الكون الكلي 10

هناك فرضية انتشرت مؤخراً تقول أن الكون المرئي مجرد صورة وهمية تجسد معلومة حاسوبية، سابقة لوجوده المادي. علينا أن نعترف أن العالم المحيط بنا بالغ الغموض والتعقيد ومغلف بالأسرار والخفايا والجوانب غير المرئية، خاصة إذا نظرنا إلى ما حولنا وتسائلنا لماذا توجد الأشياء بمظاهرها التي نراها؟ وهل هناك واقع آخر مخفي عن الأنظار لهذه الأشياء لا نعرفه ويستعصي على مداركنا؟ وما السبب الحقيقي وراء اتخاذها هذه الأشكال وليس غيرها؟ ولماذا وكيف صار الكون المرئي، بكل مكوناته، متوازناً ومضبوطاً بإحكام بقوانين جوهرية، في المكان والزمان، تسييره وتقوده نحو مستقبل مجهول؟ وماذا سيحصل لو أن خللاً ما حدث في إحدى تلك القوى الكونية الجوهرية الأربعة التي تنظم الوجود المادي؟. كلنا يعرف أن القوة الكونية الجوهرية هي التي تتحكم وتنظم عمل وسلوك الأشياء وتفاعلاتها، من اللامتناهي في الصغر، أي المكونات ما دون الذرية، إلى اللامتناهي في الكبر، أي الكواكب والنجوم والمجرات والسدم والكوازارات وما فوقها أو يتعداها.

لو افترضنا، لسبب مجهول، أن الثقالة أو الجاذبية gravitation اختفت فجأة أو تعطلت عن وظيفتها، فما هي التبعات المترتبة على ذلك؟ أول شيء سنلاحظه أن كل شيء على الأرض بدأ يطفو ويطير في الهواء من أصغر شيء إلى أكبر شيء، بما في ذلك نحن البشر، مع ما سيترتب على ذلك من فوضى وحوادث وهلع جماعي على سطح الكوكب. إلا أن الكارثة لا تتوقف أو تقتصر على ذلك فقط، بل هناك ما هو أخطر، فبعد بضعة ساعات قليلة ستصاب البشرية بالاختناق من جراء تلاشي الغلاف الجوي، بعد أن تفلت الأرض من جاذبية الشمس وتنطلق تائهة في أعماق الفضاء بلا ضوء شمس ولا تفاعلات كيمائية تقوم بتوليد الأوكسجين بالكميات الضرورية لدورة الحياة البيولوجية الطبيعية، ولو نفذ أو نجى البعض من هذه الكارثة فإنه سيموت متجمداً لأن درجة الحرارة على الأرض ستكون 273 تحت الصفر وهي درجة الحرارة في الفضاء الخارجي المظلم فلم تعد هناك شمس تدفئها بأشعتها وتغذيها بالطاقة. وبغياب الطاقة فإن المجرات نفسها، وليس فقط النجوم في داخلها، سوف تتبعثر بفوضى كونية لا يمكننا تخيلها، وتتصادم فيما بينها بلا هوادة. هذه هي اللوحة المأساوية التي ستحل بالكون المرئي في حالة حدوث عطل ما في إحدى القوة الجوهرية كالجاذبية. ونفس هذا السيناريو، بل وربما أسوء منه بكثير، سيحدث في حالة حدوث أي خلل في القوى الجوهرية الثلاثة الأخرى، أي الكهرومغناطيسية والنووية الضعيفة والنووية القوية أو الشديدة. وكلنا يعرف أن جميع الأشياء في حياتنا اليومية تعتمد على القوة الكهرومغناطيسية، فهي التي تعمل على محافظة الأشياء على اشكالها في المكان والزمان ومنع انصهارها. فبدونها كل شيء سيتفكك إلى ذرات غبار خلال ثواني معدودات. فالكائن البشري مكون بنسبة 70% من الماء أي من ذرتين من الهيدروجين وذرة من الأوكسيجين، ولن تعيش هذه المعادلة الكيمائية ثانية واحدة بدون القوة الكهرومغناطيسية. أي سيضمحل 70% من جسم الإنسان ولن يبقى فيه سوى العناصر الثقيلة كالحديد والكالسيوم التي سرعان ما ستنهار هي الأخرى على الأرض