الحلقة الاولى

وعدنا القارئ بعرض 24 زاوية من الثورة السورية نصفها في الجانب السلبي و12 عنصرا في الجانب الإيجابي.
كانت العناصر الثلاث الأولى: الشرخ السني ـ الشيعي ـ العلوي من خلال ذاكرة مثقلة بالسلبيات ـ 2 ـ انفجار نار الأحقاد والغرائز البدائية: 3 ـ البديل الغامض؟

أما العناصر الثلاث الأولى الإيجابية أو هكذا نزعم فكانت:
1ـ التغيير تم ويتصاعد، وهو نفسي قبل كل شيء، من تحول داخلي بحت:
2 ـ انكسر حاجز الخوف: 3 ـ نهاية عصر الحاكم الإله!

وفي الحلقة الثانية من البحث سوف نستعرض بقايا العناصر الستة مزدوجة متقابلة.

الآثار السلبية
4 ـ كلفة الثورة باهظة جدا والفاتورة مرعبة:
معنى هذا الكلام أن ما حدث في المنطقة العربية أن أي حركة اعتراض أمامها إشارة حمراء: ثورة سوريا المكلفة.
وهذا ليس أكيدا لمناطق أخرى في العالم العربي ولكنها النموذج الدموي الأفظع الأرعب.
(مع كتابة هذه الأسطر مع ديسمبر 2012م تجاوز رقم القتلى رسميا حافة أربعين ألفا وقد يكون ـ وهو أكيد ـ الرقم أكبر (حسبما رواه لي برهان غليون رئيس المجلس الوطني السابق في حدود 150 ألف؟).
كما تم تدمير ملايين المنازل بما يذكر بالزلازل المتعددة وكأنها كارثة كونية من السماء فضلا عن نزوح الملايين وعشرات الآلاف من المفقودين والمختفين والمعتقلين).
تأمل قوله تعالى من سورة الأنعام(قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون؟) تأمل الفقرة الثالثة جيدا
هذا اليوم جاءتني الأخبار أن شقيق داعية السلام (جودت سعيد) محمد قتله قناص من الجيش الأسدي في أغلب الظن. كما نسف بيت أخته بصواريخ الكتائب الأسدية وكذلك بيت أخيه وابنه. ما يحدث هو ضرب من الجنون المضاعف. يدخل المنطقة الجيش الحر. يعقبه قتل وقتال. الجيش النظامي مدجج بالسلاح الثقيل فينسف كل مكان تحرك للجيش الحر.
وصف (عناد) مدير مكتب وزير الداخلية المنشق لقناة العربية (تراجع المقابلة في اليوتيوب) الأوامر اقضوا على أي اعتراض بأي طريقة؟ وحين يحاول رئيس مركز شرطة أن يفهم جملة (بأي طريقة) يجيبه وزير الداخلية شفهيا (وليس خطيا!) بأي شيء؟ ألا تفهم شنقا قتلا حرقا غرقا واعتقالا أي شي! المهم لا أريد أن أرى أي أثر لأي مظاهرة واعتراض.
روى لي (علوي) صديق لي وهو يصف النظام الأسدي بعد أن شتم العائلة وتبرأ منها أن طينته من إبليس. المثل على ذلك أن رئيس المخابرات الجوية يقول بإمكاننا قلب النسبة الديموغرافية في سوريا لصالح العلويين بإبادة عشرة ملايين من السنة؟
عقب صديقي العلوي فقال يجب أن تعرف حجم الجنون عند الجنرالات العلويين! وهو ليس امتيازا للعلويين بل مرض ثقافي في الطرفين.
يعقب متألما إنها تذكرة ذهاب إلى الجحيم وحرب وجودية.
5 ـ نجح النظام السوري في جر الثورة إلى اللاءات الثلاث المضادة:
كانت الثورة تقول لا للعنف فتحولت من مظاهرات سلمية إلى ثورة مسلحة . كانت الثورة تقول لا للتدخل الأجنبي وهي الآن ترحب بأي تدخل لينقذها من المقصلة الأسدية. كانت الثورة تقول لا للطائفية والآن الاقتتال في أحد أشكاله طائفي. بين مناطق وقرى موالية وأخرى ضد (أقسام من سهل الغاب ـ طرطوس ـ قرى اللاذقية ـ الحي 86 في دمشق يشكل خزانا بشريا للشبيحة!)
6 ـ نمو التطرف الحدي:
والمضي إلى آخر الاتجاه المضاد وتبخر العقلانية في الحوار والخطاب. كلا الطرفين يعتبر الآخر شيطانا مريدا. لذا لا حوار مع النظام. (اقترح الخامينائي في مؤتمر طهران نوفمبر 2012م أن يعلن الثورة التوبة ويسلموا أسلحتهم ويبدءوا في الحوار مع النظام؟) إسقاط كل النظام بكل رموزه ومؤسساته الأمنية. السبب هو أن الأضداد تستدعي بعضها بعضا فالنظام أمني وما زال يؤمن بالحل الأمني والانتصار عسكريا لضبط الأوضاع (حلب تدمر فيها 40% وفي قناعتي أن 80% من دمشق سيدمر في معركتها الوشيكة، ولن يبقى حجر على حجر في سوريا، والقتلى سيرتفع عددهم إلى مئات الآلاف! ولكن الثورة ستنتصر والخوف هو من مرحلة ما بعد انهيار الدولة والنظام)

