الكون الكلي 7


كلما نجح الانسان في فك لغز ما من ألغاز الكون المرئي والمرصود التي كانت مستعصية أمامه، مثل سر الحياة الذي تحدثنا عنه باقتضاب في الحلقة السابقة، كلما انبثق من جديد أمامه عدد آخر من الألغاز والتحديات التي تجعله يشعر بالعجز تارة وبالإحباط تارة أخرى بالرغم من التطور التكنولوجي الذي حققه في العقود الأخير الماضية منذ منتصف القرن العشرين المنصرم ولغاية منتصف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. كان أكبر تحدي واجه وما يزال يواجه العلماء في المجال الكوني هو هل سنتمكن يوما ما من تجاوز أو عبور جدار بلانك mur de planck بغية معرفة ما حدث بالفعل في البداية الحقيقية، وليس المفترضة، للكون المرئي القابل للرصد والمشاهدة والحساب؟. طرحت نظريات علمية كثيرة على امتداد خمسة قرون إلا أنها جميعاً أخفقت في فك لغز الأصل والبداية. وكانت النظرية العلمية الوحيدة المؤهلة للقيام بذلك هي نظرية الأوتار الفائقة بكل تنويعاتها theacute;orie des supercordes التي تنطلق من فكرة أن الجسيمات الأولية المكونة للمادة ليست أشياء محددة دقيقة ومنتظمة ponctuels بل هي عبارة عن أوتار ترتج أو تهتز cordes vibrantes. كان أول من وضع أساس هذه الفكرة في سبعينات القرن الماضي هم غابرييل فينزيانو Gabriel Veneziano و جويل شيرك Joeuml;l Scherk و بيرنارد جوليا Bernard Julia و جون شفارتز John Schwarz و ميكائيل غرين Michael Green ومن تلاهم من علماء شباب كرسوا جهودهم لإجراء تجارب في مختلف أنحاء العالم في هذا المضمار. وقد حظيت هذه النظرية على إعجاب أغلب العلماء حتى ممن كانوا يعارضونها
فهي أنيقة ومثيرة وجذابة ومنطقية. وتستند هذه النظرية على مسلمة postulat بسيطة ومغرية وشفافة وجوهرية lapidaire إلى جانب كون نتائجها وتبعاتها هائلة ومدهشة. فكل جسيم أولي، كان العلماء يعتبرونه بمثابة نقطة مادية عديمة الحجم taille nulle هو في الحقيقة ليس سوى وتر مهتز يصلح ويخضع لقوانين النسبية الخاصة و لفيزياء الكموم أو الكونتا. بتعبير آخر، لو نظرنا، وهو أمر مستحيل في الوقت الحضر، إلى جسيم أولي بمجهر قوي جداً فسوف نكتشف شيئاً ليس له أبعاد محددة ودقيقة منتظمة، بل شيء أحادي البعد unidimensionnel أي شيء من قبيل الخيط، إذا كانت له أطراف أو نهايات extreacute;miteacute;s مفتوحة أو على شكل حلقة أو خيط ملفوف boucle إذا كانت النهايات مغلقة أي ليست له نهايات حرة، وإن هذا الوتر، سواء كان مفتوحاً أو مغلقاً، يهتزvibre ويتحرك بسرعات يمكن أن تصل إلى سرعة الضوء، وبالتالي يتعين علينا أن نلجأ لنظرية النسبية الخاصة la relativiteacute; restreinte لوصف هذه الحركات لأنها النظرية التي توفر لنا معلومة حركية cineacute;matique جيدة كونها تصف حركات الأشياء التي تمتلك سرعات فائقة جداً تقارن بسرعة الضوء بحيث لايمكننا إهمالها أو تجاهلها، شرط ألا تكون تلك الأشياء الموصوفة خاضعة لقوة الثقالة أو الجاذبية، إذ أن نظرية النسبية العامة la relativiteacute; geacute;neacute;rale تبدأ فعلها حال وجود الثقالة أو الجاذبية la gravitation وتبدو فاعلة باعتبارها نتيجة مباشرة لفرضيات نظرية الأوتار الفائقة. وفي الحقيقة علينا أن نوضح أن هذه النظرية تقترح، ليس فقط تمظهر أو تمثيل وتبيين للأشياء الجوهرية للكون المرئي فحسب، بل وأيضاً للزمكان