خروج محافظة الرّقة بالكامل من سيطرة الحكومة السورية ووقوعها في قبضة الجيش السوري الحر اثار الكثير من التوقعات فيما يخص مصير الوضع في سوريا، لاسباب عديدة، منها انها المحافظة الكاملة التي خرجت من سيطرة الجيش النظامي السوري، ووقعت تحت سيطرة الجيش السوري الحر، ومنها ان الرقة محافظة كبيرة، تقع في شمال وسط سوريا على الضفة الثانية من نهر الفرات (الجهة اليسرى)، على بعد 200 كم من حلب باتجاه، اي باتجاه تركيا، وتتصل بديرالزور عبر طريق طويل باتجاه المناطق السنية العراقية (المنطقة الغربية) المتاخمة لسوريا، مما يعني ان الجيش الحر وبمعيَّة (الثوار) الآخرين تمكنوا من جغرافية حرّة بالنسبة لهم من جهة، وجغرافية حرجة بالنسبة للنظام من جهة أخرى، فإن ريف حلب يكاد ان يسقط بالكامل بيد المعارضة، ودير الزور متواصلة جغرافيا ومذهبيا وعاطفيا مع المنطقة الغربية العراقية، والاخيرة مقفلة لسنة العراق، وهي الان تشهد احتجاجات ومظاهرات ضد حكومة السيد المالكي، ويجد اهلها بانهم كيان متكامل مع سنة سوريا من جهتهم، ومنها ان سقوط الرقة يكشف بكل وضوح ان المعارضة السورية وفي مقدمتها الجيش السوري الحر تتمتع بمستوى عال من الجهوزية العسكرية، فليس من المعقول ان تسقط محافظة بكل هذا الاهمية مساحةً وموقعاٍ وعدداً بالنفوس ــ 300 الف نسمة ـ بيد المعارضة والجيش السوري الحر تحديدا من غير امكانات وممكنات وقدرات عالية المستوى بالمعدات والاجهزة العسكرية المتطورة، ومنها ان ذلك يهيء ارضية اكثر مرونة للانفتاح العالمي على المعارضة، وقد لاحظ مراقبون مهتمون بالشان السوري بان روسيا وهي الداعم الدولي الاهم للرئيس بشار الاسد تتجه لاتخاذ مواقف أكثر ليونة تجاه المعارضة السورية كلما تحقق الاخيرة مستوى ملموسا من المكاسب على الارض في معركتها مع الجيش النظامي السوري، وفيما تعلن الحكومة السورية موافقتها على الحوار مع المعارضة بما فيها المعارضة المسلحة بشرط ان تلقي سلاحها إنما يدل ذلك على ضعف النظام، بل وعلى مستقبل يؤشر بوضوح ان النظام في طريقه ان يخسر اكثر على الارض، وان الداعم الدولي الاكبر له، اي روسيا، بدأت تدرك بان وضع الرئيس السوري بشار الاسد في غاية الحراجة، وهل ايران على ذات الطريق او الموقف؟ الى الآن لم يصدر من الجمهورية الاسلامية الايرانية ما يعين على الاجابة عن هذا السؤال، ولكن كما يرى مراقبون ان ايران ستبقى داعمة بالمطلق للنظام السوري على اي حال، ومهما بدت من مرونة مع المعارضة يبقى الموقف الجوهري هو رفض انهاء حكومة الاسد، أو كونه رئيس الوزراء على أقل التقادير .
تتشكل الآن جغرافية متواصلة النكهة المذهبية، تبدا من المنطقة الغربية العراقية، الرمادي فما فوق، وتمضي في عمق الاراضي السورية، الرقة باتجاه حلب، وجغرافية هذه مواصفاتها العقدية تتحول الى حاضنة لتدفق من يسمونهم بـ (المتشددين) الاسلاميين، وفي المقدمة القاعدة ونظيراتها، ولا يستبعد مراقبون ان تشهد هذه الجغرافية صراعات دامية بين هؤلاء وبين الجيش السوري الحر، وإنْ يرى بعضهم ان ذلك مؤجل حتى سقوط بشار الاسد بالكامل، ولكن الذي لا شك فيه ان مثل هذه الجغرافية ستشكل ثقلا ضاغطا على بغداد، اقصد حكومة السيد نوري الما لكي، لصالح متظاهري المنطقة الغربية، فهل سيدفعهم ذلك لمزيد من التصعيد، سواء على مستوى المطالب او اساليب التعامل مع الدولة؟
الامر المؤكد ان هذا (النصر) الذي حققه الجيش السوري الحر سوف يزيد من شدة الاصطفاف الطائفي في المنطقة كلها، لانّ ظاهره انتصار للسنة على الشيعة، وكل ما هو شانه كذلك ــ وإنْ ظاهريا ينعكس ــ على بنية المنطقة برمتها .
السؤال الذي يطرح مراقبون بعد حادثة الرقة هو: تُرى هل سوف تعلن امريكا قرارها بتسليح الجيش الحر بعد ان حقق هذا الانتصار؟
لا معالم تساعد على الجواب الآن.
- آخر تحديث :
التعليقات