على شكل غبار رمادي يشبه الرماد، هو كل ما يتبقى من الكائن البشري، ونفس الشيء سيحدث مع الحيوانات والنباتات، وستواجه نفس المصير المياه الموجودة في الأنهار والبحار والمحيطات، ليس فقط على الأرض، بل في جميع كواكب الكون المرئي التي تشبه الأرض، حيث ستختفي كافة مظاهر الحياة وأشكالها من على وجه الكون المرئي. ولو اختفت القوة النووية الضعيفة فلن تكون هناك عمليات اندماج نووي كالتي تحدث في الشمس وتولد الحرارة والضوء والطاقة، وكلنا يعرف ماذا يعني خمود الشمس بالنسبة للحياة في أي مجموعة شمسية في الكون المرئي. والحال ذاته مع اختفاء القوة النووية القوية أو الشديدة التي تعمل كمادة لاصقة صمغ أو كالاسمنت الذي يعمل على تماسك النوى الذرية للمواد وبقاء البروتونات والنيوترونات تدور في داخلها. فكل شيء في الكون سيتحول إلى بخار من الكواركات quarks التي تمثل أصغر مكونات البروتونات. ولنتساءل مماذا تتكون تلك القوى الكونية الجوهرية؟ للإجابة على ذلك يتعين علينا أولاً البحث ولو باختصار في موضوع الجسيمات الأولية particules eacute;leacute;mentaires في الكون المرئي، وأن نتذكر أن النموذج المعياري modegrave;le standard الذي قدمته فيزياء الجسيمات، يحدثنا عن عائلتين متميزتين من الجسيمات الأولية. العائلة الأولى منها هيrdquo; الجسيمات الماديةparticules mateacute;riellesrdquo;. والتي يمكننا تخيلها بمثابة ذرات رمل أو غبار لكنها غير مرئية لأنها غاية في الصغر كالالكترونات والنيوترونات وغيرها وتسمى في الفيزياء الفيرميونات fermions. وتتفاعل هذه الجسميات ما دون الذرية فيما بينها بواسطة قوى كونية جوهرية ذكرناها أعلاه. ولكن هل تلك القوى ليست سوى تجلي أو مظاهر تمثيل manifestation لجسيمات ما دون ذرية أخرى خفية وغير مرئية بوسائلنا الرصدية أو الكشفية الحالية، والتي يمكن أن تشكل الأدوات الناقلة لتلك القوى. من هنا فكر العلماء بوجود عائلة ثانية من الجسيمات ما دون الذرية هي جسيمات المجال particules de champ وصنفوها تحت تسمية واحدة هي بوزونات السعة أو البوزونات المعيارية Bosons de jauge، وطبقوا عليها نفس ما طبقوه على القوى الجوهرية من أفكار في مجال الكهروديناميكية الكمومية أو الكوانتية eacute;lectrodynamique quantique، التي أتاحت إمكانية تفسير التفاعلات الكهرومغناطيسية. بمعنى آخر أن الجسيمات المادية تتبادل فيما بينها خلال التفاعلات عدد من البوزونات المعيارية التي تلعب دور الرابط والمرسال أو حامل الرسائل وإن تلك التبادلات هي التي تخلق الواقع الملموس للمجالات. فهل بعد ذلك يمكننا معرفة ما يجري في العالم التحتي للجسيمات ما دون الذرية، وهل هناك قواعد أو شيفرة ما منطوية في نسيج الواقع؟ أجاب العالم الفيزيائي الشهير John Wheeler بمقارنة الكون المرئي بنظام معالجة معلوماتي systegrave;me de traitement drsquo;informations حيث ينبثق عنها وهم illusion بعالم مادي كما جاء في موضوع الفيلم البديع المصفوفة أو الماتريكس Matrix وإن هذه المعلومة الجوهرية يمكن أن تتواجد في الزمان المتخيل في اللحظة صفر التي سبقت الانفجار العظيم.

