هل بقي شيء لم ينعاه العاهل الهاشمي الملك عبدالله الثاني ويقرأ عليه الفاتحة بعد أن نعى بالفم الحزين الغاضب الملآن مسار الاستثمار في مملكته أوضاعاً اقتصادية خطيرة ومديونية خارجية باهظة وأحوالاً سياسية ومجتمعية مضطربة في الداخل وعند الحدود شمالاً وجنوباً وغرباً وشرقاً.
ظل الملك عبدالله الثاني يمارس quot;انتحار التفاؤلquot; حتى اللحظة الأخيرة إلى أن ظهر ليل الأربعاء على شاشة التلفزيون الرسمي داعياً الجميع من أركان العمل والخبرة الاقتصادية إلى أهمية العمل وبكل جدية لمواجهة التحديات وجذب الاستثمارات وتوفير فرص العمل، باعتبار ذلك مسؤولية وطنية على الجميع أن يتحملها في القطاعين العام والخاص.
ووضع الملك يده على الجرح حين اشار إلى الفجوة بين القوانين المتعلقة بالاستثمار وآلية التنفيذ على أرض الواقع، الأمر الذي أثر سلبا على بيئة الأعمال وأدى إلى تراجع القدرة على جذب الاستثمارات، التي تعد أهم مصدر لتوفير فرص العمل للأردنيين، وتحقيق النمو الاقتصادي.
وليس فقط الاستثمار وانهياره في المملكة هو ما نعاه الملك فقد كان قبل ذلك دق ناقوس الخطر أمام أعضاء مجلس النواب من خطورة تفاقم العنف الجامعي وضرورة تصدي السلطات الثلاث لمسؤولياتها الكاملة حول هذه الظاهرة، ووضع خطة لمعالجتها بالسرعة القصوى.
تفاقم ظاهرة العنف الجامعي جعل الثقة في التعليم في المملكة وفي الخارج في مهب الريح هذا العنف قض مضاجع الاردنيين وصار السكوت عليه بمثابة الاشتراك فيه.
إلى الآن لم تتناهى إلى مسامع الملك على ما يبدو انهيار منظومة القيم الاجتماعية والمجتمعية وبروز ظواهر غريبة عجيبة على سلوكيات الأردنيين قاطبة ومن دون استثناء ليس أقلها القفز فوق سيادة القانون واختراق جميع الأنظمة سواء في دوائر الدولة ومؤسساتها وصولا إلى الشارع العريض.
في السنتين الأخيرتين عقد الملك عبدالله الثاني عشرات الاجتماعات مع نخب تعليمية وفكرية وحزبية واقتصادية وطلابية وعشائرية بما في ذلك المتقاعدين العسكريين، كان يجمعهم مستشاروه في الديوان الملكي بمناسبة أو بدونها بسبب أو بدون سبب وسط ذهول الأردنيين عن اسباب مثل هذه اللقاءات التي تكاثرت وتوالدت على هامش الربيع العربي والمطالبة بإصلاحات جذرية تتعلق بالنظام السياسي والاقتصادي، والمطالبة بمطاردة الفاسدين من أركان الدولة سابقين ولاحقين ووضع تشريعات تحمي مكتسبات الوطن وأموال الدولة والناس من النهب.
وكذا الحال جال الملك كل رقعة في ديار المملكة والتقى ابناء المدن والأرياف والبوادي والقى خطابات واستمع إلى خطابات كان جلها الولاء للعرش وغاب عنها الكشف عن المطالب الحقيقية التي تعتلج النفوس وتشكل quot;ديناموquot; التفجير في كل لحظة.
وفي حين كان يبدو الملك صريحاً مكاشفاً في كثير من أحاديثه كان يقابل بكلام موارب وغير جريء ممن كانوا يتحدثون سواء من رجال دولته أو حتى من المؤسسة التشريعية (الأعيان والنواب) أو من زعماء القبائل، وحدهم يبدو الشباب الذين هم عدة المستقبل وعتاده كانوا يحاولون إيصال رسائلهم التي لم يكن من هم حول الملك يتقبلها أو يضعها على أجندة العمل الحقيقي.
في مارس/ آذار الماضي، نشرت مجلة (أتلانتك) الأميركية الحديث الأجرأ وغير المسبوق للملك عبدالله الثاني، وفيه دان من أسماهم (الديناصورات) وهو هنا يعني زعماء القبائل الأردنية وجهاز المخابرات وهو الذراع الأمني القوي، وذلك لجهة سبب واحد وهو موضوع الانتخابات البرلمانية وعدم فتح الطرفين المجال لتنفيذ خطة الملك بشأن مقاعد أكثر للفلسطينيين في مجلس النواب، وقال quot;يتقدمون خطوتين و يتراجعون خطوة ، هم سبب عدم قيامي بالاصلاح ، وقد تآمروا مع المحافظين لتعطيل جهودي في زيادة تمثيل اﻷردنيين من أصل فلسطينيquot;.
