أثار إعلان وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال quot;المؤقتةquot; في تونس السيد علي العريض، خلال ندوة صحفية، عن تمكن قوات الأمن من القبض على بعض قتلة الشهيد الأستاذ شكري بلعيد، الكثير من الجدل على الساحتين القضائية والسياسية. وذلك بالنظر لما شاب هذا الإعلان من خروقات وعديد نقاط الإستفهام التي أدخلت البلبلة في الشارع التونسي وquot;أثارت هلعهquot; خشية على سير التحقيقات.
فالسيد علي العريض، بداية، لم يكن الشخص المناسب للقيام بهذه الندوة الصحفية. نظرا لما عرف عنه من عداء للمحامي quot;المغدور بهquot; شأنه شأن الكثير من قيادات حركة النهضة ذات التوجهات الإخوانية، على غرار الشيخ الحبيب اللوز وكثر آخرون. كما أن السيد علي العريض باعتباره وزيرا للداخلية تحوم حوله شبهة التقصير في الحيلولة دون اغتيال شكري بلعيد. حيث كانت الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين راسلت في وقت سابق وزارة الداخلية طالبة توفير الحماية للشهيد لكن الوزارة رفضت تلبية الطلب متحججة بعدم توفر ما يستدعي هذه الحماية.
وإذا ثبت بالدليل القاطع ما صرح به في وقت سابق رئيس المرصد الوطني لاستقلال القضاء في تونس، السيد أحمد الرحموني من أن قاضي التحقيق المتعهد بملف اغتيال شكري بلعيد قد أسر له بأن السيد علي العريض وزير الداخلية والمكلف بتشكيل الحكومة التونسية الجديدة، لم ينسق معه للقيام بهذه الندوة الصحفية، فإن وزير الداخلية يكون قد تحدث إلى العموم بدون صفة ولم تكن لديه quot;الأهليةquot; للكشف عن تلك quot;الحقائق المنقوصةquot;. ويكون بذلك السيد الوزير (بعلم أو بجهل) قد عرض نفسه لإمكانية التتبع قضائيا وهو ما لا نتمناه باعتبار الرصيد النضالي للرجل أيام الإستبداد والذي لا يمكن التشكيك فيه.
كما أن ما تم الكشف عنه من معطيات زاد من حيرة التونسيين ولم يف بالغرض وهو تهدئة الشارع الغاضب المطالب بالكشف عن قتلة شكري بلعيد. فالمقصود بـquot;القتلةquot; ليس فقط من نفذ العملية، وإنما أيضا من أعطى الأوامر ومن خطط ومن وفر الظروف الملائمة لدخول تونس في هذه الدوامة من العنف. بما في ذلك من حرض في المساجد على quot;بني علمانquot; (كما يسميهم غلاة التشدد من الإسلاميين) واليساريين وكفرهم، ومن أرسل quot;رابطاتهquot; للإعتداء على اجتماعاتهم الحزبية ولم تكن لديه لا رجولة عرب الأزمنة الغابرة، ولا مروءة الإسلام والمسلمين لخوض منافسة شريفة تستوي فيها حظوظ الجميع أمام صناديق الإقتراع.
إن اتهام التيار السلفي ولو ضمنيا في هذه الندوة الصحفية من خلال إلى انتماء قتلة شكري بلعيد إلى هذا التيار، اعتبره جانب من الرأي العام أيضا اتهام ضمني لحركة النهضة باغتيال الشهيد. باعتبار أن هؤلاء لا يميزون في الغالب بين حركة النهضة وبين التيار السلفي. ويعتبر هؤلاء أن السلفية الجهادية في تونس تمثل إلى جانب رابطات حماية الثورة الذراع العنيف لحركة النهضة وأن في الحركة الإسلامية التونسية الحاكمة ما يعرف في المجال العسكري بـquot;ضباط الإرتباطquot; أي أولئك الذين يتولون مهمة التنسيق بين جيش نظامي وميليشا تعمل تحت إمرته (على غرار قوات العميل سعد حداد أو ما كان يعرف أيام الإحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان بجيش لبنان الجنوبي العميل لإسرائيل). ويتولى دور هؤلاء - بحسب هذا الفريق - مشائخ الحركة من الذين رغبوا في السابق في قطع أرجل وأطراف المعتصمين من خلاف وكذلك الذين دعوا إلى الإعتداء على الصحافيين في اجتماعات جماهيرية وغيرهم، وهم أشخاص يعرفهم التونسيون حق المعرفة ولا فائدة ترجى من ذكر الأسماء.
ولعل مازاد الطين بلة، تصريحات الأستاذ أنور أولاد علي محامي التيارات السلفية التي أكد خلالها أن اعترافات المظنون فيهم قد تم انتزاعها منهم تحت التعذيب، الأمر الذي جعل الرأي العام التونسي في حيرة من أمره وجعل أكثر من طرف يوجه أصابع الإتهام إلى السياسيين بالتلاعب بهذا الملف. فثقة التونسيين عمياء في قوات أمنهم الداخلي التي تقوم بعمل جبار في هذا المجال ولديها الكفاءة اللازمة للتعهد بهذا الملف. وينسحب الأمر أيضا على قضاة البلاد الميامين القادرين باستمرار على الحفاظ على تساوي كفتي الميزان كلما غابت عنهم الضغوط سواء خلال العهد السابق أو مع حكم النهضة. لكن الأمر لا ينسحب على السياسيين الماسكين بمقاليد الحكم في البلاد في الوقت الراهن، والذين وجب تحييدهم وإبعادهم تماما عن هذا الملف الحساس في هذا الظرف الإستثنائي الإنتقالي التأسيسي.