لا نعرف من أين نبدأ في الحديث عن عراق اليوم، ما بين التفجيرات اليومية التي تنسب للقاعدةـ وما أدراك ما القاعدة!-، والفساد الطاغي، وانهيار الخدمات، ورفض المالكي لطلبات امتثاله أمام البرلمان الذي انتخبه، كما يفعل أي رئيس لمجلس الوزراء يستوعب مسؤولياته وينطلق من المصالح الوطنية العليا. كما لا يكون من التحامل استهجان موقف الحكومة العراقية مع جزار الشام ترضية لنظام الفقيه، الذي يتحدى الرأي العام الدولي في سعيه المتواصل لتصنيع القنبلة النووية، مستغلا سياسات أوباما الملتوية والاسترضائية؛ هذا النظام الذي ينشر الموت والجاسوسية والتطرف والطائفية في المنطقة.
ومن وقت لوقت يقوم مسؤول إيراني بزيارة العراق بحجة تقديم المشورة لحكام العراق، ولتقترن الزيارة بأحداث دامية، كالتفجيرات الكبرى التي وقعت للتو مع العدد الكبير من القتلى والجرحى، وكوقوع ضحية أخرى بين سكان لاجئي معسكر ليبرتي العزل من أفراد مجاهدي خلق، والمفترض أنهم تحت حماية اتفاقيات جنيف، ونعني وفاة محمد حسين برزمهري بسبب الحرمان من العلاج الطبي الناجع في المعسكر.
كان آخر من زاروا العراق من المسؤولين الإيرانيين مسؤول الاستخبارات المدعو مصلحي، والذي صرح في بغداد بأنه جاء لتقديم خبرة إيران الطويلة في quot; مكافحة الإرهابquot;- وليس هذا بغريب من دولة مارست وتمارس الإرهاب في كل مكان: من قلب أوروبا [اغتيال الزعيم الكردي قاسملو في فينا واغتيال شابور بختيار وغيرهما]، وإلى الأرجنتين، فالعراق ولبنان وسورية واليمن ودول الخليج- وصولا لأفريقيا، وبدأ بخطف وحجز طاقم السفارة الأميركية في طهرن.
مقالي هذا مكرس في عجالة لموضوع لاجئي ليبرتي العزل، معالجا الموضوع لا من الناحية السياسية، بل من النواحي الإنسانية والقانونية والأخلاقية. وسبق أن كتبنا في هذا الموضوع الخلافي عدة مقالات تلاقى معها البعض وشتمها آخرون!
الموضوع هنا ليس تحليلا لمواقف مجاهدي خلق السياسية، وهي المنظمة الإيرانية الأكثر نشاطا في المعارضة. ولا أناقش التهم بأن بين سكان ليبرتي- [أشرف سابقا]- من كانوا ينفذون عمليات لصالح النظام العراقي السابق داخل العراق، كما يدعي البعض، ولكن ينفي آخرون [ومنهم السيد إياد جمال الدين]. هذا موضوع خلافي. ولكن القضية هنا أن هؤلاء سلموا أسلحتهم للقوات الأميركية وأن معسكرهم السابق- أشرف- كان تحت حمايتها كلاجئين سياسيين عزل. وكان المفترض بالحكومة العراقية عندما تسلمت مسؤولية الإشراف على المعسكر ضمان امن سكانه وصحتهم والسماح بزيارات أقاربهم. أما ما حدث، فهو حصار وتضييق مستمران، ثم حملتا المالكي الدمويتان عامي 2009 و2011 وقتل العشرات وجرح المئات. ثم اجبروا بالقوة على الانتقال من المعسكر إلى سجن قرب بغداد باسم ليبرتي بتواطؤ من كوبلر، مبعوث المم المتحدة، وبصمت أميركي مريب، ليكونوا هذه المرة تحت نيران الصواريخ التي قتلت فريقا أخر منهم وجرحت العشرات. وتمارس الحكومة العراقية انتهاكات بشعة لحقوق الإنسان واتفاقيات جنيف عندما تحرمهم من الحدود الدنيا من الخدمات الطبية، وتشدد حولهم الحصار، وتسمح للمليشيات الشيعية بقصفهم بالصواريخ.
لم يخف المسؤول المخابراتي الإيراني مصلحي أنه تحدث مع المسؤولين العراقيين المعنيين عن قضية اللاجئين وطلب طردهم من العراق؛ مثلما لم يكشف سرا حين صرح بتطابق الموثقين العراقي والإيراني من الأزمة السورية. ويبدو أن الهدف الأول لزيارته كان قضية ليبرتي وسكانه، والإلحاح على المزيد من مضايقتهم لجعل حياتهم في العراق جحيما. ولعل من الخطة تسليم فريق منهم لإيران.
نعم، القضية هنا إنسانية وأخلاقية وقانونية، وأيا كان التقييم لمسيرة مجاهدي خلق السياسية؛ قضية لاجئين سياسيين تجب حمايتهم لا التضييق الوحشي عليم وإبادتهم على دفعات ومراحل. وتتحمل الحكومة الأميركية مسؤولية خاصة، وكذلك الأمم المتحدة التي لم تسحب مبعوثها من العراق رغم وضوح انحيازه للمواقف الإيرانية والعراقية في هذا الموضوع. ولعل المطلوب أن تبادر الأمم المتحدة بطلب إلى الدول الغربية لإيواء هؤلاء حالا، ولحين الاتفاق النهائي على توزيعهم على عدة دول حيث تضمن لهم حقوقهم وأمنهم. كما أن القضية تستوجب اهتماما استثنائيا من منظمات حقوق الإنسان ومن الكتاب المنصفين، مع علمي بأن هناك أصواتا وأقلاما ترضى بما يجري لهم حاليا في العراق بذرائع سياسية واهية، وتتحامل على كل من يقول غير ذلك. وأعتقد أن أية ذريعة سياسية لا تبرر التعامل غير الإنساني وغير القانوني مع لاجئين سياسيين عزل سبق أن تعهدت الحكومة العراقية علنا بحمايتهم وضمان أمنهم وحقوقهم، مثلما لا تبرر السياسة اغتصاب السجينات وانتزاع الاعترافات بالتعذيب وبالتهديد بالاغتصاب، وإعادة إنتاج ممارسات النظام المنهار بتفوق غير محسود!!
إن ما يبدو واضحا من أمر العراق هو أن إرادة خامنئي فوق كل إرادة، وفوق الاتفاقيات الدولية والإعلان الدولي لحقوق الإنسان!
إيلاف في 16 أبريل 2013