فلو تلقينا صورة عبر الانترنيت في الكومبيوتر الشخصي لا أحد يسأل نفسه كيف وصلت هذه الصورة للحاسوب الشخصي وبأي صيرورة وأية تقنية؟ في الحقيقة إن الشخص الذي أرسلها أدخلها أولا عبر السكانرscanner أو الماسح الضوئي وحولها إلى رموز بلغة الحاسوب فأصبحت مجرد سلسلة متتالية من الأصفار والواحد مثل 0110001000110110001110000011 الخ hellip; وعندما وصلت عبر البريد الالكتروني جاءت بهذه الرموز المركبة الثنائية أو المزدوجة وهي اللغة الوحيدة التي يقرأها الحاسوب ويعيد تركيبها كما كانت قبل ترميزها أو تشفيرها ليعيدها كصورة تشبه تماماً الصورة الأصلية التي أرسلت، أي نسخة مطابقة عنها وليست هي نفسها مادياً لأن الصورة الأصلية بقيت مع صاحبها أو مالكها الذي أرسلها. والذي ينطبق على صورة ينطبق على الواقع برمته بل وعلى الكون المرئي بمجمله حيث كان مضغوطاً في النقطة صفر على شكل معلومة حاسوبية تختزن ذاكرة الكون المرئي كله قبل خروجه لدنيا الواقع انطلاقاً من الانفجار العظيم إلى يوم الناس هذا. وهذا يعني أن كل واحد منا حسب منظري الفيزياء الرقمية physique numeacute;rique، في المستوى ما دون الذري، سوف يعثر على شيفراته المكونة من أصفار ورقم واحد مكررة إلى ما لا نهاية إذ أنه حتى أصغر الجسيمات المادية وتفاعلاتها تختزل بتشفيرتها الرقمية codage numeacute;rique.
بهذه المقاربة نضع اللبنة الأولى لنظرية فيزيائية جديدة تحققت بفضل الكومبيوتر أو الحاسوب وتقنية الذكاء الاصطناعي intelligence artificielle حيث ستقوم هذه الفيزياء الجديدة بتغيير وجه العالم وهذه النظرية معروفة اليوم تحت عنوان rdquo; النظرية المعلوماتية theacute;orie de lrsquo;information. كانت نقطة الانطلاق قد تمثلت بجملة العالم ويلير Wheeler الشهيرة it from bit التي ترمز لفكرة أن لكل عنصر في العالم الفيزيائي المادي أساس عميق متصل بمنبع أو مصدر لا مادي source immateacute;rielle. فقد يكون الشكل الأكثر جوهرية للوجود موجود خارج المكان، وربما يكون مستنداً على عدة اشكال من المعلوماتية التي لا تتقبل بسهولة اي تفسير هندسي بسيط interpreacute;tation geacute;omeacute;trique simple. كما يقول العالم الشاب لوبوس موتل Lubos Motl ولو صحت هذه المقاربة الثورية الجريئة فإن عمق وجوهر الواقع لن يكون مكوناً من الذرات والجسيمات الأولية بل من البايتات والكيوبايتات bits et qubits الحاسوبية. وهناك كوكبة من العلماء الشباب الطموحين لاحتلال الساحة التنظيرية في الفيزياء النظرية المعاصرة من أمثال سيث للويد Seth Lloyd ووستيفن وولفرامStephen Wolfram وشارل بينيتCharles Bennett ودافيد دويتش Davide Deutsch وبيتر شور Peter Shor وغيرهم كثيرون يقودون هذه الثورة الفيزيائية اليوم، وقد سبقهم لايبنز Leibniz بثلاث قرون عندما قال أن العمق الصلد للواقع وخامته الأولى لا تتكون من الجسيمات المادية بل من شيء آخر يمكننا أن نسميه المعلومة. أستاذ الفيزياء في جامعة أكسفورد دافيد دويتش Davide Deutsch، الحاصل على جائزة ديريك Dirak وأول من قدم الألغوريتم algorithme الكامل أي الحساب الخوارزمي للحساب الكمومي أو الكوانتي calcul quantique، والذي يستخدم كأساس للكومبيوتر الكمومي أو الكوانتي، انطلق بدوره من صيغة ويلير Wheeler الذي قال rdquo; it from bitrdquo; واستبدلها بصيغة it from qubit، فجوهر الواقع في نظره ليس مادياً بل غمامة من الأعداد المزدوجة أو الثنائية الحاسوبية من صفر وواحد التي تختزن كمية لا محدودة من المعلومات القابلة للرصد والموجودة في أي شيء مادي مهما كبر أو صغر، أي أن العالم مصنوع في أساسه من الكيوبايت Le monde est fait de qubits، ولكن على مستوى الظواهر الكمومية أو الكوانتية مادون الذرية في المستوى اللامتناهي في الصغر.

