من مفكرة سفير عربي في اليابان
طرحنا في الجزء الأول من المقال، بعد أحداث الدامية في الجزائر، وقتل عدد من الأبرياء مع عدد من العاملين اليابانيين، الأسئلة التالية: ما الذي يحاول هؤلاء المتطرفون تحقيقه بقتل الأبرياء، بالإضافة لقتل أنفسهم؟ أليس من الغرابة أن تصر شعوب على ثقافة الموت بينما تبحث شعوب اخرى عن الشباب الخالد؟ لنحاول عزيزي القارئ أن نكمل دراسة المقال الذي نشره البروفيسور بيتر سنجر بصحيفة اليابان تايمز عن النضال للعيش حتى سن الألف سنة.
يقول البرفيسور سنجر في مقدمة مقاله: quot;السؤال المهم اليوم: على أي معضلة علينا أن نركز في أبحاث الطب والعلوم البيولوجية؟ فيحاور البعض بضرورة التركيز على الأمراض الأكثر شيوعا، التي تقتل الكثير من البشر، مثل الملاريا والحصبة والاسهال، وخاصة بأنها تقتل الكثير من مواطني الدول النامية، والقليل جدا من مواطني الدول المتقدمة. بينما تركز الأبحاث الطبية في الدول المتقدمة على الأمراض التي يعاني منها مواطنيها، كالسرطان وأمراض السكر والكوليسترول، ومن المتوقع أن يستمر ذلك في المستقبل القريب. ومع القيود المفروضة على هذه الرؤية، يبقى السؤال: ما هي المفاجئة الطبية التي ممكن أن تحسن حياتنا؟ ولو تصورت مبدئيا بأن المفاجئة هي في اكتشاف علاج للسرطان أو لإمراض القلب، فأرجوك أن تفكر مرة أخرى.quot;
يعتقد البروفيسور أوبري دي جرين، رئيس مؤسسة سنس البحثية، وأكثر العلماء شهرة في محاربة الشيخوخة، بأنه ليس من الحكمة أن نضيع مواردنا المالية الصحية في محاولة محاربة أمراض الشيخوخة، بدون محاربة الشيخوخة نفسها. ولو استطعنا أشفاء المواطن من أحد أمراض الشيخوخة، قد يصاب بمرض شيخوخة أخر، لتكون نتائج عملنا متواضعة في محاربة الشيخوخة وإطالة عمر الإنسان.
فمن المعروف بأن سبب الوفاة بالدول المتقدمة في 90% من الحالات هي الشيخوخة، لذلك تعتبر معالجة الشيخوخة نوع من المعالجة الوقائية، لجميع أمراض الشيخوخة، من السرطان وحتى أمراض الكوليسترول والسكري، وبمختلف إختلاطاتها من جلطة القلب وحتى السكتة الدماغية. كما أن الشيخوخة قد تؤدي، قبل الوفاة، لضعف قدراتنا على التمتع بالحياة، وتحرمنا من دورنا من المساهمة في تحسين حياة الاخرين. فهل من الحكمة أن نوقف أولا الشيخوخة، أو نصلح الاضرار التي يسببه تقدم العمر على اجسامنا، بدل التركيز فقط على الأمراض الناتجة من الشيخوخة؟ أليس مثقال وقاية خير من أطنان علاج؟
يؤكد البروفيسور دي جري بأن التطور العلمي في مجال أبحاث محاربة الشيخوخة سيؤدي لطول عمر البشر بشكل ملحوظ، وكل ما نحتاجه أن نحافظ على صحتنا وحياتنا، حتى سن، تكتشف الأبحاث العلمية سبل جديدة لاستمرار زيادة العمر. وقد علق على هذه الفكرة بقوله: quot;لا نعرف اليوم عمر الشخص الذي سيبلغ المائة والخمسين سنة، ولكن أعتقد بلا شك بأن الشخص الذي سيعيش لعمر الألف سنة، سيكون اليوم أقل من ذلك بعشرين سنة.quot;
ويعتقد البروفيسور دي جريج بأن الأغراء ليس العيش للأبد، بل تطويل عمر الإنسان بحيث أن يحافظ على صحته وشبابه، وذلك بالسيطرة على الية الشيخوخة، فبالمحافظة على حيوية الشباب بين متوسطي العمر في الدول المتقدمة، سيمكن تخفيف حدة التحديات الديموغرافية، التي ترافقت بقلة الزواج، وانخفاض عدد الاطفال في المجتمعات الغربية، بالرغم من تزايد عدد المسنين لحوالي ربع السكان، واعتماد رواتبهم التقاعدية على الضرائب التي يدفعها العاملين الشباب.
