في 17 ديسمبر 2011م توفي أخيرا الزعيم الكوري الابن باسم (القائد المحبوب) بعد أبيه (باسم القائد الأبدي) ليأتي الحفيد باسم (القائد المميز) ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.
وبذلك تحولت كوريا إلى جملوكية بامتياز كما هو الحال في جملوكيات العرب (قبل الربيع العربي) التي تتشيخ ويأذن الله لشمسها بالأفول.
إن حكايات الأصنام الكورية طويلة.
لذا كان لابد من استعراض تاريخ الزعيم الراحل الزعيم المحبوب؟!
أذكر جيدا عندما خُسفت الأرض بصدام المصدوم كان حزن الابن (كيم يونج II Kim Jong) كبيرا فقد اختفى لمدة خمسين يوماً عن الأنظار، ثم ظهر على الناس ليقول: إذا كانت أمريكا تظن أننا سوف نتخلى عن أسلحتنا فخطؤها كبير.
وعادة الاختفاء هذه قام بها من قبل آلهة الإنكا، أو بتعبير الفيلسوف البليهي (هالة الغموض وسحر الغياب).
وفي علم النفس التحليلي يقول (سكينر B.F.Skinner) في كتابه (ما خلف الحرية والكرامة Beyond Freedom and Dignity) أن هناك (علاقة عكسية بين مقدار التقدير ووضوح الأسباب)، وأن مقدار ثنائنا على شخص يدير جهازا معقدا هي من غموض العملية أمامنا؛ فإذا عرفنا سرها تبخرت هالة الشخص.
ويشرح (روبرت غرين) في كتابه (شطرنج القوة) أن علم الدجل يقوم على خمس درجات:
ابق الأمر غامضا ـ ركز على البصري والحسي أكثر من الفكري ـ اقتبس طقوس الدين ـ موِّه مصادر دخلك ـ أما الخطوة الخامسة فأقم حركية (نحن) ضد (هم).
وهو ما اعتمده الطاغية الكوري: دمروا الإمبريالية الأمريكية.
وهو ما تنادي به إيران وحزب الله ومعهم الأسد الصغير.
تحت هذا القانون فقد اختفى الرجل مع حداد والده ليس ثلاثة أيام عددا بل ثلاث سنوات، ثم خرج على الناس فقال: إن التاريخ رحم ينجب العباقرة مرة واحدة، ثم قام بحركة مسرحية فاستغنى عن منصب الرئاسة، وقال هناك قائد واحد (أبدي) هو أبي (كيم سونج)، واتخذ لنفسه اسماً متواضعاً (القائد المحبوب)؟ والآن يمنح اللقب الجديد للابن (القائد المميز).
أما العصابة من حوله فقد سمته الرمز والأمل، والمخلص، وهدية السماء إلى الشعب الكوري، والمهندس الأعظم في كل الأزمنة، والمخرج السينمائي الذي لن يلحقه فنان، والموسيقى الموهوب الأمهر بين كل نوابغ الموسيقى، وأن ملكه لا ينبغي لأحد من بعده.
قريبا من (بيونج يانج) العاصمة أقيم متحف فيه 200 غرفة بأشد إضاءة ممكنة لبلد يحتاج شمعة، وداخل المتحف صور تعظيم الأب (القائد) والابن (المحبوب) بـ 49808 قطعة مهداة من 170 دولة مثل بارودة صيد من بوتين رجل المخابرات الروسي، وشماغ من ياسر عرفات، وحقيبة من جلد تمساح من كاسترو الفرد الصمد، أو دب اصطاده طاغية رومانيا تشاوسيسكو بنفسه وحفظه محنطا فأهداه للرفاق.
أما خارج العاصمة حيث يرتفع تمثال الأب بأعلى من ناطحة سحاب فلا شيء يعمل، والشيء الوحيد المتماسك هو الجيش والمخابرات، والشيء الوحيد الذي يصدرونه هو تقنية الصواريخ، وفي هذا قاموا بتبادل فني مع باكستان فأعطوهم الصواريخ، وأخذوا منهم التقنية النووية، على يد (روبن هود) العصر النووي العالم الباكستاني (عبد القادر خان) الذي زاد مشاكل العالم مشكلة، وأدخل الشرق الأقصى رحلة سباق تسلح.