في نقطة الصفر المفترضة في النموذج المعياري modegrave;le stakdard سواء الكوانتي أو الكمومي أو النسبوي الآينشتيني،هناك الفرادة التأسيسية الأولية singulariteacute; initiale المقترنة بالعالم فريدمان friedmann، تلك النقطة الفريدة من نوعها والغريبة التي لاحجم لها ولا أبعاد، ودمغت الزمان الخيالي أو المتخيل القحtemps imaginaire pur، هي التي اعتبرت أصل كل ما هو موجود في الواقع المادي. وهي ذات صفات وخصائص proprieacute;teacute;s مذهلة فبإمكانها تشفير encoder،على شكل رياضياتي، مجموع المعلومات المتعلقة بكوننا المرئي المادي. والحال أن الكم المعلوماتي للكون المرئي ليس لا نهائياً أو غير محدود. ففي القرن السابع عشر حاول السير آرثر إيدنغتون Sir Arthur Eddington حساب بعض الأرقام أو القيم أو الأعداد الكبرى التي توسم واقعنا. وحسب التقدير الذي اقترحه أحد علماء الرياضيات في زمنه من المحيطين به، فإن عدد حبات الرمل في كل سواحل وشواطيء الأرض تساوي 1015 حبة رمل. وقدر بعده بعض العلماء عدد الجسيمات الأولية المادية في كوننا المرئي بـ 1080 ولكن بما أننا أثبتنا مؤخراً المكونات النهائية الأصغر للواقع بأنها ليست جسيمات مادية فماذا يوجد بديلاً عنها؟ إنها الوحدات الكمومية أو الكوانتية uniteacute;s drsquo;information أو بعبارة أخرى البايتات الحاسوبية des bits informatique وقدرت بـ 10120 من البايتات المعلوماتية أو الحاسوبية وهو رقم صغير جداً رغم كونه الرقم الأكبر الذي له معنى ويمكن تصوره بشرياً من وجهة نظر فيزيائية. لكنه ضئيل جداً وكأنه غير موجود بالمقارنة أو في مواجهة الأرقام التي عددها الرياضيون وهي أرقام تصيب المرء بالذهول وربما بالجنون. وأحدها هو عدد الغوغول googol الذي سمي محرك البحث غوغل Google تيمناً به واستنبط هذا العدد رياضياتياً سنة 1938 وهو يساوي تقريباً 10100 وهو أصغر من عدد البايتات التي حسبها العالم لويد Loyed لأنه التقدم التصاعدي الذي يبدأ من الغوغول googol ويسمى الغوغول المركب أو الغوغول بليكس googolplex حدد بأنه 10 أس غوغول googol 10، أي عشرة أس 10 أس 100 وهو عدد لايمكنكم تخيله فلو كتبناه بسرعة ثلاثة أرقام في الثانية الواحدة فسنحتاج إلى 100 مليار المليار المليار المليار المليار المليار سنة لتدوينه، أي مليارات المليارات المليارات مرة منذ بدء الزمان الذي نعرفه. ولو أردنا أن نخزن العدد داخل حاسوب أو كومبيوتر فإن ذلك سيتطلب كومبيوتر أو حاسوب بحجم الكون المرئي كله. هذه الأعداد هي في الحقيقة أكوان nombres univers، ولو اعتبرنا أن خامة الواقع ذات طبيعة رمزية ديجيتال digitale أي رقمية وليست مادية فعلينا التوسل بكائنات رقمية entiteacute;s numeacute;riques قادرة على استيعاب كل تعقيدات الكون المرئي la complexiteacute; de lrsquo;univers observable نظرياً على الأقل. وهي أعداد موجودة، رغم غرابة سماتها وخصائصها، لذلك أسماها علماء الرياضيات بالأعداد الأكوان nombres univers وهي مكونة من أرقام حقيقية وواقعية يمكن عمل أي تسلسل رقمي منها بأطوال لا نهائية. إن أبسط هذه الأعداد هو عدد شومبرناونle nombre de Champernowne الذي ابتكره عالم الرياضيات والخبير الاقتصادي الانجليزي الشهير دافيد غوين شومبرناون david Gawen Champernowen الأستاذ في جامعة أكسفورد Oxford وكامبردج cambridge، لقد ابتكره وهو في عمر الواحد والعشرين عندما كان