يدور حديث خفي وعلني عن نوع من المراجعة السعودية لدورها في المحيط العربي بعد منافسة آخرين لها بشكل صريح وواضح، وطبقا لمعلومات متسربة تقول ان بداية المراجعة هذه متصوبة تجاه العراق، فليس من المعقول أن تفكر السعودية باعادة دورها الفاعل والريادي في المنطقة من دون ايلاء اهمية بارزة في هذا الشان للعراق، لانه البلد العربي الذي يشكل بوابة العرب الشرقية،ولانه يتاخم بلدين غير عربيين يعتبران من اهم اللاعبين الاقليمين، وبمثابة منافسين حقيقيين للمملكة العربية السعودية في المنطقة، وتكاد تكون هذه المعلومة بديهية، ومن ثم ان للسعودية ثقلها الكبير روحيا وعشيريا وشخصيا في العراق فضلا عن الحدود المشتركة، فلماذا لا تستثمر كل هذه الممكنات وهي تناضل من اجل اعادة دورها الذي راح يتعرض للضعف والضمور والسياسة فن الممكنات أصلا ؟
العراق ممثلا بحكومة السيد نوري المالكي تتطلع إلى علاقات حسنة بل جيدة مع المملكة العربية السعودية، المالكي يتوق الى مثل هذه الرغبة كثيرا، والاسباب عديدة، منها ربما يساعد ذلك في تخفيف وتيرة الضغط (السني) عليه، سواء كان هذا الضغط من الخارج أو من الداخل، ومنها ربما يساهم ذلك ويساهم فعلا بالتخفيف من ضعوط ايران عليه، وهو الدائم الشكوى لاصدقائه (الخاصين جدا) من هذه الضغوط إلى حد التبرم والاتهام والتهجم، ومنها ان ذلك يساهم في توسيع ممكنات العراق الامنية في ملاحقة الارهابيين الذين راحوا يعبثون بالعراق طولا وعرضا.
هل يعني هذا ان الطريق سالك امام السعودية للعب دورها الفاعل في العراق ضمن سعيها لاعادة نفوذها او دورها العربي والاقليمي؟
الامر في غاية التعقيد كما يشير كثير من المحللين السياسيين، فصناع القرار السياسي في السعودية ينظرون بعين الجدية إلى موقف المسلمين السنة سواء في العراق او خا رج العراق من اي خطوة تتخذها بهذا الاتجاه، لان المسلمين السنة يشكلون القاعدة الشعبية للمملكة، والمملكة تطرح نفسها الممثل الروحي لسنة العالم اجمع، والمجمل في موقف مسلمي سنة العالم من حكومة العراق متمثلة بالسيد المالكي سلبي للغاية، بل بعضهم خاصة ذوي الاتجاه الاسلامي المتشدد يعتبروها حكومة شيعية قتلت سنة العراق، ورغم ان الاتهام هذا او التصور هذا لا اساس له من الموضوعية، الا أنه تصور نافذ، ومن الصعب تخطيه، خاصة وهناك بعض صناع القرار السياسي السعودي ضالع في تكريس هذا التصور، وثانيا، المملكة العربية السعودية ليست بهذه السذاجة لتتخطى شكوكها في ولاء كثير من صناع القرار السياسي العراقي (الشيعي !!) لاجندة على خلاف بل صراع خفي مخيف مع الرياض.
لقد صرح مرة وزير الخارجية السعودي بان العراق لا يمكن ان يتخلص من مشاكله دون الخروج من المعضلة (الطائفية) وان السعودية ليست في وارد التدخل في هذه (حل) المشكلة إذا لم يطلب منها، والتصريح ينم عن رغبة سعودية ان تكون حاضرة في العراق، ولكن يحول دون ذلك المعضل (الطائفي) على حد تعبير الوزير.
لم نصل الى نهاية المطاف هنا، فان المملكة العربية السعودية ربما تشكك بقدرات صناع القرار السياسي العراقي، سواء كانوا من الشيعة أو السنة، وتشكك باستقلالية مواقفهم السياسية، فهي تسجل في دفاتر معلوماتها عن العراق انّ هناك الكثير من صناع قراره السياسي ياخذون الموقف من خارج الحدود، وخارج الحدود مساحة عريضة هنا، فهناك الجمهورية الاسلامية الايرانية وهناك الجمهورية التركية،وهناك قطر، وهناك ربما حتى الاردن وإن بمستوى منخفض.
فهل تكفي هذه الاسباب وغيرها لتخلي المملكة العربية السعودية من التفكير بان يكون لها حضورها الفاعل في العراق ؟
الاصل في اتخاذ المواقف بالنسبة للدول في مثل هذه الحالات هو (الامن القومي)، فهل امن السعودية القومي بحاجة إلى هذا الحضور، خاصة ان إعادة السعودية لدورها الاقليمي بعد هذا الانحسار يُعتبر جزءا حيويِّا من (أمنها القومي)، فلا أمن قومي سعودي بلا فاعلية سعودية نشطة في العالم العربي خاصة الانظمة العربية التي تمر بمخاض الربيع العربي، وتتاكد هذه الخصوصية مع العراق بصرف النظر عن الربيع العربي يصدق على العراق او لا يصدق...
لماذا ؟
ليس شرطا ان الفوضى في العراق هي في خدمة المملكة كما يرى بعض المحللين، بل قد يكون العكس هو الصحيح، فرياح الفوضى تملك خاصية الانتشار وبدون إذن حدودي، إن المملكة السعودية الداخلي مرتبط بامن الداخل العراقي على درجة كبيرة من الظن والتصور، ومن هنا، من الصعب على المملكة ان تستجيب للاسباب السالفة وتتخلى عن التفكير بحضورها المؤثر في العراق.
إذن ما هو الحل؟