ويتساءل البروفيسور دي جري: quot;هل فعلا نحن أنانيين بهذا الحد لكي نبحث عن وسائل لزيادة عمر شبابنا، وإطالة أعمارنا بدرجة كبيرة؟ وحتى لو نجحنا، ألن تكن النتائج مربحة لنا، وفي نفس الوقت مضرة للآخرين؟quot; ويعلق البروفيسور دي جري على ذلك بالقول: quot;وفي الواقع يتمكن مواطني الدول المتقدمة اليوم أن يعيشوا 30 سنة أكثر من أقرائنهم في الدول النامية، ولو فعلا اكتشافنا طريقة لإبطاء الشيخوخة، فقد نخلق عالما يفرض على الأغلبية فيه أن يواجهوا الموت في سن معين، في الوقت الذي يكون فيه القلة الغنية قد أنهت فقط عشر حياتها.quot; ويتصور البروفيسور بأن هذه المفارقة قد تجعلنا أن نؤمن بأنه بتأخير الشيخوخة سنزيد من التباين الطبقي في المجتمع، ونقلل العدالة المجتمعية. كما أن نجاحنا في المحافظة على استمرار المسنين في العيش، سيزداد عددهم مع الوقت. كما قد يؤدي زيادة الولادات أيضا، مع المحافظة على صحة المواليد، لزيادة المسنين والأطفال في المجتمع، والذي قد يؤدي إلى تضخم سكاني كبير، مما قد يؤدي لزيادة استهلاك الموارد الطبيعية على كوكب الأرض، ويسبب خفض في مستوى حياة البشر.
وسيعتمد معالجة تحديات الشيخوخة على مدى تفاؤلنا بالتطورات التكنولوجية والاقتصادية المستقبلية، ويعتقد البروفيسور دي جري بأنه قد تكون العلاجات المضادة للشيخوخة مكلفة في البداية، ولكن مع انتشار استخداماتها مع الوقت ستنخفض هذه الكلفة، كما حدث من قبل في تكنولوجية الكمبيوتر والعلاجات الدوائية. كما أن استمرار العالم في تطوراته الاقتصادية والتكنولوجية، سيترافق بزيادة نسب الثراء بين البشر، ومع الوقت، سيستفيد الجميع من العلاجات المتقدمة المضادة للشيخوخة. كما يتساءل البروفيسور دي جري: quot;لماذا لا نعتبر العلاجات المضادة للشيخوخة هي من أحد أولويات الرعاية الصحية. وسنستطيع بتطوير العلاجات المضادة للشيخوخة أن نحافظ على السكان المتقدمين في العمر منتجين في أعمالهم. وبذلك نعطي الباحثين الوقت الكافي لاكتشاف حلول جادة لمشكلة انخفاض عدد السكان التي تعاني منها دول الغرب، وخاصة إذا اكتشفت العلوم الطبية حلول عملية لتأخير سن اليأس، لاعطاء فرصة عملية للنساء المتقدمين في السن الانجاب. ومع التطورات الاقتصادية القادمة في الدول النامية ستنخفض نسب الخصوبة، مما قد يؤدي لمشكلة إنكماش عالمي في السكان، وما يرافقه من تحديات اقتصادية وديموغرافية. وفي نهاية الأمر قد تساعد التكنولوجيات الحديثة في خفض الاعتراضات الديموغرافية، بتوفير موارد جديدة للطاقة، وبدون زيادة نسب الكاربون في البيئة. وقد نضطر هنا لطرح سؤال فلسفي: أذا كانت موارد كوكبنا الأرضي محدودة، فهل من الأفضل أن يكون هناك عدد قليل من البشر يعيشوا حياة أطول، أم عدد كبير من البشر يعيشوا حياة أقصر؟ وقد يعتقد البعض بأنه من الأفضل أن يعيش عدد قليل من البشر على كوكب الأرض وبحياة أفضل، لتصورهم بأن الذين ولدوا في هذه الحياة يعرفون بأن الموت يحرمهم من متعة الحياة، أما الذين لم يخلقوا بعد لا يعرفون ما الذي سيفتقدوه مستقبلا. ولنا لقاء.
د. خليل حسن، سفير مملكة البحرين في طوكيو
التعليقات