طالباً في كامبردج وعرف آنذاك بثابت شومبرناون constante de Champernowen. وهو عدد غاية في البساطة ويتكون من صفر وفارزة وبعد الفارزة سلسلة من الأرقام المتتالية من واحد إلى ما لا نهاية، أي 0.1234567891011 الخ.. وهذا العدد هو عدد كون nombres univers، وفي الحقيقة إن هذا النوع من الأعداد يمكن أن تحتوي كل ما هو موجود في الفضاء الكوني المرصود. ولو حاولنا كتابة ثابت شومبرناون باللغة الرياضياتية الثنائية أو المزدوجة en binaire ستكون البداية على النحو التالي 0.1101110010111 الخ.. وبالتالي بإمكاننا من هذه البداية كتابة العدد الكبير الذي أشرنا إليه أي 10120 الذي يتناسب مع عدد البايتات المعلوماتية للكون المرئي، وهذا العدد موجود في مرحلة ما قبل الانفجار العظيم أو الكبير Big Bang وبالتحديد في النقطة صفر من الزمكان lrsquo;espace-temps عندما كان الزمان ما يزال خيالياً محض أو متخيل temps imaginaire pur. في المستوى اللامتناهي في الصغر lrsquo;infiniment petit، عندما يهمين ميكانيك الكم أو الكوانتا meacute;canique quantique فإنه في كل المظاهر الوجودية الوليدة، يتم استبدال البايتات les bits التي نعرفها في لغة الحاسوب المعلوماتية بالوحدات المعلوماتية الأصغر التي نسميها الكيوبايتات qubits، بعبارة أخرى، في ما يتعدى جدار بلانكle mur de planck قبل الانفجار الكبير أو العظيم، فإن ما يسبق الكون المادي المرئي preacute;-Univers، كما يعتقد دافيد دويتش Davide Deutsch، يكون ماهية مكونة من كيوبايتات معلوماتية qubits وهذه الأخيرة هي التي تنظم تقلبات fluctuations الزمان الواقعي temps reacute;el والزمان المتخيل أو الخيالي temps imaginaire، بينما يعتقد الشقيقان التوأمان إيغور وغريشكا بوغدانوف Igor et Grichka Bogdanov، أن هناك ما هو دون أو تحت الكيوبايتات المعلوماتية ألا وهي الكينونات الرياضياتية des entiteacute;s matheacute;matiques، ومنها النقطة الرياضياتية point matheacute;matique، فلو أمعنا النظر في النقطة صفر للزمكان le point zeacute;ro de lrsquo;espace-temps فهي تقع في ما تحت مستوى بلانك au-dessous de lrsquo;eacute;chelle de Planck، والتي توقعها أو تكهن بها النموذج القياسي أو المعياري للبغ بانغ أو الانفجار الكبير le modegrave;le standard du Big Bang، وهي التي عرفت بإسم الفرادة الأساسية أو الأولية التأسيسية la singulariteacute; initiale. التي لا يمكن الوصول إليها فهي مجرد كائن رياضياتي ولايمكن اصطيادها إلا نظرياً وحسابياً باستخدام أدوات جبرية instruments algeacute;briques، لأنها لا تحتوي على أي محتوى فيزيائي، فجوهرها تجريدي بحت abstraite. ويمكن مقارنتها بالمعلومة الحاسوبية، أو بنوع من الشفرة الكونية code cosmique، لهذا يعتقد خبراء النظرية المعلوماتية theacute;orie de lrsquo;information، أي أولئك الذين يعتقدون أنه يمكن مقارنة الكون المرئي بحاسوب أو كومبيوتر عملاق بحجم الكون المرئي يسمونه البرنامج Le programme، أمثال وولفرام Wolfram أو للويد Lloyd، ويسميه الأخوة بوغدانوف آنستانتون فريدة بحجم صفر instanton singulier de taille 0، أنها ذات صفات وخصائص متميزة أهمها أنها ذات محتوى طوبولوجي لا متغير contenu topologique invariant، أي مجرد معلومة مشفرة تختزن كل ذاكرة الكون السابق للانفجار العظيم أو الكبير، في المتوالية الكونية.