lrsquo;espace-temps إذ تعتبر هذا الأخير بمثابة حلبة أو وعاء معطى أساساً، وهو الحال في النسبية الخاصة وليس في النسبية العامة، ولكن بعدد من الأبعاد يفوق الأبعاد الأربعة المعروفة حتماً. وعلى نحو أدق تستبدل نظرية الأوتار الفائقة كل الجسيمات التي نعرفها بشيء واحد ووحيد ممتد أو ممدود ومبسوط ولكنه غاية في الصغر سمته بالوتر الفائق الذي يهتز في الزمكان العادي الآينشتيني لأن تماسك وترابط النظرية المنطقي هو الذي يفرض كل هذه الأبعاد الإضافية بحيث أن الأبعاد الإضافية غير الأبعاد الأربعة التي نعرفها المكانية كالطول والعرض والارتفاع والبعد الرابع الزمان تكون منطوية على نفسها في حيز صغير إلى درجة تكون فيها غير قابلة للملاحظة ويتعذر رصدها إن لم نقل يستحيل مشاهدتها لكونها دقيقة جداً وغير منظورة وغير مدركة بالحواس ولا بأدق المكروسكوبات وهي مثل قطعة القماش التي تبدو للناظر ببعدين فقط في حين أن لها ثلاثة أبعاد بسبب نحافة الخيوط التي تكون هذه القطعة من القماش.
وكما يمكن لوتر آلة الكمان الموسيقية أن يعطي عدة ألحان ونوتات تناغمية منسجمة فإن مختلف أنواع الاهتزازات للوتر الفائق يعطي عدد من الجسيمات الأولية. فالجسيمات الأولية المعروفة التي يمكننا إنتاجها في المختبرات تتناسب مع نمط من الارتجاجات والاهتزازات ذات الترددات المنخفضة أو الأكثر انخفاضاً مثل النوع الذي يتوافق مع الالكترون وآخر مع النيوترينو وثالث مع الكوارك وهكذا. بيد أن النمط ذو الترددات الأعلى يتوافق مع نوع آخر من الجسيمات تكون أكثر ثقلاً لم ترصد من قبل أبداً ويتعين علينا اكتشافها إن آجلاً أم عاجلاً. أما الأبعاد الأخرى الإضافية فهي مضغوطة ومطوية وفق التنوع الهندسي المعروف بإسم الـ Calabi-Yau الذي لا يوجد له مقابل باللغة العربية ويطول شرحه لأنه دقيق ومعقد سأكرس له مقال خاص به.
إن الإطار النظري للأوتار الفائقة لم يقدم على نحو موحد أو صيغة وحيدة بل على شكل نظريات متعددة تحمل نفس الإسم منذ ثلاثين عاماً وحصرت مؤخرا بخمسة نماذج أو صيغ مما طرح مشكلة التماسك والترابط المنطقي للنظرية بالضد من النية المسبقة التي كانت تنوي تقديم نظرية واحدة وموحدة. وتتطلب دراستها معرفة مفاهيم فيزيائية ورياضية حديثة كالطوبولوجيا ومفهوم الزمر والمجموعات والتحليل الرياضي والهندسة الريمانية وكهف أفلاطون و مفهوم جوهر لابينز المفرد المسمى الموناد monad الخ.. لقد اعترض ليبنز على المفاهيم التي سادت في زمنه عن الجوهر والوحدات الأصغر والذرات والفراغ والمكان المطلق والزمان المطلق والمادة المطلقة التي تداولتها نظريات ذلك الزمان منذ ميكانيك نيوتن، كما إنه لم يقتنع بمفهوم الجوهر الممتد وعارض تفسيرات ديكارت للحركة التي تقول أن كل ممتد قابل للقسمة وإذا لم يكن كذلك فليس بوسعه أن يكون أصغر جزء ممكن بل هو مجرد جزي مادي فحسب. إلى جانب أن قوانين الحركة تقتضي أن تكون العناصر الداخلة في الموضوع حاملة للطاقة، أي لا بد أن يكون العنصر المكن الوحيد جوهرا بسيطاً لا أجزاء فيه أو ماهية غير مركبة وقد أطلق ليبنز على هذا الجوهر تسمية الموناد أو لنقل إنه الجوهر الروحي للوجود. وهو غير قابل للتقسيم أو التحطيم أو التفكيك إلا بالإبادة التامة ولا يأتي للوجود من اللاشيء ولا من العدم بذاته وإنما يحتاج لعملية خلق وهو لا يتفاعل مع غيره من المونادات فكلها من نوع واحد.
