مازالت تفجيرات بوسطن تثير اهتمام المتابعين للشؤون الدولية وخصوصا أولئك المهتمين بما يحصل وراء المحيط حيث أكبر عاصمة لصنع القرار في عالم القطب الواحد، الذي ترسخ مع نهاية الحرب الباردة بسقوط جدار برلين وما تلاه من أحداث كبرى كان أهمها تفكك العملاق السوفياتي. فلا يختلف إثنان بأن ما يحصل لدى العام سام يكون له بالغ التأثير على مجريات الأحداث العالمية، وأن ما يتم الإتفاق عليه وراء جدران الكونغرس والبيت الأبيض وغيرها من أروقة وكواليس صنع القرار في واشنطن يمثل حدثا يحظى بمتابعة الجميع، باعتبار الآلة الدعائية الضخمة التي تتوفر عليها الولايات المتحدة وباعتبار الوزن الدولي لموطن quot;جورج واشنطنquot; وغيره من quot;الآباء المؤسسينquot;.

وفي انتظار نتائج التحقيق المتعلقة بتفجيرات ماراطون بوستن، تعددت التأويلات من هذا الطرف وذاك، إلى حد التناقض أحيانا، ولكل أسانيده حول تحميل المسؤولية لهذه الجهة أو تلك. ولكل توقعاته للنتائج التي ستنجر عن هذه الأحداث التي اتفقت أغلب الأطراف الدولية على إدانتها بسبب استهداف مواطنين أبرياء لا ناقة ولا جمل لهم فيما تتبعه بلادهم من سياسات تغلب باستمرار مصالح إسرائيل والولايات المتحدة حتى وإن مست هذه المصالح بحقوق الآخرين من شعوب العالم، خصوصا بمنطقة الشرق الأوسط.
نظرية المؤامرة
وترى بعض التحليلات التي تتخذ من نظرية المؤامرة أساسا لتفسير الظواهر السياسية ولتوقعاتها بشأن النتائج التي تترتب عن الأحداث التي تشهدها الساحة الدولية، بأن جهات داخل الولايات المتحدة نفسها، هي التي تقف وراء هذه التفجيرات لتتخذها لاحقا ذريعة لشن عمل مسلح ما، في بقعة ما، من بقاع الأرض، عبر اتهام جهة ما، بالوقوف وراء هذه التفجيرات.
ويتوقع أصحاب هذه quot;المقولاتquot;، (الذين يصر أغلبهم على أن واشنطن كانت أيضا وراء تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر عبر اختراق الجماعات المسلحة quot;الجهاديةquot; وتسهيل عملية قيامها بتلك التفجيرات) بأن يعلن في الولايات المتحدة قريبا عن علاقة بين منفذي هذه العملية الإجرامية، وجهة ترغب الولايات المتحدة في استهدافها قريبا، قد تكون إيران، وربما سوريا أو غيرهما. المهم بالنسبة لهؤلاء هو إثبات التهمة على الأمريكيين وإبعادها عما يعرف بـquot;تيار الإسلام السياسيquot; الذي أساء كثيرا لصورة الإسلام في الغرب خلال العقدين الأخيرين باعتبار تبنيه لفهم خاطئ للديانة المحمدية.
جهات روسية
ولا يستبعد بعض المراقبين أن يكون لـquot;جهات روسية فاعلةquot; دور فيما شهدته مدينة quot;العلم والجامعات ومراكز البحوثquot; الأمريكية من أحداث دموية. و quot;حجةquot; هؤلاء أن أحد المشتبه فيهم بارتكاب هذه الجريمة الإرهابية من الشقيقين الشيشانيين، كان قد سافر إلى روسيا قبيل التفجيرات وقضى هناك مدة تقارب الأشهر الستة ولم تعرف أسباب الزيارة ولا حتى الغاية من بقائه هذه المدة الطويلة نسبيا.
ويشار إلى أن الرئيس بوتن، المتربع على عرش الكريملين، سارع إلى تقديم التعازي للرئيس أوباما واقترح عليه مساعدتة أمنيا خلال الألعاب الأولمبية الشتوية التي ستجرى في quot;سوتشيquot; السنة القادمة. كما أعلن الكريملين في بيان له إثر أحداث بوسطن بأن الجانبين الروسي والأمريكي اتفقا على تعزيز التعاون في المجال الأمني بينهما وعلى مكافحة الإرهاب، رغم أن الولايات المتحدة كثيرا ما انتقدت موسكو على انتهاكاتها لحقوق الإنسان في الشيشان، وكثيرا ما دعمت الإنفصاليين الشيشانيين الراغبين في الإستقلال عن الدب الروسي. ولعل الإستفادة الحاصلة لموسكو من هذه التفجيرات، هي التي دفعت بالبعض إلى الإشتباه في تورطها فيها، رغم أن هذه الفرضية تبدو مستبعدة باعتبار أن القوى الكبرى لا تلجأ إلى هذه الأساليب في تصفية الحسابات فيما بينها.