وقصة الطاغية في كوريا الذي لوح بالدمية النووية ترجع إلى عهد ستالين، فقد نصب الشيوعيون والده (كيم سونج الثاني Kim II Sung) على كوريا الشمالية عام 1948 م الذي حكم مثل جنكيزخان لمدة 46 سنة حتى نفق عام 1994م، ثم جعل الحكم الثوري ملكيا، وهي بدعة كما نرى ليس العرب السابقون بل المقلدون، كما هو الحال مع الثوريين العرب الذين جاءوا حفاة عراة فتركوا لأولادهم العروش الملكية بعباءة جمهورية فضفاضة.
وكيم يونج الذي نفق في ديسمبر 2011م يحب النساء السويديات حصرا ذوات السيقان طويلة، وتحت تصرفه سيارة مرسيدس بقيمة عشرين مليون دولار، وينطلق في شوارع (بيونج يانج PJOENGJANG) مع مسدس يتسلى به في إصابات أنوار أعمدة الكهرباء، وأكثر ولعه بأفلام الرعب وجيمس بوند، وفي مكتبته 20 ألف فيلم غربي، وحينما أعجبته الممثلة (شوي اون هوي Choi Un He) عام 1978م خطفها من هونج كونج ثم ألحق بها المخرج (شين سانج أوك Shin Sang Ok) حتى تمكن الاثنان من الفرار لاحقاً من جمهورية الجوع.
وفي سجل (القائد المحبوب) أنه قتل عام 1974م زوجة رئيس كوريا الجنوبية (بارك شونج هي Park Chung Hee) ـ كما في قصة قتل الحريري في لبنان ـ وأكملها بقتل حفنة من الوزراء (الكوريين الجنوبيين) كانوا مجتمعين في رانجون عاصمة بورما عام 1983م ، وثلَّثَّها بقتل 115 بريء على ظهر طائرة كورية جنوبية، كما في قصص قتل جنبلاط ومعوض وحسن خالد وسليم اللوزي رئيس تحرير مجلة الحوادث على يد الرفاق السوريين على يد مغنية وأتباعه وهم يغنَّون، الذي جاء أي سليم اللوزي إلى جنازة أمه في بيروت فلحق بها بعد أن كسرت المخابرات السورية أصابعه التي بها يكتب، بعد أننشر عددا على صفحة غلافه كاريكاتير لحافظ الأسد وتحت جملة لماذا يكذب النظام فصدق بقتله، وهو مصير كاد أن يلحقني حينما ذهبت لجنازة والدتي في بلد عربي ومن نجاني كان جواز سفري الكندي؛ فلا أمان في غابة العروبة لقط أو طير.
والمشكلة عند (القائد المحبوب) التي ليس لها حل إلا بجراحة (إليزاروف) في طوله 160 سنتمتر، ولذا فكان ينوِّع أشكال روافع الحذاء بأكثر من أحذية النساء بدون فائدة، ويستعين عن قصر القامة بلبس بدلة طويلة؟ ويحكم البلد مثل مافيات المخدرات؛ فيتاجر بكل شيء بما فيها تزوير الدولار، فليس من مهنة قذرة ولو كانت قاذورة.
ويبدو أن الطغاة العرب ليسوا النموذج المتفرد في العالم فهناك ما يعزيهم ويغريهم من بقايا جيوب ستالينية في بورما وكوريا الشمالية وكوبا كي يعلنوا البيعة الأبدية لأنفسهم، وتكرار الانتخابات المزورة مثل حبات المسبحة في ثلاث وثلاثين انتخابا، حتى يضطر الشباب أن يصرخوا في المظاهرات كفى، ويلبسون قمصانا كتب عليها quot;لا لإعادة الانتخاب .. لا لوراثة الحكمquot;. بعد أن استعد حسب الله السادس عشر للانتخاب الخامس. وهو ليس الوحيد في غابة العروبة.
فلم يهنئه الله ولا ذراريه من بعده إلا بقفص وحبس، أو قذافي مقذوف باللهب وصدام مصدوم مشنوق، وبشار منتحر في الغالب أو منحور. وبن علي شقي فار، وصالح بدون صلاح وصلاحية.
قبل أن يموت الزعيم المحبوب كذا؟ احتشدت كل طاقة كوريا الشمالية من أجل حدث جلل في عيد الاحتفال بمولد كيم يونج الثالث بعد الستين (63) ، وجاءت التعليمات خاصة للنساء أن لا يزيد طول شعر الواحدة منهن عن 7 سبعة سنتمتر.
