مذبحة الحولة نقطة تحول في سوريا فهي جرس إنذار لقوم صم عمي بكم فهم لا يفقهون.
هؤلاء الصبية من المراهقين السياسيين الذين يقودون سوريا والمنطقة إلى المحرقة حولوا سوريا إلى ساحة لحرب عالمية كبرى يخوضها بالوكالة فرق من الموت لانهاية لهم.
كل ذلك بسبب غياب الحكمة السياسية وعدم إدراك أن عصر المافيات والحكم الشمولي انقرض وولى. ولكن بدون فائدة فهم قوم صم بكم عمي فهم لا يعقلون.
ينقل عن الدكتور محمد عمار من دعاة اللاعنف من نمر في حوران أنه نقل هذه الحقيقة لآصف شوكت، من عتاة النظام البعثي، أن عصرهم انتهى كما تنتهي صلاحية المعلبات وأكياس الدم، وأن عليهم نقل البلد إلى العصر الجديد؛ فيكون لهم الفضل والخلاص للشعب؛ فكانت النتيجة أن هز رأسه استحسانا، وعندما خرج الدكتور اللاعنفي من مجلسه كافأه فكان السجن مأواه.
من لم يقرأ التاريخ جيدا يدفع ثمن أخطائه مع الفوائد المركبة.
وفي التاريخ فإن أوربا جربت كلا من الحروب الدينية والقومية والعالمية فوصلت في النهاية الى حقائق:
ـ الحروب لا تقود إلى حل المشاكل بل توليد المزيد من المشاكل الجديدة.
ـ هذه الحقيقة تشرب مثل الدواء المر ولكن يأتي بالصحة أخيرا.
فعل هذا الخميني وقال بعد أن أدرك أن كسب الحرب ضد العراق مستحيل فقال أتجرع الصلح مثل كأس السم.
وهو ما فعله من قبل إمبراطور اليابان وهو يتكلم بلغة أدبية منمقة بعد نزل فوق رأسها السلاح الذري: إن عدونا يملك من السلاح الخبيث ما ينهي وجود كل الشعب الياباني.
ـ قد تستطيع أن تبدأ أي حرب، بدايتها منك ولكن نهايتها لن تكون بيدك بل بيد من يملك السلاح. وهنا تظهر حماقة المتخلفين وخبث الأذكياء من الدولة المتقدمة الذين يعرفون الحقائق ويخونهم الضمير.
قال الرب يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون.
ـ الحرب هي بين المتخلفين أو لتأديب المتخلفين. ظهر ذلك في مذابح رواندا والحبشة واريتريا وجنوب وشمال السودان، وحاليا في سوريا والنظام السوري يستخدم السلاح الروسي لقتل شعبه تحت شعار أحكمكم أو أقتلكم!
وهنا نلاحظ ترديا أخلاقيا تقوم به دول مهمتها الأولى إقرار السلام بين قوم متخلفين لا يفهمون السلام إلا ضعفا واستسلاما.
ـ موت مؤسسة الحرب، مع امتلاك أفظع مخزون من السلاح وهو تناقض جاءت به القنبلة الذرية؛ فقد كانت الحرب تأتي ربما ببعض الثمرات الجانبية، ولكنها اليوم تفضي إلى هلاك الطرفين بل ربما نهاية الحياة على وجه الأرض.
وقد يحدث هذا في غلطة قابلة للوقوع مثل كل حماقات الجنس البشري، ومنه تشديد الغرب على مشكلة أن لا تتسلح إيران بسلاح نووي؛ لأن وقوع حرب نووية في المنطقة لن تبقى في المنطقة، بل سوف يشتعل كل العالم فيصفون حسابات وعداوات القرون. ومنها حرق ألمانيا بالسلاح الصهيوني.
من هذه المقدمة المختصرة فإن قراءة بعض فصول التاريخ مهمة في ضوء مذابح سوريا: حماة ـ درعا ـ كرم الزيتون ـ الحولة..
في التاريخ الأوربي حصلت مذبحة مروعة في باريس عرفت بمذبحة القديس بارتولوميوس، حين تخلص الكاثوليك من البروتستانت المعروفين بالهوجنوت؛ فكانت عاقبتها مروعة على فرنسا قادت إلى انفجار الثورة الفرنسية العلمانية تحت شعار اشنقوا آخر إقطاعي بأمعاء آخر قسيس كما قال فولتير. وهاجر علماء الهوجنوت إلى ألمانيا فقدرتهم وأغنوا الثقافة الألمانية علما وتقدما، وهو ما حصل من قبل مع علماء القسطنطينية ورحيلهم لأوربا، أو اليهود والمسلمين في مغادرة أسبانيا والبرتغال.
بدأت المذبحة في ذكرى قديس اسمه بارتولوميوس فكانت القداسة نجاسة والطهر عذاب.