وهو غمز في تلك المقابلة من قناة جماعة الإخوان المسلمين: quot;هؤلاء ذئاب على شكل حملان منعهم من الوصول الى السلطة هو معركتنا الحقيقيةquot;.
وتطرق الملك إلى إخوته، حيث قال أنهم quot;ﻻ يدركون التغييرات التي تجري، فهم يتصرفون كأمراء، ولكن أبناء عمومتي أمراء أكثر من إخوتي.قلت لهم : quot;الشعب لن يتحمل الانغماس في الاسراف او الفسادquot;.
وإلى ذلك، فإن الكثير مما اشتكى منه الملك عبدالله الثاني ويشتكي ويبد أنه سيظل، لم يكن بفعل ما من عمل مجهول أو من فعل فاعل من ورءا الغيم الأزرق،، فالكثير والكثير من هذا التسيّب وهذا الانهيار تصاعد أكثر وأكثر حتى وصل الى نخاع الدولة التي كادت تهرم في السنوات العشر الأخيرة، وهي سنوات ولاية الملك عبدالله الثاني الذي من المفترض أنه ورث حكماً صامداً ثابتاً مستقراً رغم كثير من الهزات والهنات والأزمات الاقتصادية.
في خطاب العرش الذي افتتح فيه الدورة غير العادية لمجلس الأمة في مارس/ آذار الماضي، دعا الملك الى (ثورة بيضاء) في مختلف سبل وإدارة الدولة، بعد ثلاثة أشهر لم يطرأ اي تقدم ملموس ولا غشارة تنبىء بخير أو بركة،، يل ان شكاوى الملك تكاثرت. والغريب أن المستشارين هم نفسهم المستشارين والمديرين هم نفسهم المديرين والعقول المدبرة من وراء ستار هم ذاتهم من وراء ستار حديدي أيضاً!
والحال ذاته مع (الديناصورات - زعماء العشائر) الذي يتوالدون ويتكاثرون كالفطر فيعد أن كانوا في بدايات تأسيس الدولة لا أكثر من 30 أو 40 زعيما وشيخا فان يبدو أن مفرختهم انتحت في القرن الواحد والعشرين quot;شعباً كاملاً من الديناصورات ndash; أي 6 ملايين ونصف المليون آدمي كلهم شيوخ على حالهم يركبون القانون على هواهم وحسب مصالحهم وأمزجتهمquot;!
الملك عبدالله الثاني يحكم بـ quot;ملكية نصف مطلقةquot; وهذا أمر أكيد وواقع، وهو ما ورد في مداخلة لمراسل مجلة (أتلانتك) في المقابلة الشهيرة مع الملك، فالمملكة ليس لديها رئيس وزراء ومجلس نواب منتخب، والملك حسب الدستور يستطيع إعفاء رئيس الوزراء وحل البرلمان إذا رأى ذلك مناسباً. والملك نفسه يرد بالقول: quot;تعيين وطرد رؤساء الوزارات استهلك الكثير من وقتي مؤخراً .. وأريد أُخرج نفسي من هذه العملية،، يرتفع ضغطي، وزوجتي تعرف ذلك،، وعندما أضطر لتغيير الحكومات. كلما مررنا في تلك الدائرة فإن ﻻ أحد سيكون سعيداquot;.
والملك يكرر دائماً أنه يريد أن ينقل السلطة إلى برلمان منتخب، وحين سئل في تلك المقابلة عما إذا كان يريد دوراً بروتوكولياً: أنت ﻻ تريد أن تكون الملكة إليزابيث؟.
أجاب: حسناً، أين ستكون الممالك خلال 50 عاماً؟. ويوقل مراسل اتلانتك: الملك يفهم تماماً أن الملكية ليست صناعة نامية، لكن هل تفهم عائلته الممتدة ذلك؟ .. الملك عبدالله الثاني يؤكد ان: الملكية ستندثر ، ابني سيقود ديمقراطية على النمط البريطاني!
والسؤال الآن، هل الملك عبدالله الثاني الموصوف في دوائر الغرب بليبراليته وعلمانيته quot;ديكتاتوري استبدادي أم ديموقراطيquot; ؟، أنا شخصياً أمل الى توصيفه بـ quot;الديكتاتوريquot; في القرار ولي مبرراتي في هذا التوصيف وهو وِزرٌ لا يتحمله وحده، بل ان كل من حواليه واركان دولته وحتى الديناصورات فضلا عن الأجهزة الأمنية ساهموا في التأصيل لمثل هذه الديكتاتورية التي ظل مرتكزها قول الجميع عند اتخاذ أي قرار: quot;مثل ما يؤمر سيدناquot;.! مثل هذه الجملة الأخيرة لا تبني دولة مستقرة ولن تكون نموذجا يحتذى ولن تكون بوابة حقيقية للمستقبل الناجز!