فالشفرة الأصلية التأسيسية أو الأساسية un code initial، بما أن النقطة صفر point zeacute;ro ليست شيء فيزيائي objet physique، فهي لا تندرج ضمن الظواهر المحصورة بين المستوى صفر ومستوى بلانكeacute;chelle zeacute;ro et eacute;chelle de Planck، ولا تخضع لمكرهات وضغوطات كمومية أو كوانتية contraintes quantique، بمعنى آخر إن الفرادة، وبسبب جوهرها الطوبولوجي essence، topologique، هي شيء كلاسيكي. فمن زاوية معلوماتية، تبدو الأمور بسيطة. ففي مستوى الصفر تقاس المعلومة بالبايتات ولكن باستخدام قانون مناسب أو ملائم يمكن للصفر أن يولد كافة الأعداد وكل الأشياء حتى تلك التي لا يمكن تصورها. فانطلاقاً من الصفر يمكننا أن نشهد ولادة انفجار كبير رقمي Big Bang numeacute;rique. وقد شرح العالم جون فون نيومان John von Neumann المراحل النظرية لذلك باستخدام نظريته بخصوص المجموع الفارغ lrsquo;ensemble Vide الذي لا يحتوي على شيء ويمثل الصفر، ويكون الانطلاق من هناك. وفي المرحلة الثانية نضع هذا الكل الفراغي داخل مجموع فراغي آخر عندها يولد الواحد من الصفر ومن بعده تولد كافة الأعداد الممكنة أي الأعداد التامة nombres entiers والأعداد النسبية nombres relatifs والأعداد الجبرية nombres algeacute;briques والأعداد الاستعلائية أو الرياضيات العليا أو الفائقة nombres transcendants والأعداد الخيالية أو المتخيلة nombres imaginaires الخ.. و بالإمكان تشكيل أماكن متعددة الأبعاد حسب تصور علماء الرياضيات، فلا توجد حدود في النظرية، وهو الأمر الذي أشار إليه العالم الرياضي العربي الخوارزمي واستخدمه الأخوة بوغدانوف في نظريتهم الكونية لوصف المعلومة الأصلية أو الأولية التأسيسية بأنها خوارزمية information algorithmique، اي قانون بسيط للتوليد وذو البنية أو الهيكيلية الرقمية أساساً. إن الفرادة الأولية الأساسية singulariteacute; initiale تمتلك شكلاً واحداً للمعلومة وهو ldquo;المعلومة الأولية أو التأسيسية lrsquo;information initialerdquo;. ولعدم وجود الزمان الحقيقي أو الواقعي temps reacute;el بعد، لا توجد هناك أية صيغة معقدة أو مركبة aucune complexiteacute; في اللحظة صفر lrsquo;instant zeacute;ro، وبالتالي فإن المعلومة النهائية information finale معدومة nulle، من هنا فإن الفرادة الأولية الأساسية singulariteacute; initiale، أي النقطة صفر، تعتبر الشيء الأبسط في كوننا المرئي قبل ولادته وتطوره وتعقيده. بتعبير آخر إن المعلومة الأولية أو التأسيسية lrsquo;information initiale تنوه بأن الأنثروبي entropie أي اللانظام في مرحلة ما قبل الكون preacute;-Univers يكون في المستوى صفر ويعتبر معدوم الوجود وبالتالي فإن أي نظام يتسم بانعدام الأنثروبي لا يمكن أن يوجد في الزمن الواقعي temps reacute;el وهذا يدعم فكرة وجود النقطة صفر فقط في الزمان المتخيل أو الخيالي temps imaginaire، ويحق لنا أن نتصور النقطة صفر لانهائية infinie بالضرورة. إذ أنها تتعاطى مع عدد لا نهائي من البايتات أكثر بكثير جداً من 10120 بايت الضرورية التي أشرنا إليها أعلاه، لبناء أو تشكيل الكون المرئي. إنها تصل إلى مصاف ما أسماه العلماء في الفيزياء الرقمية االبرنامج un programme الذكي الخالق مثل البرنامج الذي خلق المصفوفة في فيلم ماتريكس Matrixوالذي هو بمثابة الكود أو الشيفرة الأولية السابقة للوجود المادي الفيزيائي أي شيفرة الأصل code agrave; lrsquo;origine التي يقترح التوأمان بوغدانوف وجودها كفرضية مقبولة لكنهم لم يتمكنوا لحد الآن من اكتشاف ماهيتها وطبيعتها. فهي لا تتعدى مجرد بنية رقمية افتراضية structure numeacute;rique.