قبل ذلك في مطلع فبراير عام 2005م أعلن القائد المحبوب أن كوريا الشمالية أصبحت دولة عظمى فقد امتلكت السلاح النووي؟
كما نقرأ في عناوين الجمهوريات العربية الاشتراكية الديموقراطية الشعبية .... الخ!!
نحن نعلم أن السلاح النووي هو صنم يضر ولا ينفع. وبتعبير (فؤاد زكريا) في كتابه (خطاب إلى العقل العربي) إنها أسلحة مميتة ليست للاستخدام ولكن لماذا ينتجوها؟
الدول المعروفة حتى اليوم والتي تملك السلاح النووي هي ثمانية وتملك ما تدمر الكرة الأرضية وتفني البشر عدة مرات. وإفناء البشر مرة واحدة كافي، وتنضم كوريا الشمالية الآن إلى نادي الأشرار النووي ببضع قنابل قابلة للزيادة، بعد أن أعلنت انسحابها من اتفاقيات الحد من انتشار الأسلحة النووية. ثم لوحت بصاروخ (رودونج ـ واحد Rodong I) طار فوق رؤوس اليابانيين يئز أزا.
وعداواتهم مع اليابانيين قديمة وشديدة، وكيم سونج الوالد قاد حرب التحرير في الحرب العالمية الثانية ضد اليابانيين تحت تدريب وأموال وتوجيه ستالين، حيث ولد هناك (كيم يونج) في معسكر روسي للتدريب في منطقة نائية في (شاباروفسك Chabarowsk) ثم فقد والدته عام 1949م ليصبح تحت وصية زوجة والده (آي Ae)، وكلمة آي هي الوجع في اللغة العربية وكذلك كانت له عدوا وحزنا، فقد حاولت ـ أي زوجة أبيه ـ أن تدفع بابنها لتسلم العرش بعد موت سونج الثاني، ولكن (كيم يونج) استطاع عام 1974م بشراسة ودهاء أن ينتزع العرش لنفسه، ثم يتولى قيادة المخابرات، ومن حكم المخابرات في عالم المافيات الاشتراكي فقد حكم البلد، كما هو الحال في جمهوريات الخوف والبطالة عند العربان.
وقبل ذلك بسنتين عام 1972 قام بحذف تعريف كلمة (الحكم الوراثي) في القاموس الكوري الذي نص على أنه quot;نظام رجعي نهابquot; فكسب القاموس كلمة وخسر الواقع حقيقة.
وغلطة أمريكا مع بقايا الطغاة في العالم أنها بدأت في الحلقة الضعيفة من السلسلة حيث بدأت بصدام وتريد الآن إيران، والأهم حسب رأي الكاتب الأمريكي (بوب وود وارد Bob Woodward) في كتابه المعنون (خطة الهجوم Plan of Attack) كان التخلص من أخطر الديكتاتوريين في كوريا الشمالية، وأمريكا تعلم علم اليقين رحلته في الوصول إلى السلاح النووي، من خلال عملاء ألمان حاولوا توصيل تقنية فصل غازات اليورانيوم إلى القذافي ولكن الأخير فتح بلده خوفاً من أمريكا وحافظ على عرشه (مؤقتاً) قبل أن تأتيه طيرا أبابيل فجعلته عصفا مأكولا.
الديكتاتور الكوري القصير كما هو الحال مع ملالي إيران يظنون أن السلاح النووي يقي الدول الاستبدادية من السقوط ولو عمرت على الظلم وأشلاء المعذبين. ولكن انهيار الدول يأتي من الداخل، وعندما انهارت دولة أشور لم ينقصها عتاد أو تقنية.
والاتحاد السوفيتي انهار بدون هجوم خارجي، وهو يملك أسلحة تدمير الكون مرات، وكان أقوى من كوريا بعشرة آلاف مرة.
ومشكلة الطغاة في كل مكان هي واحدة فقد سئل القذافي عن معنى الديموقراطية فقال إن أصلها عربي (ديموكراسي) أي الديمومة على الكراسي؛ حتى جاءه أمر الله فالقي عليه القبض في مجرور وقتل مهانا ذليلا، وهو الذي نعت خصومه بالجرذان، وأنه لو كان رئيس جمهورية لقذف باستقالته في وجوههم؛ فقذفه الله برمح لايخيب.
وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى.
يقول الرب سأصرف عن آياتي الين يتكبرون في الأرض بغير الحق، وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها، وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا، وان يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا، ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين.