لم تكن زيارة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني لواشنطن تنتهي حتى جوبهت بأزمة جديدة تتداعى كل الأطراف لـ quot;لملمتهاquot; بأقل الخسائر الأمنية، وما يطاول منها quot;هيبة الدولةquot; التي صارت مثار سؤال مقلق.

معركة جامعة الحسين في مدينة معان الجنوبية التي ظلت تشكل صداعاً مرعباً للحكم في الأردن جاءت بمثابة امتداد لمعركة جامعة مؤتة في محافظة الكرك الجنوبية قبل نحو شهر، وما بين الحادثتين سالت دماء وارتجت الدولة التي لم تهنَأْ إلى اللحظة بمنجزها الديموقراطي بانتخاب مجلس نواب هو الآخر مصدر تساؤلات كثيرة من جانب قطاعات شعبية كثيرة.مع تصاعد العنف المجتمعي وحروب الجامعات وانهيار الكثير من منظومة القيم والأخلاق في الشارع الأردني، وحدها الحكومات الأردنية قصيرة العمر المتعاقبة تقف بلا قرارات صارمة للملمة الشارع اتساقًا مع الخطوات الإصلاحية التي انتهجتها المملكة في غضون العامين الماضيين.
كل هذا يأتي متزامناً مع تداعيات الأزمة في الجار السوري الشمالي واقتراب الحريق من الساحة الأردنية و... أزمة اقتصادية غير مسبوقة ومديونية خارجية تتصاعد في شكل سريع وغير منضبط بلا حدود.ومع المحاولات اليائسة للتهدئة على مختلف الجبهات الداخلية في الأردن وتصعيد اللهجة الرسمية في حكاية أن الأردن بلد الأمن والأمان، فإنه على الواجهة الأخرى وهي مهمة، يأتي الشأن الفلسطيني، وموضوع التحركات نحو المفاوضات.هذه التحركات بعضها سري وبعضها علني، وكانت في صلب زيارة الملك عبدالله الثاني لواشنطن وكذا الحال في صلب محادثات أوباما خلال جولته الشهر الماضي في المنطقة، وكانت عمّان إحدى المحطات المهمة.
قبل زيارة أوباما، فجّر الملك عبدالله الثاني مجموعة من القنابل، في تصريحات لمجلة (اتلانتك) الأميركية، وهي شكلت عصب الموقف الأردني المستقبلي،، فالملك انتقد دور زعماء العشائر الذين وصفهم بـ (الديناصورات) الذين يعارضون بعض الاصلاحات وخاصة لجهة منح المزيد من المقاعد للفلسطينيين في البرلمان، كما انتقد دور جهاز المخابرات القوي في هذه القضية بالذات، اذ لم تسفر الانتخابات البرلمانية الأخيرة عن تحقيق ما يهدف اليه الملك، ومثل هذا الهدف يصب اولاً وأخيرًا في quot;خانةquot; الحل الشامل للقضية الفلسطينية، وهو حل يمكن أن يعطي للفلسطينيين quot;دولة مستقلة رمزياًquot; لاكمال شرط حل الدولتين، وهذه الدولة ستذهب الى كونفدرالية مع الأردن.
السلطة الوطنية الفلسطينية بزعامة محمود عباس تحركت نحو دعم دور الملك عبدالله الثاني، وقد تجلى ذلك في ضوء الاتفاق الذي تم بين الملك عبد الله الثاني والرئيس محمود عباس يوم31 مارس/ آذار، والذي فوضت فلسطين بمقتضاه( رسمياً) الأردن رعاية الأماكن المقدسة، وذلك بعد أن كان ذلك التفويض شفويًا، منذ قرار فك الارتباط القانوني والإداري بين الأردن والضفة الغربية في1988/7/31, وذلك بعدما كانت الضفة الغربية جزءًا من الأردن منذ مؤتمر أريحا عام1949 حتى حرب 1967، ومنذ فك الارتباط عام1988 وحتى توقيعها على اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية( وادي عربة) في26 أكتوبر1994 ظلت الاردن مسؤولة عن الإشراف على المقدسات الإسلامية والمسيحية الفلسطينية مع السيطرة الأمنية لإسرائيل عليها.
ومع تحرك الملك عبدالله الثاني نحو الحل المستقبلي للقضية الفلسطينية، ومع حرصه على ابقاء السيادة الهاشمية قائمة على الاردن وربما الكونفدرالية المقبلة من خلال ملكية دستورية يجري التحضير لها، وبموافقة دولية - إسرائيلية - فلسطينية، فإن مثل هذا التحرك يقض مضاجع الشرق أردنيين، إذ هو معروف أن أكثر من نصف اﻷردنيين من سكان المملكة الهاشمية هم من أصول فلسطينية، وتعود جذورهم إلى الضفة الغربية لنهر اﻷردن، ولكن قادة العشائر هم من الضفة الشرقية، وقد اعتمد الملوك الهاشميون منذ تأسيس الدولة الأردنية العام 1921 على الشرق اردنيين ليدافعوا عن العرش منذ أن جاء الهاشميون من مكةللمرة الاولىإلى ما كان وقتها يسمى عبر اﻷردن.ولقد ظلت العلاقة بين الهاشميين وزعماء العشائر تتواتر بين شد وجذب صعودًا ونزولاً، استنادًا لمصالح طرفي المعادلة ففي مقابل دعمهم للقصر الملكي الهاشمي والولاء الدائم له يتوقع قادة العشائر الشرق أردنية من الهاشميين أن يحموا امتيازاتهم، وأن يحددوا نفوذ الفلسطينيين.
وهنا، فإنه عندما ﻻ يكون الهاشميون منتبهين كفاية لمثل هذه المعادلة الصعبة التي صارت أشبه لعادات لا يمكن التراجع عنها، فإن المشاكل تظهر بشكل حتمي،، ولذلك ليس مستغربًا مثل هذه المواجهات العنيفة التي تشهدها الجامعات الأردنية، فضلاً عن تصاعد العنف المجتمعي وسمة التشاؤم العامة التي تسيطر على الشرق أردنيين من أداء حكوماتهم المتعاقبة، وهي قصيرة العمر اساساً.
وإلى ذلك، فإنه إذا كان للحروب دائماً من نتائج واقعية على الأرض، فإن (الحرب الصامتة) من دون جيوش ودبابات وطيران على الأرض الأردنية ستكون لها نتائجها المستقبلية حتمًا، وقد تكون وشيكة، ويلاحظ أن مثل هذه الحرب الصامتة تقتصر على الشرق اردنيين في مواجهة أجهزة امنهم وحكوماتهم دون أن يكون للفلسطينيين أي دور فيها، اذ لم يشارك الفلسطينيون طوال العامين الماضيين حتى في الحراكات الشعبية الداعية للإصلاح.
وأخيراً، فإن أجندة الملك عبدالله الثاني التي ربما لم يفهمها الشرق أردنيون أو أن هناك من يحاول إخفاءها عنهم، واضحة، فهو يطمح لملكية دستورية كاملة واحزاب وطنية وصولاً الى حالة ديموقراطية كاملة على غرار الديموقراطية والملكية الدستورية البريطانية، وهي في هذا الشكل ستكون مقبولة في المستقبل حتى من جانب الشعب الفلسطيني الذي يستعد لدولة مستقلة رمزيًا على ما تبقى من أراضي الضفة الغربية وربما غزة ليشكل الأطراف الثلاثة (الشرق أردنيون والفلسطينيون والهاشميون) دولة الكونفدرالية المنتظرة .. وحيث الزمن واعد بمزيد من التطورات، فإن الطريق لن تكون سهلة وممهدة بالورود، ولذلك لا نستغرب هذا التململ الكبير على الساحة الاردنية وهو مختلف بالتأكيد عن تداعيات الربيع العربي!!