فنظرية الأوتار الفائقة توجد إما بعشرة أبعاد مكانية وبعد زماني ما مجموعه أحد عشر بعداً، أو بستة وعشرون بعداً أو أكثر. والصيغة الأرقى لنظرية الأوتار الفائقة هي النظرية أم theacute;orie M وهي ذات أحد عشر بعداً. إن مبرر وجود نظريات الأوتار بمختلف أشكالها وصيغها هو فكرة توحيد القوى الجوهرية الأساسية الأربعة التي تحكم وتسيير الكون المرئي، أي التي تحملها البوزونات أو الجسيمات المولدة للكتلة والتي تعرف بالفرميونات وإن أنجع شكل للنظرية يتجلى بمفهوم الأكوان الموازية وتعدد الأكوان والموجودات التي تقع بين اللامتناهي في الضغر واللامتناهي في الكبر، من الكائنات ما دون الذرية الأصغر من الكوارك إلى السدم والحشود المجرية مروراً بالنجوم والكواكب والسحب والغازات الكونية. وقد لاحط إدوارد ويتن Edward Witten إن مرجع نظريات الأوتار الفائقة الخمسة واحد هو الذي سماه بالنظرية أم theacute;orie M ويجمع بينها التوائم والاتساق كما يوجد هناك نوع من التطابق الرياضي ومفاهيمه بين مختلف الصيغ النظرية للأوتار ويحدث التحول والانتقال من فضاء لآخر وفق المفهوم الرياضي للتطابق من خلال دالة التحويل fonction du transformation.
الإطار المفاهيمي للنظرية:
في سنة 1994 ظهر اقتراح توحيدي لمختلف أشكال الأوتار الفائقة عندما قبل في الأوساط العلمية المعنية أن كل صيغة نظرية هي عبارة ميزة أو خاصية متميزة للنظرية العامة والرئيسية التي تستحق الاعتراف ويأملون أن تغدو نظرية جوهرية وهي التي سميت بالنظرية أم theacute;orie M التي تنتظر الصياغة النهائية بما فيها معادلاتها الرياضياتية وبناءاتها التنظيرية الأساسية وتوقعاتها وحلولها للكثير من الإشكالات النظرية القائمة التي لم تحلها النظريات الفيزيائية السابقة بفضل وجود التناظرات أو التماثلات symeacute;tries المعروفة علمياً بتعبير الثنائيات dualiteacute;s وهي الصيغة التي من المؤمل أنها ستنجح في جمع وتوحيد مختلف النظريات والصيغ النظرية للأوتار الفائقة وضم بعضها للبعض الآخر في بنيان واحد لأنها كلها تأخذ في الحسبان وجود قوة الثقالة أو الجاذبية وجعلها ضرورية كما وصفتها نسبية آينشتين العامة. بعبارة أخرى، بدلاً من أن تتمركز الثقالة أو الجاذبية وسط نوع من الشكلانية أو الشكلية الصورية formalisme، فإنها تكتسب صفة قانون ونظام اساسي يمتلك خاصية التنبؤ والتكهن المستمد من مباديء النظرية ذاتها. وبالتالي تغدو مفوهمياً ضرورية. من هنا يمكننا أن نفهم أن النسبية العامة تنبجس في الواقع من ضرورة وجود جسيم الجاذبية أو الثقالة الأولي المسى الغرافيتون graiton. وهذا الجسيم يظهر في الحسابات والمعادلات ويبدو رياضياتياً بمثابة حالة خاصة من الاهتزازات لوتر مغلق أو حلقة boucle مثلما هو الحال بالنسبة لترددات واهتزازات وتر مفتوح الذي يتوافق عادة مع جسيم الفوتون الذي هو الجسيم الوسيط للتفاعل الكهرومغناطيسي. وبالتالي نستطيع القول أن نظرية الأوتار الفائقة تشكل، في حدها الأقصى، النظرية الكمومية أو الكوانتية للكهرومغناطيسية، التي تعرف بإسم الكهروديناميكية الكوانتية أو الكمومية eacute;lectrodynamique quantique. من هنا، وإنطلاقاً من إطار شكلي أو شكلاني تحده وتقوده الفيزياء الكوانتية أو الكمومية والنظرية النسبية الخاصة، لأنهما لا يتعاطيان مع الثقالة أو الجاذبية فإن مباديء نظرية الأوتار الفائقة ذاتها تقودنا إلى معادلات نظرية النسبية العامة مما يسمح لنا الادعاء بأن هذه النظرية الجديدة هي نظرية صيلة كمومية أو كوانتية أصيلة للثقالة أو الجاذبية theacute;orie quantique authentique de la gravitation وهذا هو مبعث جمال وأناقة نظرية الأوتار الفائقة وسحرها كما يقول أنصارها ومنظريها.
