بعد مذبحة الحولة في 25 مايو 2012م يبرز السؤال الملح من هو الحاكم الفعلي في سوريا؟ ذلك الذي يوجه دفة الأحداث ويريق الدم؟ كما سألت الملائكة الرب في مواجهة برنامج خلق آدم: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون؟
هنا تنبع فلسفة كاملة عن المعنى الوجودي لخلق آدم وانتشار نسله على وجه الأرض يقتتلون.
قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فيها مستقر ومتاع إلى حين.
سؤال ملح كان يؤرقني من يحكم سوريا فعلا؟ وما طبيعة الحلقة الداخلية التي تمسك بقبضتها رقبة الشعب السوري النبيل؟
كنت أظن وليس ثمة معلومات مؤكدة تتسرب من داخل هذا التركيب الغامض، حتى وقع بين يدي بحث نشرته مجلة در شبيجل الألمانية تتكلم عن طبيعة هذه الحلقة الداخلية، وهو ما قوى عندي ذلك الهاجس العميق ونوعية الأشخاص الذين يديرون البلد من وراء ستار.
كنت أحدث من حولي منذ أمد بعيد أن هناك مجلس سري هو من يقود البلد إلى الهاوية، حتى تقوى عندي هذا الظن مع الأخبار التي تسربت من التقرير.
لا أريد أن أقول أنه عين اليقين ولكنه يلقي الضوء على مجريات الأحداث في الحرب العالمية التي تدور حول مفتاح دمشق.
قال التقرير أن الحلقة الداخلية محكمة جدا، ولا يتسرب منها إلا النزر اليسير من الأخبار، وعن طريق نفر من المقربين، ممن أتاحت لهم الظروف فهم كيف تشتغل الآلة الجهنمية التي تقود البلد حاليا في خطة انتحارية إلى الهاوية.
وما أدراك ماهيه نار حامية.
أول ما يطالعنا في التقرير أن بشار الأسد يشكو كثيرا أنه لا يستطيع اتخاذ أي قرار في وجه والدته!! فمن هي والدته؟
يقول التقرير إنها أنيسة مخلوف وهي زوجة الرئيس الدموي السابق حافظ الأسد.
يقول التقرير أيضا أن هناك شيء متناقض يجمع بين حلف من الحربيين اللذين يقودون حملة الدهم والاعتقالات والتعذيب والقتل والنسف. وصلت أرقام المعتقلين بين 70 ـ 300 ألفاً .
إنهما الثنائي آصف شوكت مع النزق الغضوب العصابي ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة، ووريثها من عمه رفعت الأسد مدمر حماة عام 1982م. وصف الرجل أي ماهر بأنه سهل الاستثارة فقد أطلق الرصاص على صهره شوكت ـ زوج الأخت الوحيدة بشرى ـ عام 1999م في حفلة ملاسنة.
وكذلك هو صراع فصيلة السنوريات.
يقول التقرير أن تدمير حمص كان بيد شوكت، ولكن بعد أن أصبحت تحت يده أقسام من الفرقة الرابعة المشهورة بالتسلح والقمع؛ فقد تنازل ماهر لشوكت عن بعضها مقابل استباحة ونسف حمص التي كانت أوامر تدميرها تتم بيد آصف شوكت.
يقول التقرير أيضا أن قمة الهرم الحاكم مكون من تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون، منهم من هو معروف شخصيا ومنهم المجهول للناس معروف للعصابة والخاصة.
المهم أن طبيعة التركيب الداخلي مجهول تماما، ولا يمثل بشار إلا واحد من كارتيل المافيا (هكذا وصف التقرير العصابة الحاكمة) ولكن عليه أن يوقع القرارات ولو كان مرغما، أو نصف راضي، فقد ركب ظهر الشيطان إلى الهاوية ولا وزر.
يبقى خلف الطاقة وجه ناعم يذكر بقصة الميدوسا الغرغونية من الأساطير اليونانية. إنها هي من تحرك من خلف الكواليس: السيدة الأولى التي حافظت على اللقب، وطردت الحمصية البئيسة زوجة بشار التي انضمت للعصابة في طمع وحماقة.
إنها تذكر بألينا زوجة تشاوسسكو فهي من كانت خلف صعوده وجبروته، ثم خلف انهياره وإعدامه، لذا أعدمها الثوار في حفلة ثنائية مع زوجها المسخوط فلم يعثر لهما على قبر.
أتذكر من القرآن قصة الإفك فهي تعطيني دوما مفاتيح الفهم. كما أذكر كتاب العبودية المختارة للفرنساوي أتيين ديه لابواسييه حين يفكك آلة الطغيان وكيف تعمل؟ فهي كما قال الرب رهط يتقاسمون الجريمة ويغرقون فيها جميعا؛ فلا يجدون مخرجا إلا بخروج الروح.
يقول لابواسييه هم ستة ربما سبعة، وفي القرآن تسعة؛ (وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون). ربما من أجل التصويت إذا اختلفوا وأشهروا الخناجر والغدارات كما هو معروف في جلسات القراصنة؛ فيحصل التصويت وغلبة الأصوات.
إنها ديمقراطية القراصنة وكارتل المافيا كما نرى.
في هذا المجلس التسعوي تحت إمرة كل واحدة عشرة. وكل واحد من العشرة بإمرته مائة. وكل واحد من المائة ألفا. هكذا تمشي السلسلة الجهنمية كما في توزع الأعصاب في الجسم. وهو يفسر لنا عسرة مخاض الثورة السورية من طرف.
ولأن الأفراد اختزلت إرادتهم في إرادة الضابط. والضباط في إرادة جنرال. والجنرالات في يد واحد من الرهط المفسدين فما أسهل شد الشبكة الجهنمية كما يقول لابواسييه.
إنهم مثل الشبكة العصبية في الجسم، بفارق أن الدماغ السياسي في سوريا ربما مكون من تسعة نويرونات (Neurons) وليس مثل دماغ ابن آدم بمائة مليار خلية عصبية، خلفها شخصية مستقلة بروح من الله.
يقول القرآن عن حادثة الإفك أن من جاء به عصبة (إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم) وليس ثمة فرد منفرد؛ فآلة الطغيان في العادة بنا ء مركب، وفي المثل السوري يمثل الطبيب الأعشى الواجهة البئيسة.
ثم يقول القرآن ثانيا أن الإفك الذي جاؤوا به ليس شرا كليا (لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم) بل فيه خير، وهنا تنبع فلسفة كاملة عن الخير والشر وجدليتهما في الوجود.
الفيلسوف الرواقي مثلا ابيكتيتوس لا يرى في هذا الكون من شر على الإطلاق بما فيه الموت.
ثم يقرر ثالثا المسئولية فيوزع الإثم مقابل الأدوار: (لكل أمريء منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم). وكذلك هي الأوضاع في سوريا؛ هناك البيادق الصغار العابثين التافهين الذين يحرقون ويسرقون، مثل جنود فرعون في كل مكان وزمان.
وهناك من تولى عظيم الأوامر كما كان يفعل النازيون الذين قاموا بالخطيئة كلها ثم كرروا نفس المقولة في محاكمات نورمبرغ إنها الأوامر ولم يكن علينا سوى التنفيذ ولو بالحرق والسلب والنهب.
في القرآن تأكيد لا يمل من تكراره إن الآخرة هي دار القرار وأن الحساب فردي فلا تظلم نفس مثقال ذرة. وكلهم آتيه يوم القيامة فردا.
لقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وما نرى معكم شفعاؤكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون.
هذا الكلام ينفع لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، أما أولئك الغافلون فلو فتح لهم في السماء بابا فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون.