كان لابد أن يتناول الإعلام العربي مناسبة مرور عشر سنوات على حرب إزاحة النظام البعثي في العراق، وما وصلت إليه اليوم أحوال العراق.
يكاد معظم التحليلات يجمع على أن الرابح الأكبر في ساحة العراق اليوم هو نظام الفقيه، الذي يمسك بتلابيب السلطة والمجتمع والسياسة في العراق. ويكاد معظم المحللين العرب يجمعون على تحميل الجهة الأميركية وحدها مسؤولية هذا المآل التعيس لعراق يرثى له حقا، ومنهم من يعرض القضية وكأن الأمر كان مقصودا!!
المعضلة عندي هي أن الإعلام العربي يكاد ينسى دوره هو والدور العربي عموما في كل ما حدث قبل الحرب وبعدها، من حملات تشويش وتحريض ومزايدات وفتاوى تحريم ضد الوضع العراقي منذ الأسابيع الأولى لسقوط صدام، وترك المجال لإيران وأدواتها، والصمت عن التواطؤ السوري الذي كان يسهل تسلل الإرهابيين القاعديين للأراضي العراقية، وجفاء جامعة عمرو موسى في التعامل مع مجلس الحكم، والمطالبات العاجلة بالانتخابات. حتى الأزهر أصدر فتوى تحرم التعامل مع مجلس الحكم في حينه.
والملاحظ أيضا أن كثيرين ممن يطالبون اليوم الدول الغربية بالتدخل في سوريا ضد الأسد بتسليح المعارضة هم أنفسهم جرموا الحرب والمرحبين بها من أبناء العراق وساسته. فما عدا مما بدا! الحجة اليوم هي المذابح اليومية التي يتعرض لها الشعب السوري. وللمقارنة، فإن ضحايا النظام السابق، لاسيما منذ انتفاضة مارس،1991 من المدنيين العراقيين كانوا أضعافا: ما بين عمليات قمع الانتفاضة، والمقابر الجماعية، وحرب الأنفال، ومن قبل حلبجة -سوى انه لم تكن عهد ذاك وسائل إعلام تراقب وتواكب الجرائم أولا بأول كما يجري اليوم في سوريا فيتحرك الرأي العام. وما يخص أسلحة الدمار الشامل، فالكيميائي لم يكن شبحا بل استخدم ضد الشعب. وإن كمية كبرى من الأسلحة الجرثومية تم كشفها قرب أبي غريب في منتصف التسعينات بعد هروب حسين كامل. والنظام السابق كان يناور مع المفتشين الدوليين ويعطي معلومات متضاربة، وأحيانا يطردهم، مما كان يعطي الانطباع بوجود ما يخفيه.
وإذن، فإن الموضوعية تقتضي عدم طمس الدور العربي، الرسمي والشعبي والإعلامي، فيما وصلت إليه أحوال العراق اليوم من ترد في كافة المجالات.
نعم، الأميركيون تورطوا في سلسة أخطاء كبيرة، في مقدمتها عدم القراءة الدقيقة للساحة السياسية والمجتمع العراقيين والانطلاق من تقسيمات [شيعة- سنة- أكراد]، وإعطاء الثقة للأحزاب الدينية الشيعية القريبة من إيران، التي عرفت كيف تلعب لتخريب محاولات قيام نظام ديمقراطي عراقي، مستغلة المليشيات الشيعية، وشبكات القاعدة التي كان العديد من زعمائها في إيران وفي خدمتها. وقد كتبنا في حينه ومرارا أن الديمقراطية، بعد عقود من الاستبداد الوحشي، لا تبنى كسلق البيض، وأن الانتخابات ليست المعيار الأوحد للديمقراطية. وانتقدنا الجدول الزمني المستعجل، الذي وضع تحت ضغط الساسة العراقيين والأمم المتحدة والجامعة العربية. كما كان لطريقة التعامل الأميركي مع الجيش العراق آثار سلبية قاتمة إذ كان يجب دعوة كل الأصناف للعودة لثكناتها باستثناء كبار القادة، وتعويض من لا يريد العودة. وقد اعترف بريمر أكثر من مرة بخطأ وضع هيئة اجتثاث البعث تحت سلطة فريق من الساسة المهووسين بالثأر والانتقام، والذين كانوا متأثرين بالضغوط والعقد الإيرانية.
وتساهل الأميركيون أيضا مع النفس الطائفي في بيانات وقرارات مؤتمر المعارضة في لندن عشية الحرب. وفي 26 ديسمبر 2002 نشرنا دراسة بعنوان quot;قراءة استشفافية لمؤتمر المعارضة في لندنquot;، تناولنا فيها الموضوع الطائفي بصراحة. وبعد أن صوبنا الإشارة لما عاناه الشيعة من اضطهاد وتمييز، خطأنا التركيز على ذلك وتكراره في البيانات والقرارات . ومما ورد في دراستنا:
quot;إن التوقف مطولا عند قضية اضطهاد الشيعة، والتأكيد على كونهم quot;الأغلبيةquot; من العراقيين وبالصيغ الواردة- ناهيكم عما قيل عن طبيعة التمثيل [نسب دينية]- لابد وأن يثير بعض المخاوف والحساسيات بين بقية العراقيين المسلمين وعند الجيران العرب. وعلى صعيد آخر، فلا يمكن لأي حزب سياسي أو مجلس شيعي ادعاء حق تمثيل جميع الشيعة العراقيين. فالشيعة الذين اشتغلوا في النشاط السياسي هم من لوان سياسية مختلفة. فالحزب الشيوعي مثلا ضم المئات من الكوادر القيادية والأعضاء المنحدرين من عائلات شيعية. وكان الحزب الوطني لجعفر أبي التمن، الزعيم الشيعي، يضم زعماء سياسيين من السنة. وحزب الاستقلال القومي كان خليطا سنيا- شيعيا. وكذلك الحزب الوطني الديمقراطي والحزب الجمهوري وغيرهما. وحزب البعث نفسه ضد قيادات وكوادر من أبناء الشيعة.quot; وأضفنا:
quot;أن أفضل طرق التمثيل في التحالفات السياسية هي طريقة التمثيل بين أحزاب وتجمعات لا يدعي أي منها احتكار تمثيله للعرب الشيعة أو السنة في العراق. أما الكرد والتركمان والآشوريون والكلدان، فإن قضيتهم تختلف لأنهم ممثلون في أحزاب تمثل القوميات العراقية من غير الأكثرية العربية.quot;