وبإمكان نظرية الأوتار الفائقة أيضاً أن تظهر انطلاقاً من مبادئها الأكثر جوهرية تظريات فيزيائية أساسية يستخدمها العلماء والفيزيائيون لوصف الظواهر التي تحدث على الصعد أو المستويات الفضائية التي يمكنهم بلوغها تجريبياً، مثل انبثاق نظرية الحقول أو المجالات الكوانتية أو الكمومية theacute;orie quantique des champs من رحم الأوتار الفائقة وهي النظرية الناجمة من تزاوج الفيزياء الكوانتية أو الكمومية مع النسبية الخاصة والتي تؤلف الأساس الشكلي أو الصوري للنموذج المعياري لفيزياء الجسيمات، وهي بهذا المعنى تحتوي النظريات الفيزيائية المعروفة، أي لك التي تعمل في المستويات الفضائية التي تزيد على 10_19 من المتر أي في المستوى المكاني الأكبر من مستوى طول بلانك الذي تبلغ قيمته 10_35 من المتر، وتتميز على نحو راديكالي عندما تهتم بظواهر تحدث في مستويات غاية في الصغر إلى الحد الذي لا يتغير فيه حجم الوتر لكنه ليس قيمة مهملة neacute;gligeable. بيد أنه لم يعد لهذه الحالة وجود في كوننا المرئي الحالي الذي هو شاسع أو هائل في اتساعه وممتد أو متمدد وبارد لكنه كان مختلفاً في زمن بلانك الذي يتواجد بالقرب من جدار بلانك عندما كان حجمه يقارن بحجم الوتر. ومع ذلك لم تتمكن النظرية من وصف الكون المرئي عند لحظة حدوث الانفجار الكبير وذلك لسبب بسيط وهو أن الحسابات الرياضية غير ممكنة في الطاقات المنخفضة عندما لا تتفاعل الأوتار فيما بينها إلا بصورة ضعيفة في حين أن كثافة المادة في الكون البدائي الأولي أو البدئي univers primordiale كانت مرتفعة جداً والأوتار مكدسة فوق بعضها البعض حيث لا تهتز ولا تتأرجح ولا تتفاعل بقوة فيما بينها وهي حالة تستعصي لحد الآن على الحساب الرياضي.
لوحظ أن هذه النظرية تعطي نتائج ذات انعكاسات وتداعيات أساسية مهمة، فهي تتكهن أو تتنبأ بأن درجة الحرارة داخل الكون المرئي لا يمكنها أن تفوق حدود قيمة قصوى في السالب أو الموجب، بحيث أنها لم تكن لا نهائية في أية لحظة من عمر الكون. ويقترن بهذه الحدود القصوى لدرجة الحرارة حدود قصوى للكثافة والانحناء أو التحدب الزمكاني، مما يعني أن هذه القيم أو المقادير grandeurs لم تتمكن ولن تتمكن من تجاوز أو تخطي حداً معيناً من القيم الكونية أي أن الكون المرئي لم يكن أبداً دقيق ومنتظمponctuel قحجمه لم يكن معدوماً على نحو مطلق وكثافته لم تكن لا نهائية أبداً مهما كانت عالية، وبالتالي فإن الفرادة singulariteacute; التي زعم البعض أنها الأصل أو البداية لم تحدث أبداً مما يقودنا للقول أنه لوصحت نظرية الأوتار الفائقة فإن حدث الانفجار الكبير كما نتصوره وندرسه لم يقع ولم يكن ممكناً حدوثه، بقي أن نعرف بماذا يمكننا أن نستبدله؟
توجد فرضية أخرى تحاول استيعاب واحتواء التناقض والمفارقة الناجمة من افتراض وجود الفرادة الكونية وهي تلك التي تتحدث عن الأكوان المتوازية des univers parallegrave;les وحسب رأي المدافعين عن هذه الفرضية فإن كوننا المرئي الذي نعيش فيه ليس سوى النسخة الرابحة من بين عدد لانهائي من الأكوان العقيمة infiniteacute; drsquo;univers steacute;riles حيث أن وجود كون منظم يحتوينا في أحضانه ليس أمراً ملفتاً ومتميزاً وذا قيمة remarquable لأنه سيكون ضائعاً ضمن عدد لا نهائي من الأكوان الفوضوية univers chaotiques وهذه الفرضية، رغم شهرتها وانتشارها وهيمنتها هذه الأيام على المسرح العلمي، لأنها باتت على الموضة كما يقولون، إلا أنها ليست علمية محضة كما يدعي مروجوها فهي لم تزل مجرد فرضية تحتاج إلى اليقين العلمي والبرهان والتجربة المختبرية اليقينية فهي لحد الآن غير قابلة للإخضاع التجريبي المختبري الحقيقي nrsquo;est pas veacute;ritable expeacute;rimentalement ولأنه في جميع الأكوان الممكنة والمحتملة فإن الرياضيات والقوانين الرياضية تبقى هي نفسها المعمول بها والسارية في كوننا المرئي، وبما أن الواقع الفيزيائي يتحدد ويسير بفعل الرياضيات les matheacute;matiques فمن المتوقع حتماً أننا سنقع على نفس الكون الذي يضمنا ويحتوينا أي كوننا المرئي. وهنا تأتي الفرضية الثالثة التي يعتقد البعض أنها الأقرب للمنطق العلمي، حسب أنصارها، والتي تقول بكون واحد ووحيد تحدده وتنظمه قوانين الفيزياء وفي هذه الحالة فإن التطور الكوني أو الكوزمولوجي eacute;volution cosmologique لا يترك شيئاً للصدفة وإن الحياة تظهر كنتيجة حتمية لا يمكن تفاديها consequence ineacute;vitable لسيناريو محكم ومفروض يملى على الوجود من خارج الكون، وفي غاية الدقة والتنظيم، من قبل قوانين فيزيائية طبيعية محكمة وصفها البعض بأنها هي الإله الخالق. وفي هذه الحالة فإن لهذا الكون الفريد من نوعه، هو عبارة عن شفرة خفية غامضة code sous-jacent تحتية ذات جوهر أو طبيعة رياضياتية essence matheacute;matique يمكن مقارنتها بالشفرة الجينية code geacute;neacute;tique للكائن الحي، وهي التي نشرح وتفسر كل القوانين الفيزيائية وتنظم وتحدد بدقة لا متناهية ومذهلة جداً قيم valeures جميع الثوابت الجوهريةconstantes fondamentaux للكون المرئي والعلاقات فيما بينها لكي تنجب كوناً منظماً univers ordonneacute; وقابلاً للتطور نحو الحياة والوعي la vie et la conscience. وفي الحقيقة هناك الكثير من الفيزيائيين ممن لاحظوا أن القوانين الجوهرية للطبيعة تبدو في غاية الدقة والتوازن والضبط العياري بغية السماح بتشكل المجرات والنجوم والكواكب وللسماح للحياة بالانبثاق من المادة. كانت مهمة العلماء حتى وقت قريب تتركز بالأساس على اكتشاف طبيعة القوانين الفيزيائية وتبعات تطبيقاتها، لكنهم امتنعوا عن طرح تساؤلات بشأن أسباب وجود تلك القوانين. ولكن مع تقدم العلم والتكنولوجيا العصرية بات من الصعب الاكتفاء بالقول أن هذه القوانين بدأت فعلها التنظيمي مع حدوث الانفجار العظيم Big Bang من أجل تنظيم وهيكلة المادة والكون المرئي بلا أي سبب ظاهر وجلي وبات من حق العلماء البحث في كلمةrdquo; لماذاrdquo; المتعلقة بتلك القوانين وهل هناك سبب لوجودها.