يروي التاريخ أن المجزرة بدأت عندما عُلِّمت بيوت الهوجنوت سرا، وأحكم إغلاق باريس، وقرعت أجراس الكنائس في الثالثة صباحا من يوم 24 أوجست عام 1572م، وكان الشعار: اقتلوهم جميعا!!
وينقل ديورانت المؤرخ أنها كانت فرصة لتصفية الحسابات، فيقتل أي إنسان على الشبهة، أنه من الهوجنوت، بمن فيهم من يريد التخلص من زوجة بغيضة، أو جار غني، أو فيلسوف مفكر، كما حدث بذبح المفكر راموس.
quot;وجر الهوجنوت وأبناؤهم إلى الشوارع، وذبحوا ذبح الأنعام، وانتزعت الأجنة من بطون الأمهات القتيلات وهشموا، وما لبثت الجثث أن تناثرت على أرصفة الشوارع، وأخذ الصبية يلعبون فوقها، ودخل حرس الملك السويسري المعمعة وراحوا يذبحون في غير تمييز للذة الذبح الخالصةquot;
وحدث أن نبتت شجيرات الشوك البري في يوم 25 أوجست، في غير أوانها في مقبرة للأطفال، فقرعت أجراس الكنائس في باريس احتفالا بالمعجزة، فهلل الغوغاء والدهماء والحرافيش والزعران للخبر، وقالوا إنها دعوة للذبح مجددا، وهكذا عادوا للذبح مرة أخرى.
وحصل هذا في مناطق متعددة من كل فرنسا، في ليون وأورليان وديجون وتور وبورج وأنجيه وروان وتولوز فبلغت أكثر من ثلاثين ألف ضحية في تلك الأيام، ما يقابل مليون من الأنام هذه الأيام.
وحين وصلت الأخبار إلى روما، هلل القوم، ومنحوا البركات والليرات لمن أوصل البشارة، وأضيئت روما كلها بالأنوار، وأطلقت المدفعية ابتهاجا من قلعة سانت أنجلو، وقرعت الأجراس في ابتهاج، وحضر البابا جريجوري الثالث عشر وكرادلته قداسا مهيبا احتفالاً بالنصر المبين على الملاحدة، شكرا لله على هذا (الرضا الرائع الذي أبداه الرب للشعب المسيحي)، وأنقذ فرنسا والبابوية من خطر عظيم، وأمر البابا بضرب ميدالية ذهبية خاصة تذكارا لهزيمة الهوجنوت وذبحهم، وأوعز برسم صورة في الصالة الملكية في الفاتيكان، وتحتها البابا يوافق على قتل كوليني؟
وكان الأخير أهم زعماء الهوجنوت.
ولم تكن فرنسا الوحيدة التي خاضت الحروب الأهلية من عام 1562 حتى 1594م؛ فقد شربت ألمانيا من نفس الكأس بين عامي 1618 و1648 الذي ختم بصلح وستفاليا، ومعه زهقت روح 6,5 مليون نسمة، من أصل 20 مليوناً من الأنام، مما حدا بالكنيسة لإصدار مرسوم (نورمبرغ) الشهير، والذي فعلته مرة واحدة في تاريخها، بإباحة تعدد الزوجات، استنادا على العهد القديم، أن سليمان تزوج 899 من الحرائر.
وتكررت الحرب الأهلية في بريطانيا بين عامي 1642 و1648 وطارت رؤوس ملوك فيها.
ولم تنجو أمريكا ولا أسبانيا ولا تركيا ولا اليونان ولا روسيا من الحروب الأهلية؛ فيبدو أنه ما من قرية إلا هي وفق قانون التاريخ مهلكة قبل يوم القيامة أو معذبة عذابا شديدا، كان ذلك في الكتاب مسطورا.
وهو قدر ثقافي وليس إعادة عابثة لقوانين الطبيعة الجامدة، ولا مذنبا يصدم الأرض على حين غفلة؛ بل هو إفلاس أخلاقي، ووباء فكري، وحداته المرضية من مكروبات الأفكار، التي يروجها الرؤوس الدينية، بما تلبس من عمائم بيضاء وسوداء وطواقي وطرابيش وطيلسانات ولفائف، وأفكار يعجز عن ترويجها الشيطان الرجيم.
الدين ملح للإنسان مثل ملح الطعام في تأسيس البوصلة الأخلاقية عند الفرد، فإذا تحول إلى مؤسسة أصبح وحشا كاسرا مخيفا.
سلوا محاكم التفتيش التي عمرت 520 سنة؟
سلوا من قطع أطراف الحلاج ومن قتل السهروردي؟
سلوا السنهدرين الذي حكم يسوع بالصلب وطعن الفيلسوف سبينوزا بعد 1800 سنة بسكين في الرقبة؟
سلوا الستازي والكي جي بي والسافاك والساماك والموساد والنازية والبعثية والشيوعية والفاشية..
إنها مؤسسات دينية مقيتة تتكرر في كل عصر.