منذ فترة وأنا أتابع ما يحدث من سعار جنسي في المسألة السورية، وأحاول جمع خيوط السيناريو من جهاد النكاح إلى فتوى عجيبة باعتبار السوريات سبايا لمن يسبيهن وله أن يعتبرهن ملك يمين، إلى ما يحدث مع اللاجئات السوريات بما يعتبر اتجار بالبشر، كنت أتابع باهتمام وترقب إلى أن شاعت على الشبكة العنقودية وبعض الصحف العربية حادثة مراسلة قناة إخبارية عربية شهيرة والإخبار عنها بأنه تم اغتصابها وهي تغطي أحداث الثورة السورية في حلب، ثم وردت أخبار أخرى أنها لم تغتصب لكنها قدمت نفسها طواعية لجهاد النكاح!.
هذه الحادثة بالذات سواء كانت حقيقية أو ملفقة تجعلنا مضطرين لاقتحام هذه الممارسات العجيبة التي نجد إثباتا دامغا لبعضها بينما يغيب الإثبات للبعض الآخر، وخطورة هذه الأحداث أنها لو كانت حقيقية فلابد أن يتم الإلتفات إليها وفتح النقاش فيها ليعرف الجميع ماذا يحدث بالضبط علي أرض الشام، وليتم توجيه الشباب والفتيات بخطورة وزيف ما يرتكبونه حتى لا تعم الفاحشة وتنهار الأخلاقيات وتضيع الأوطان، وإذا كانت كاذبة فلا يبرر ذلك السكوت عنها، لأن مجرد نشرها دون تكذيب من المحللين والمراقبين يعمل على إشاعتها وتفعيلها، ولنأخذ مثالا واقعيا يؤكد ما أقول، وهو ما اعتبره المجلس القومي للمرأة بمصر اتجارا للبشر، حيث قام بإرسال خطابين إلى وزير الداخلية المصري ووزير العدل يطالب بوقف زواج المصريين بالسوريات اللاجئات، فقد اعتبر ما حدث لهن إنما هو استغلال بشع لظروفهن، وقد أثبتت الوقائع أن إحدى الجمعيات الدينية في مصر ارتفع فيها صوت المنادي يحث الشباب المصري علي القدوم ليتزوج بإحدى السوريات المتوفرات، علي أن يوفر لها المسكن والمأكل ولن يدفع إلا جنيهات معدودة! وقامت الدنيا وقتها وانشغل الإعلام بهذه الفضيحة، حتى أن إحدى وكالات الأنباء العالمية رصدت الوضع وأجرت حوارا مع بعض السوريين المتواجدين في مصر ليؤكد معظمهم أن مثل هذه الزيجات تمت بالفعل وكانت لفترة محددة أحداها وصل شهرا واحدا، وأن حقوق الزوجة المطلقة في هذه الحالة تضيع تماما، أثبتوا أيضا أن بعض الزيجات تمت لقاصرات، وأنها كانت بأوراق عرفية، اتضح أيضا أن هناك من استغل الوضع، فصار سمسارا لهذه الزيجات التي يتم معظمها في منطقة 6 أكتوبر والتجمع الخامس والعاشر من رمضان، هذه الفوضى أكدتها الفجوة الكبيرة بين الإحصائيات الرسمية والإحصائيات غير الرسمية، ففي الوقت الذي أعلن فيه المجلس القومي للمرأة أن عدد حالات الزواج وصل إلى 12 ألف حالة في عام ونيف، إذا بإحصائيات وزارة العدل المصرية تؤكد أن عدد حالات الزواج الموثق لديها في نفس الفترة بلغت 170 حالة فقط، فإذا عرفنا أنه من شروط التوثيق أن تحصل الفتاة على موافقة السفارة السورية أو السلطات السورية، وأن تكون حاصلة على إقامة سارية بالبلد، سندرك فورا حجم المصيبة حيث ستكون باقي العقود عرفية لا تترتب عليها حقوق لمن تم زواجها، وهنا نصبح أمام مشكلة ستنفجر في وجوهنا إن عاجلا أو آجلا.