quot;تنظيم القاعدةquot;
وبطبيعة الحال فإن أغلب الشكوك حامت وتحوم حول quot;تنظيم القاعدةquot; أو الجماعات الأصولية التي تتبنى العنف لفرض أفكارها، والمحسوبة على الإسلام، لما لهذه الجماعات من سوابق في هذا المجال، ولما لها من فكر يعتبر قتل الأبرياء بتلك الطريقة البشعة في تظاهرة رياضية جهادا يؤجر عليه. ولعل انتماء المشتبه فيهما إلى الشيشان المسلمة هو الذي جعل بعض الأقلام المعادية للإسلام في الغرب تصر على هذه الفرضية وتغلبها عما سواها.
وقد تحدثت بعض المصادر عن قيام الشابين بالتفجير من خلال قنابل يدوية صنعت من أواني الطبخ، من خلال طريقة وردت في مجلة الملاحم التابعة لتنظيم القاعدة. كما أن هذه المجلة نشرت في وقت ما دراسة لـquot;قاعديquot; يدعى quot;أبو مصعب السوريquot; تتحدث عن الأهداف التي يمكن استهدافها ويزهق فيها أكبر قدر ممكن من الأرواح بأقل التكاليف، ومن بين الأهداف الواردة في الدراسة، التجمعات الرياضية. ولا يستبعد أصحاب هذا الرأي تأثر الشابين المشتبه فيهما بما ورد في نشرية القاعدة في جزيرة العرب المشار إليها. لكن ذلك يبقى مجرد تخمينات لا وجود لدليل مادي يثبتها خاصة وأن ما تم الإعلان عنه رسميا في الولايات المتحدة، أنه لم يتم إلى حد الآن إيجاد دليل يثبت وجود رابط بين الشابين المشتبه فيهما وتنظيم القاعدة.
موقف حرج
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو ذلك المتعلق بكيفية تعامل الولايات المتحدة مع نتائج التحقيق في حال ثبوت تورط جهات أصولية ممن ينعتهم المصابون في الغرب بـquot;الإسلاموفوبياquot;، بـquot;المتطرفين الإسلاميينquot;. إذ لا يخفى أن الإدارة الديمقراطية برئاسة أوباما دعمت وصول quot;التيار الإسلاميquot; إلى الحكم في دول quot;الربيع العربيquot; وخصوصا في تونس ومصر، ومازالت تساند تغلغلهم في أجهزة الحكم وتتغاضى عن انتهاكاتهم، تماما مثلما فعلت مع من سبقهم في حكم البلدين من الديكتاتوريات المطاح بها.
فإدارة أوباما ستجد نفسها في موقف حرج أمام الرأي العام الأمريكي لأن السواد الأعظم من الأمريكيين لا يميز بين تنظيم القاعدة والحركات الأصولية الجهادية من جهة وبين باقي الجماعات الإسلامية ومن ذلك التنظيم العالمي للإخوان المسلمين من جهة أخرى، بل أن غلاة التطرف لديهم يعتبرون كل المسلمين إرهابيين ويصعب إيضاح هذه الصورة الضبابية لديهم في ظل هيمنة اللوبي الصهيوني على القرار في بلد العم سام وعلى الإمبراطوريات الإعلامية الضخمة المؤثرة في الرأي العام الأمريكي. فهل سيتخلى أوباما عن حلفائه؟ أم سيدافع عن التمشي الذي انتهجه وهو دعم الحركات الإسلامية المعتدلة لسحب البساط من تحت أرجل المتشددين في العالمين العربي والإسلامي؟ وفي حال حافظ الديمقراطيون على ذات النهج، ألن يستغل خصومهم الجمهوريون ذلك لتحقيق نصر على حسابهم خلال الإنتخابات القادمة للإنتصار مجددا لنهج جورج بوش الإبن ومحافظيه الجدد أي الصدام مع الإسلام في إطار صراع الحضارات؟ جميعها أسئلة تطرح نفسها بإلحاح ولن يجيب عنها سوى ما ستتوصل إليه الأجهزة الأمنية الأمريكية من معلومات وما ستكشف عنه التحقيقات، لو بقي المشتبه فيه الثاني على قيد الحياة.