أثار اختيار جون كيري من قبل ساكن البيت الأبيض لقيادة الديبلوماسية الأمريكية خلال السنوات الأربع القادمة، ردود فعل متباينة سواء في واشنطن أو خارجها. وتعددت التقييمات المتعلقة بالسيناتور الديمقراطي السابق ومرشح حزبه لانتخابات الرئاسة الأمريكية لسنة 2004.
كما تنوعت آراء المحللين بشأن التوقعات المتعلقة بأداء وزارة الخارجية خلال ولاية أوباما الثانية. لكن هناك شبه إجماع على أن جون كيري هو صديق quot;حميم جداquot; لإسرائيل ولطبقتها السياسية. وهو أيضا مدافع شرس عن سياساتها في المنطقة. ومستعد للذهاب بعيدا في مساعدتها على تحقيق أجنداتها.
الإستيطان
ويؤكد أغلب الخبراء والمحللين على أن السيناتور كيري يتفوق في ولائه لإسرائيل حتى على مادلين أولبرايت وكوندوليزا رايس اللتين عرف عنهما دعمهما الكامل لتل أبيب خلال العقدين الأخيرين. وخصوصا الأولى، التي ساهمت بقسط وافر، خلال ولاية بيل كلينتون الثانية، ومن ورائها اللوبي الصهيوني في واشنطن، في إجهاض جميع الجهود التي بذلت لتحقيق quot;السلامquot; في الشرق الأوسط خلال الولاية الأولى.
ولعل السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان، يتعلق بمدى مصداقية السيناتور كيري في تجسيم ما يجاهر به من معارضة للإستيطان على أرض الواقع، ولديه كل هذا quot;الحب الجارفquot; لإسرائيل (الذي تجسد في تمنياته سابقا وهو يتجول على متن طائرة إسرائيلية بأن تمتد أراضي الكيان الصهيوني إلى سيناء وما وراءها)، وهذا الكم الكبير من الصداقات quot;الحميمةquot; مع سياسيي هذا الكيان وعلى رأسهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي زاره كيري في بيته لتعزيته بوفاة والده.
دوائر صهيونية
لذلك فإن أغلب الخبراء والمحللين يتوقعون بأن كيري لن تكون لديه لا الرغبة (التي توفرت لدى هيلاري كلينتون) ولا الجرأة في منع إسرائيل من مواصلة quot;قضمquot; أراضي الضفة الغربية لإقامة المستوطنات التي يباركها وإن لم يصرح بذلك. وبالتالي فإن نتنياهو وحليفه ليبرمان سيجدان الطريق معبدة لتنفيذ وعودهما الإنتخابية للمستوطنين والمتمثلة في توسعة ماهو قائم وإقامة المزيد من البؤر الإستيطانية وإجهاض حلم الدولة الفلسطينية.
وتتفق أغلب التحليلات على أن دوائر صهيونية نافذة ومؤثرة في صنع القرار هي التي فرضت كيري على الرئيس أوباما، في خطوة شبيهة بما حصل سابقا مع بيل كلينتون حين فرض عليه منح حقيبة الخارجية لمادلين أولبرايت. فهذه اللوبيات تخشى عادة من الرئيس الأمريكي في ولايته الثانية حيث يكون حرا غير مقيد بالحسابات الإنتخابية والتزلف للصهيونية، ويسعى لتحقيق إنجاز ما في المجال الإنساني يخلد من خلاله ذكراه ويدخل التاريخ من أوسع أبوابه، لذلك تسعى للحيلولة دون أن تؤثر هذه quot;الحريةquot; التي يتمتع بها quot;رئيس الولاية الثانيةquot; سلبا على مصالح إسرائيل من خلال عدة إجراءات منها على وجه الخصوص إحاطة الرئيس بفريق عمل صديق لإسرائيل في عمومه.
الإخوان
ويتوقع أن لا تتغير سياسة الولايات المتحدة تجاه العالمين العربي والإسلامي خلال السنوات الأربع القادمة. فواشطن- أوباما التي دعمت وباركت وصول الإخوان إلى الحكم في بلدان quot;الربيع العربيquot; مع هيلاري كلينتون ستواصل النهج ذاته مع جون كيري. فالأخير يدرك جيدا بأن حكام دول الربيع العربي الجدد خانعون خاضعون لساسة البيت الأبيض شأنهم شأن أسلافهم في الديكتاتوريات المطاح بها ولا يمثلون أي تهديد لا للعم سام ولا لـquot;ابنته المدللةquot; إسرائيل. وليس أدل على ذلك من الرسالة quot;العاطفيةquot; quot;الأخويةquot; التي بعث الرئيس المصري محمد مرسي إلى شمعون بيريز مع سفيره الجديد إلى تل أبيب الذي أعاده بعد أن سحب في عهد مبارك.
كما أن تأكيد كيري في جلسة استجوابه بالكونغرس، بمناسبة تقديم ترشيحه لمنصب وزير للخارجية، بأن الرئيس مرسي يخدم مصالح أمريكا وإسرائيل، ودفاعه عن الرئيس المصري بشأن تصريحات الأخير بخصوص اليهود في الجلسة المشار إليها، معتبرا أن مرسي لم يقصدها، اعتبرها أغلب المراقبين دلالة قاطعة على مواصلة أمريكا واللوبي الصهيوني في واشنطن التعامل مع الإخوان المسلمين في بلدان الربيع العربي خلال ولاية أوباما الثانية. باعتبار أن هؤلاء هم خير ضامن لمصالح أمريكا في الوقت الراهن لقدرتهم على التحكم بشعوبهم بخطاب ديني ينفذ إلى أعماق البسطاء والعامة المتعطشين للنهل من الدين الإسلامي بفعل سياسة تجفيف المنابع التي انتهجتها الديكتاتوريات السابقة.