عندما اهتم الإعلام بهذه المشكلة وسلط الضوء عليها بدأت الأمور تأخذ شكلا آخر، فانسحبت الجمعيات التي كانت تشجع عليه وأغلقت هذا النشاط تماما في حين أصبح سماسرة هذا العمل الإجرامي يمارسونه في الخفاء، لكن لا شك أن فتح النقاش فيه جعل كثيرين يدركون ما يحدث ويعرفون عن طريق رجال دين مستنيرين تحدثوا في الأمر أن ما يتم من عقود زواج مؤقتة واستغلال لظروف النساء، إنما هو مخالف لشرع الله الذي يحفظ الحقوق ويحرم استغلال الحاجة. لذلك وبنفس الشفافية لابد من مواجهة ما يسمى بجهاد النكاح والذي تسربت عنه معلومات كثيرة وإن كانت ناقصة إلى حد كبير، وأتعجب أن أرى رجال الدين يسكتون عن فتح هذا الملف الشائك ولا يبصرون الناس به ولا بعواقبه، لابد أن يتم فتح هذا الملف ونعرف أين الحقيقة فيه، ومن أدلى بهذه الفتاوى المارقة، خاصة بعدما أعلن الشيخ العريفي أنه بريء من هذه الفتاوى، وهل تم إلصاق الفتوى بالعريفي لإضفاء الصبغة الشرعية عليها؟ ولمصلحة من؟ خاصة أن أول من نشرها على لسانه موقع تابع للرئيس بشار الأسد، الموقف هنا يستدعي وقفة وتأمل، فمن مصلحة نظام الأسد أن ينشر تجاوزات تتم في صفوف معارضيه، ولكن هل من مصلحته أن يضفي الشرعية على فتوى تجيز جهاد النكاح؟
الأمر بدأ بمشكلة الفتاة quot;رحمةquot; والتي كشفت الغطاء عما لم نكن نعرفه، عندما ظهرت على شاشة التليفزيون التونسي أسرة الفتاة القاصر quot;رحمةquot; العطية تستنجد بالمسئولين لحفظ بنات تونس بعدما هربت ابنتهم، وبعد البحث عنها اكتشفوا- على حد قولهم- أن جماعة متشددة اختطفتها وأقنعتها بالسفر إلي سوريا لتمارس ما أسموه جهاد النكاح، بناء على فتوى ألصقوها وقتها بالشيخ العريفي، تقول الفتوى، بأن علي الفتاة التي بلغت 14 عاما فما فوق، أو المطلقة أن تشارك بالجهاد، ومشاركتها تكون بتقديم نفسها لأحد المجاهدين، ليعقد عليها ويقيم معها علاقة زوجية كاملة، لفترة قصيرة قد لا تتجاوز الساعة ليصبح من حق مجاهد آخر الزواج منها بعد طلاقها مباشرة، وذكرت الفتوى التي انتشرت بشكل كبير أن الهدف منها هو تمكين المقاتلين من حقهم الشرعي بالمعاشرة مما يرفع معنوياتهم ويقوي عزيمتهم القتالية! المدهش أنه بعد شيوع هذه الفتوى تبرأ منها العريفي وأثبت بالدليل أنه لا صلة له بها وأنها مدسوسة عليه، وتبرأ منها أيضا مسئولون في صفوف المعارضين لنظام الأسد، وأعلنوا أن هذه الممارسات لا تتم وأن ما يشاع عن مثل هذه الفتاوى إنما يشاع إساءة لسمعتهم. لكن ما حدث في تونس أن الواقع يثبت بأن أكثر من عشرين فتاة قد سافرن بالفعل لما يسمي جهاد النكاح، وأن خروجهن يتم تحت إشراف سيدة تونسية تدعى(ا.ج) وهي راقصة سابقة في إحدى القنوات الفضائية. الموضوع بات محيرا خاصة إذا ربطناه مع ما تم في الجزائر في الشهر الماضي، عندما فتح الأمن الجزائري تحقيقا في نشاط عصابة دولية اختصت في الاتجار بالفتيات والقاصرات السوريات اللاتي قدمن إلى الجزائر مع عائلاتهن لاجئين. ونشرت الصحف الجزائرية أن الكثيرات منهن تم استقدامهن من مخيمات اللاجئين السوريين بتركيا والأردن ولبنان، حيث يتم تحويلهن بالتنسيق مع عصابة دولية إلى إحدى الدول العربية للعمل بالدعارة، وأسفرت التحقيقات عن التوصل إلى عصابة دولية مكونة من رجال أعمال عرب و سماسرة يتواجدون في أماكن مخيمات اللاجئين السوريين في بلاد مختلفة.
وحتى يكتمل المشهد المأسوي للمرأة السورية وبالتالي الشخصية والهوية السورية، جاءت الفتوى العجيبة والتي شاهدناها جميعا موثقة بتسجيل فيديو يصدرها أحد رجال الدين بإحدى الدول العربية المجاورة لسوريا، يدعو فيها إلى سبي النساء السوريات ويعتبرهن ملك يمين لمن يسبيهن فيمكنه الزواج منهن بدون عقد ولا صداق، وهو ما دعا إحدى المنظمات النسوية إلى استنكار هذه الفتوى ومطالبة السلطات بتتبع هذا الرجل باعتباره محرضا على هتك الأعراض واتخاذ الإجراءات القانونية ضده.
ما يحدث للشعب السوري هو محاولة تدمير للشخصية السورية وطمس لمعالمها وإهدار لتاريخها الطويل عن طريق قهر نسائها، واعتبارهن مجرد متاع وسبايا ليتفكك المجتمع ويفقد هويته، فلمصلحة من ما يحدث؟ وإلى متى يظل الأمر في طي الكتمان؟ إن ما حدث من لغط حول مراسلة القناة الفضائية المعروفة لابد أن يكون هو المنطلق لنقف على حقيقة الأمر، فهل فعلا تم اغتصابها؟ هل قدمت نفسها لجهاد النكاح؟ هل كل هذا هراء؟ أين الحقيقة؟ وما يحاك بالضبط للشعب السوري ولبناته ونسائه؟ وأين منظمات المرأة لتقف وترصد و تتابع، منذ متى صار جهاد المرأة بجسدها؟ وهل يعني هذا أن آياد خفية تحاول هدم المجتمع العربي بإشاعة الفسق بين جوانبه، وتحاول تدميره بإعادة المرأة إلى دور الجواري بحيث تفرغها تماما من قضية وطنها وتصبح القضية مجرد هوس جنسي باسم الدين، يدور الكل في فلكه كشكل من أشكال التغييب؟ من يريد لهذا الوطن أن يغرق في غيبوبة الجسد؟ ومن يحاول أن يطمس هوية وطن؟ ومن يشوه الدين ويلصق به هذه الترهات؟.