إنها مناظر حركت بني صهيون أن يستنكروا ومعهم معظم العالم باستثناء ملالي إيران وقياصرة روسيا وهياكل عظيمة محنطة من الحزب الشيوعي الميت في بكين.
حسب توينبي المؤرخ البريطاني أن الحضارة تبدأ بأقلية مبدعة تسوق الأكثرية بالإيحاء على أنغام المزمار. وحين تتحول إلى أقلية مستبدة فليس ثمة إلا السوط والساطور والجلاد.
في برنامج الاتجاه المعاكس تذكرت ابن خلدون وكيف يفند من يرى في التاريخ أنه حكايات (سوالف) يكذب بها معظم القوم إذا حفلتهم الأندية وغصت بهم المجالس فيسيموا في مراتع الكذب ألسنتهم (راجع المقدمة).
في هذا البرنامج رأينا نموذج (البوق). ما الفرق بين الإنسان والدمية أو الشيء بكلمة أدق؟ إنه التحول المورفولوجي على حل تعبير كافكا.
هنا يصبح الإنسان شيئا فاقد الإرادة خاضع للتوجيه والبرمجة مثل أي جهاز آلي. يتحول الإنسان إلى بوق مثلا كما رأينا في الاتجاه المعاكس وهو يدافع عن نظام ميت آيل للسقوط بحجة ودون حجة بصوت مدوي وحنجرة صاخبة ليس المهم الحجة المهم وتيرة ونبرة وحدة الصوت وارتفاع موجته!
نتذكر من السيرة قول الصحابي في معركة أحد: لا عذر لكم إن خلص إلى رسول الله ص. هنا يقوم كل إنسان في مجتمع الموحدين على أساس المسئولية الفردية فلا طاعة إلا في الطاعة وكل المعصية في المعصية.
إنها رياضيات التوحيد. سالب ضرب سالب يعطي موجب وموجب ضرب موجب يعطي موجب.
يؤكد القرآن على أن العقاب في الدنيا جماعي أما الحساب في الآخرة فهو فردي.
وكلهم آتيه يوم القيامة فردا. إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا. لقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة.
أهمية هذا أن الإنسان يجب أن يتصرف وفق قناعة وإرادة. ولا يقف ويتبع ما ليس به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا. ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة.
(روجيه غارودي) ينظر إلى الجيش أنه المؤسسة الذكورية التي أفسدت المجتمع، وشكل الجامعة وعلاقات البشر بتركيبة الهيراركي ، حيث تختزل إرادة السرية بإرادة ضابط، ثم الضباط في الفرقة بجنرال، والجنرالات بزعيم أوحد، وبذلك تساق الأمة إلى المسالخ وهي تردد بالروح بالدم نفديك يا أبو الجماجم!
إنها هو ما تعاني منه سوريا حاليا. أسد وغابة وعصابة. سوريا ملك الأسد.
في الحرب العالمية الأولى وعلى الجبهة الروسية أيضا انتبه الجنود المقودين المقرودين وهم يغنون من الطرفين أناشيد أعياد الميلاد من الخنادق المتقابلة، ثم قاموا وتجرئوا فلعبوا الكرة سوية، ثم بدئوا يتصافحون ويتسامحون، ثم خطر في بال البعض أنهم يساقون بالأوامر إلى قتل بعضهم البعض!
هذا هو الهتاف الذي ضرب على نغمه لينين المسخوط وقال الجنود إخوة فأصلحوا بين أخويكم.
انتهت الحرب على الجبهة البلشفية الألمانية بهذه الخدعة اللينينية الماركسية. أما في الجبهة الفرنسية فحُكم بالإعدام على من فعل هذا.
في الجيش السوري تحدث المعجزة هذه الأيام بالانشقاق مع معرفة أن هذا يكلف الإعدام.
نموذج أو وصفة الخلاص من الطغيان ناقشها القرآن في أول سورة من الوحي؛ أن الطاغية يكسر بعدم طاعته والتعاون معه.
إن الديكتاتورية تولد من رحم الطاعة فلنجهض هذه الولادة المشئومة إلى أرض العبودية والاستبداد.
هل نتذكر ماذا قال سحرة فرعون حين هددهم بالصلب في جذوع الشجر؟ قالوا اقض ما أنت قاض إنما تقض هذه الحياة الدنيا.
إنها أعظم متع العالم الدخول إلى فضاء الحرية والتخلص من الشرك الأعظم طاعة وعبودية البشر.
أما فرعون فيقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار، ويوم القيامة هو من المقبوحين
- آخر تحديث :
التعليقات