الآثار الإيجابية
4 ـ ولادة أخلاقية للأمة وانصهار جديد للأمة:
كان السوريون إذا اجتمع منهم أربعة ظنوا أن رابعهم مخابرات! وما يكون من نجوى ثلاثة إلا والمخابرات رابعهم ولا خمسة إلا سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا كانوا معهم يكتبون التقارير السرية، ويعتقلون على الشبهة، ويجلدون أبشار الناس بأذناب الخيل ويحرقون جلودهم بأعقاب السجاير.
الآن إذا اجتمع سوريان شمشموا بعضهم ليعرف أحدهم الآخر نوعية الشحنة التي يحملها سالب أو موجب؛ مع الثورة أو ضدها.
لقد خسرنا صداقات ومن كان يصلي بجنبنا وكسبنا أكثر منها لأناس لا يصلون بعد تميز المنافقين عن المؤمنين. بل ومسيحيون وعلويون (كما في صديقي الذي اجتمعت به في جبال عسير وهو ليس الأول) ودروز وأخلاط من الأكراد وأقليات شتى.
هنا الصلاة والعبادة هي الحرية.
5 ـ عصر الشعوب بدأ:
وهو نور سيعم العالم. سوريا ستغير العالم. إنها عملية تغير ثقافية. إن النفوس تتغير بنار المحنة. الجميع أحجم عن مساعدة هذا الشعب الأسطوري الذي علم العالم جميعا الصمود والتضحية والإصرار على الإطاحة بنظام جهنمي دموي لا يستحق مكانه إلا في ظلمات التاريخ ومزابل الجغرافيا.
إنه يذكر بقصة المزرعة التي رواها أورويل عن ذراري الخنازير لما استباحوا المزرعة؛ فسخروا الحصان، وسرقوا بيض الدجاج، وتناسلوا وتناكحوا وتكاثروا حتى ملئوا المزرعة، وجندوا أشرس الكلاب للعضاض! حتى توحد جميع المظلومين ضدهم فكانت نهايتهم ودفنهم.
6 ـ ثمن الحرية ومذاقها:
ليس ثمة رجعة عن الثورة. إذا عاد الثوار إلى بيوتهم فليس ثمة إلا اثنان: العبودية أو الحرية. النظام ليس عنده سوى كلمتان: استعبدكم أو أقتلكم!
أفهم استمرار الناس في الكفاح والمظاهرات وتحمل أقسى ألوان العذابات. سببه الإدمان .. نعم ما يشبه أثر المورفين الإدمان على الرقص والاحتفالات تحت أزيز الرصاص ورجم المدفعية فهو مذاق لذيذ لا يعرفه إلا الأحرار.
شبيه بهذا قصة أثينا وفارس من القرن الخامس قبل الميلاد فقد جاء في كتاب العبودية لآتيين دي لابواسييه وهو كتيب كتبه شاب في 28 من العمر قبل خمسة قرون عام 1562م ولم ير النور في فرنسا إلا بعد 180 سنة وعندنا بعد أكثر من 400 عاما (نشرناه في كتاب مستقل بعنوان فقد المناعة ضد الاستبداد)
جاء في الكتاب أن أثينا أرسلت رسولين إلى فارس للتعويض. كانت فارس في غزوها لبلاد الإغريق قد أرسلت رسولين يقولان لأهل أثينا أعطونا الماء والتراب. كناية عن الاستسلام الكامل!
نظر أهل أثينا في بعضهم ولم يصدقوا مثل هذه الوقاحة؛ فقتلوا السفيرين.
ندمت أثينا بعد انتصارها على الجيوش الفارسية الضخمة برا وبحرا في معركة سلاميس فأرسلت اثنين من المتطوعين يفعل بهم عاهل فارس ما يشاء.
انطلق الرجلان حتى وصلا منطقة الحدود فأكرمهما العامل هناك ثم التفت إليهما في حفلة عشاء فاخرة وقال هل لكما أن تصبحا عبيد سيدي؟
التفت رجال أثينا وضحكا وقالا يبدو أن صاحبنا ومن معهم من عبيد فارس لا يعرفون الحرية بعد!
قالا للحاكم يا صديقنا إننا نشكرك على المائدة العامرة ولكن يبدو عليكم معشر الفرس أنكم لم تذوقوا الحرية بعد، ولو ذقتموها مرة وعرفتم طعمها قاتلتم عنها بأنيابكم وأظافركم والكوع والبوع ولكنكم لم تذوقوها بعد.
الشعب السوري ذاق الحرية وفي قناعتي أنه وبعد أن يتحرر سوف ينسى كل التعب، ويبني الجمهورية الفعلية المحررة من الطغيان، وأن كل ثمن للوصول إلى شاطئ الحرية يعدل خروج بني إسرائيل من نير فرعون إلى الأرض المقدسة التي كتب الله لهم أرض الحرية للأحرار.
هل نفهم لماذا جاء سفر الخروج في التوراة؟ هل نفهم لماذا يحتفل اليهود بيوم عاشوراء ولماذا قال نبي الرحمة ص نحن أولى بالاحتفال!
إنه يوم الخروج من سفر العبودية إلى فضاء الحرية وتدمير فرعون ومن معهم وما كانوا يعرشون.
الله أكبر حين نسمع خبرا حرية سورية وتدمير نظام الأسد وعصابته الفرعونية.
حسب (كولن ولسن) في كتابه اللا منتمي أن رجلا شقيا عوقب بالسير خمسة ملايين كيلو متر، ثم سمح له بدخول الجنة. فلما رأى تلك الكرامة ردد فقال: أنا مستعد أن أعيد العذاب أضعافا مقابل أن أصل لهذه الكرامة.