بعض السيناريوهات عن مرحلة ما قبل الانفجار الكبير Big Bang تستبدل هذا الحدث بمرحلة غاية في الكثافة يمكن أن تقوم بدور الجسر الكمومي أو الكوانتي pont quantique بين كوننا في حالته التوسعية وكون آخر سبقه في حالة معاكسة أي إنكماشية وصلت به إلى النقطة الحرجة التي سبقت الانفجار الكبير الذي نعرفه ويمسى الكون النقيض أي بعد حد معين من التمدد والتوسع تنعكس السيرورة ويصبح في حال تقلص وإنكماش وهكذا دواليك بلا توقف خلال مليارات المليارات المليارات المليارات من السنين. كما تم اقتراح بضعة نماذج من قبل بعض العلماء من أمثال غابرييل فينزيانو Gabriele Veneziano وهو أحد مؤسسي نظرية الأوتار الفائقة والاستاذ في الكوليج دي فرانس وموريزيو غاسبريني Maurizio Gasperini الاستاذ في جامعة باري وهم يعتقدون أن الكون المرئي شهد تطوراً مماثلاً ومتناظراً symeacute;trique للكون الذي انبثق بعد الانفجار الكبير ولكن بصورة معكوسة واستمر مليارات المليارات من السنين وهو يتقلص وينكمش إلى أن وصل إلى اللحظة التي سبقت الانفجار الكبير. وفي تلك المرحلة السابقة anteacute;ceacute;dente فإن المادة، وبدلاً من أن تتناقص كما هو الحال في كوننا الحالي، فإن تغدو أكثر ارتفاعاً في منسوبها وتززايد أكثر فأكثر كما تتزايد درجة الحرارة وترتفع أكثر فأكثر بدلا من أن تبرد كما في كوننا الحالي،في الوقت الذي تتقلص فيه أبعاد الكون إلى حد تكون فيه كثافة الطاقة ودرجة الحرارة قد بلغتا قيمهما القصوى الحرجة المسموح بها من جانب نظرية الأوتار الفائقة. في هذه المرحلة ينقض الكون على نفسه في قفزةrebondit بدلا من الاستمرار في التقلص ويبدأ من جديد في التمدد في حين أن كل المقادير التي ارتفعت تبدأ بالتناقص والعكس بالعكس. إن ظاهرة الانعكاس هي التي تتوافق مع حالة الحدث الذي أطلقنا عليه تسمية الانفجار الكبير إلا أن معناها يتغير إذ يمكننا أن نرى الكون السابق لكوننا المرئي كما لو إنه صورة له منعكسة في مرآة الكون اللاحق للحدث الكوني المتمثل بالانفجار الكبير الذي أدى لظهور الكون المرئي الذي نعرفه. والذي هو بدوره ليس سوى حالة انتقالية une transition بين مرحلتين منفصلتين ومتميزتين لنفس الكون الذي يبدو أنه يتكرر. ومن هذا المنظور، فإن معرفة ماذا حدث في الدقائق الخمسة التي سبقت الانفجار الكبير لم تعد ميتافيزيقية ولا طائل منها بل أصبحت مسألة علمية من مسائل الفيزياء النظرية physique theacute;orique.
ظهرت بضعة سيناريوهات بديلة تخيلت إحداها الكون المرئي على شكل راية drapeau بأربعة أبعاد وسمته البران brane أو غشاء يرفرف داخل زمكان أوسع منه وهو شيء مبسوط أو ممتدد eacute;tendu. وفي نظرية الأوتار الفائقة سمي بــ P-brane حيث حرف P يشير إلى عدد الأبعاد المكانية التي تكون البارن أو الغشاء وما فيها من توسعات أو تشعبات ويضاف إليها البعد الزماني للحصول على العدد الكامل للأبعاد في 1- brane الذي يعني غشاء ببعد واحد مكاني ومعه البعد الزماني وكلما تغير العدد يتغير عدد الأبعاد مثل 2- braneوتعني غشاء ببعدين مكانية ومعها بعد زماني وهكذا دواليك وهذا هو السطح الكوني surface drsquo;univers. ولنتذكر هنا أن نظرية الأوتار الفائقة المعيارية تفترض أن الأبعاد المكانية الإضافية للزمكان منطوية على نفسها في مستويات لامتناهية في الصغر تقترب من طول بلانك حيث تخبرنا نظرية الأوتار الفائقة أن الكون المرئي ومحتوياته يخضع إلى مكون واحد جوهري وأساسي على هيئة وتر مغلق أو مفتوح وباهتزاز الوتر تنتج الجسيمات الأولية المختلفة ومنها الجسيمات الحاملة أو الناقلة للقوة والمولدة للكتلة.