هل كان الله مخيراً في خلق أو عدم خلق الكون؟
في صيف سنة 1951 وفي المكتب المتواضع الذي يشغله آينشتين في معهد الدراسات المتقدمة lrsquo;Institute des eacute;tudes avanceacute;es، كان هذا العالم المهيب منكباً على معادلاته المعقدة في النسبية التي كتبها وأعاد كتابتها مراراً وتكراراً وهو مهموم وغارق في تفكيره بصمت، وفجأة توقف عن العمل والتفت لمساعده العالم الفيزيائي الشاب آنذاك إرنست شتراوس Ernst tStraus موجهاً أنظاره نحو اللامرئي البعيد وسأل مساعده بصوت منخفض :rdquo; هل كان لدى الله اختيار في خلق الكون؟rdquo; كان السؤال عميقاً ومثيراً للحيرة ويعيدنا إلى ما قبل ربع قرن من ذلك التاريخ عندما أعلن آينشتين : rdquo; على أية حال أنا مقتنع بأن الله لا يرعب النردrdquo;. وهذا يعني أن آينشتين كان مقتنعاً تماماً، وليس لديه أدنى شك بأن الكون المرئي الذي يدرسه لم يلد بمحض الصدفة، وحتى لو أفلت الكون من الصدفة فهل كان بإمكانه أن يكون على خلاف ما هو عليه؟ أي تحكمه قوانين مختلفة عن القوانين التي نعرفها؟ آينشتين واثق من أن القوانين في الكون المرئي هي نفسها ولا يمكن أن تكون مختلفة في لحظة ولادته، بعبارة أخرى لو كان الله هو الخالق للكون فإنه لم يكن يمتلك خياراً آخر في عملية الخلق. وبعد مضي أربعة عقود على ذلك التصريح الآينشتيني طرح العالم الانجليزي المعروف روجر بينروس Roger Penrose في جامعة أكسفورد وشريك ستيفن هوكينغ في الأبحاث الكونية، نفس السؤال الآينشتيني متخيلاً لوحة هائلة بحجم الكون مليئة بمليارت المليارات من النقاط التي تشير كل واحدة منها إلى كون ممكن الوجود وتساءل بينروس عما إذا كان لدى الخالق الحرية في وضع قلمه أو سهمه على أية نقطة على اللاتعيين من تلك النقاط الأكوان في لحظة الانفجار العظيم لكي يخلق كونناً شبيهاً نوعاً ما بكوننا المرئي. وجاء جوابه المطعم بمئات المعادلات والحسابات الرياضية المتينة والصعبة جداً، وكان هو نفس جواب آينشتين، ألا وهو أن الخالق لم يكن يمتلك أي خيار آخر، أي لم يكن حراً في خياراته. فلم تكن هناك على تلك اللوحة سوى نقطة كون point-univers واحدة كان على الخالق أن يضع قلمه عليها أو يؤشر عليها بسهمه من بين مليارات المليارات المليارات المليارات من الإمكانيات المتاحة. ولتوضيح هذه الحالة القسرية في لحظة الولادة الأصل، أظهر بينروس بواسطة الرياضيات المتقدمة الحديثة والتجريبية أن فرصة أن يقع الخالق على النقطة الصحيحة هي بنسبة واحد من 10 أس 10 مضروب بـ 10123 أس 123 10123x 1010 وهو رقم يستحيل تخيله لذلك ومن باب التندر صرح آينشتين في يوم ما :rdquo; أن الصدفة هي الله عندما كان يتجول متخفياًrdquo; ولو تركنا الواقع العلمي الرصين والبارد في منهجيته وصرامته ودخلنا عالم التكهنات والافتراضات لن يبقى في ايدينا سوى لعبة الفرضيات jeu drsquo;hypothegrave;ses من أجل الحصول على أجوبة جديدة ولو تقريبية أو تقديرية أو افتراضية، حيث يكمن الحل في فرضية وجود نمطين من الزمان كانا متواجدين في لحظة الانفجار العظيم وكان أحدهما سابق للآخر قبل الانفجار العظيم. هناك أولاً الزمان الذي نعرفه في كوننا المرئي والذي بدأ في مرحلة ما بعد الانفجار العظيم وهو يجري في مسار أو اتجاه ثابت لحظة بعد أخرى مما يجعل الأمور تسير في سياقها الطبيعي كالأنهار وشروق وغروب الشمس وهو مرتبط عضوياً وجوهرياً بالطاقة وهو الذي نسميه الزمان الواقعي temps reacute;el، وهناك ثانياً الزمن المتخيل أو الخيالي temps imaginaire حيث لا توجد حركة في هذا الزمن وكأنه متجمد حيث لا يسير هذا الزمان بأي اتجاه ولا يمر أو يسري كالزمان الواقعي، ويمكن تشبيهه بقرص كومبيوتر DVD مركون أو موجود خارج جهاز قراءة الأقراص والقصة أو التاريخ المسجل عليه يوجد في حالة تجمد ولا يوجد مكان لشيء إسمه الطاقة ولذا ما هو البديل لذلك؟ هو ما يسميه العلماء بالمعلومة الحاسوبية lrsquo;information informatique وهي نظير الطاقة في الزمان الواقعي لكنها معلومة تتواجد فقط في الزمان التخيلي أو الخيالي. لذلك سنستبدل جميع الوحدات الفيزيائية الواقعية les uniteacute;s physiques reacute;elles وبدون أي استثناء، بوحدات بديلة تسمى بايتات المعلومة les Bits drsquo;information المتداولة بلغة المعلوماتية informatique وعالم الحاسوب أو الكومبيوتر حيث يمكن وصف جميع الأشياء والأجسام بلغة ورموز المعلوماتية الحاسوبية، ولو على الصعيد النظري، اي بصيغة البايتات المعلومة les Bits drsquo;information فكل شيء يحتوي على كمية من هذه البايتات المعلوماتية. ولو استعنا بذلك وعدنا للكون البدئي الأولي Univers primordial فأين سنعثر على هذا الزمان الخيالي أو المتخيل؟ الجواب هو في الموضع الذي يتوقف فيه الزمان الواقعي عن الوجود أي في اللحظة أو النقطة صفر Lrsquo;instant ou point zeacute;ro وهذه اللحظة يقابلها في النموذج القياسي أو المعياري modegrave;le standard ما يمكن أن نسميه الفرادة التأسيسية الأساسية singulariteacute; initiale أو الأولية التي توسم الصفر المطلق zeacute;ro absolu للزمان والمكان، اي الأصل الحقيقي للكون المرئي. ينبغي التنويه هنا إلى أن ما نتحدث عنه ليس سوى طرح نظري بحت وهذه النقطة هي نقطة رياضياتية قح point matheacute;matique pur لا يمكن الولوج إليها بالحساب الفيزيائي التقليدي. وعلى خلاف كل ما هو موجود في الكون المرئي المادي الملموس، فإن جوهرها العميق تجريدي بحت كلياً totalement abstraite. وعندها لاتوجد مادة ولا طاقة ولا يوجد زمان ولا مكان، يضاف إلى ذلك أنه عند نقطة الصفر الافتراضية هذه فإن أنثروبيا الكون lrsquo;entropie de lrsquo;univers، أي حالة اللاانتظام فيه، هي معدومة تماماً nulle.وهذه نتيجة طبيعية لمبدأ الترموديناميك الديناميك الحراري principe de la thermodynamique الذي استفاض العلماء والباحثون في شرحه وتوضيحه في بدايات القرن المنصرم 1900 وخاصة على يد العالم العبقري لودفيغ بولتزمان Ludwig Boltzmann. والحال، وبما أن المعلومة الحاسوبية هي النقيض للأنثروبي entropie فإن هذا يعني أن نقطة الصفر المعلوماتية، حيت تتواجد المعلومة الحاسوبية الرياضياتية، تعتبر في قيمتها القصوى، مما يعني أنه في اللحظة صفر لا يوجد غير المعلومة lrsquo;information فقط لا غير وهي ليست سوى واقع رقمي reacute;aliteacute; numeacute;rique يمكنه أن يشفر encoder، على نحو رياضياتي sous forme matheacute;matique مجموع الصفات والخصائص proprieacute;teacute;s التي سوف تعمل، بعد الانفجار العظيم، على إيجاد وتطور الكون الفيزيائي المادي. وكما أشار الفيلسوف المتنور لايبنز Leibniz ومن معه في مدرسة غوتنغن eacute;cole de Gocirc;ttingen في الماضي، إلى إمكانية وجود عدد nombre أوسع من الكون. ففي الزمان الخيالي أو المتخيل temps imaginaire حيث تستمد الهارمونية، المقررة سلفاً، مصدرها، أي عدد كون nombre-Univers ذو نقاوة عالية وخارج الزمكان
lrsquo;espace-temps حيث يمكنه احتواء أقصى أنواع التعقيد الذي يمكن للنفس البشرية أن تتخيله.